‹‹ما تقيش معاشي›› هو الشعار الذي رفعته النقابة الوطنية للتعليم العالي في وقفتها الاحتجاجية أمام مقر وزارة التعليم العالي صباح يوم الخميس 06 فبراير 2014 احتجاجا على الاقتطاع المفاجئ الذي طال معاش عدد كبير من المتقاعدات والمتقاعدين. وقد شاركت في هذه الوقفة النضالية جمعية الأساتذة الجامعيين المتقاعدين بالمغرب وبعض متقاعدات ومتقاعدي الوظيفة العمومية المتضررين من هذا القرار المجحف للحكومة. في البداية ندرج هذا الخبر في إطار ‹‹الإحاطة علما››، حيث نعتقد نحن المتقاعدون أن وسائل الإعلام بكل أصنافها المرئية والمكتوبة والنقابات والأحزاب لا علم لها بهذا الخبر .. أو هكذا بدا لنا الأمر وما يزال .. وسبب هذا الاعتقاد هو ذلك الصمت الرهيب أو لنقل التجاهل الذي طال هذا الموضوع. وقد جعلنا هذا الموقف ندرك جيدا أن الإحالة على التقاعد تعني بالفعل الإحالة إلى دائرة النسيان. هذا من جهة، أما من جهة أخرى نطرح بعض الأسئلة على السيد رئيس الحكومة، الذي تبوأ هذا المنصب بفضل أصوات فئة من المواطنين تطلعت إلى تغيير أوضاعها إلى الأفضل. وتتعلق هذه الأسئلة بدواعي هذا الإجراء، هل يندرج في إطار محاربة الفساد والعفاريت والتماسيح !؟ أم في إطار تلك القرارات «الشجاعة» التي سمعنا بعض «صقور» حزبكم يتوعدون بها !؟ أم في إطار الضريبة على الثروة قصد إقامة عدالة جبائية ؟! أم في إطار إرغام الطبقة المحظوظة (نحن !) على تحمل جزء من أعباء الأزمة التي تعيشها البلاد !؟ أم يندرج بكل بساطة في إطار هجومكم المتواصل على الطبقة المتوسطة؟ باعتبار أن لا مكانة لهذه الطبقة في أدبياتكم السياسية، حيث لا تتحدث هذه الأدبيات إلا على طبقة ميسورة «مسك الله عليها» وطبقة مستضعفة تفكرون في تقديم إتاوات لها في إطار استراتيجيتكم التنموية! نحن في الواقع لا نملك إلا أسئلة حارقة ونقط استفهام نعبر بها عن استغرابنا .. فنحن لا ننتظر إجابات أوضح من تلك الأجوبة العملية التي تمثلت في هذا الإجراء الظالم الذي مس فئة من المتقاعدات والمتقاعدين، وإجراءات أخرى ملموسة طالت جيوب الفئات المستضعفة يعلمها المغاربة جميعا. إن هذه الإجراءات العملية تعبر بالواضح عن اختيارات هذه الحكومة التي تتمثل في الانصياع إلى اختيارات الطبقات المحظوظة، التي انتزعت حقائب وزارية حساسة ليتمكنوا من السهر بأنفسهم على تنفيذ هذه الاختيارات، كما صرحتم أنتم السيد رئيس الحكومة عند تبريركم للتعديل الحكومي الأخير. لذلك لا يمكن اعتبار أن ما تنوون الإقدام عليه في تقديم بعض الإتاوات المعزولة لفئات فقيرة مثل المطلقات والأرامل مقابل رفع الدعم عن صندوق المقاصة .. لا يمكن اعتبار ذلك اختيارات شعبية، كونها لا تندرج في إطار استراتجية تنموية شمولية تدمج كل الفئات الشعبية في التنمية والاستفادة من هذه التنمية بشكل عادل.. إننا لا نلمس هذه الاستراتيجية في الإجراءات المتخذة تحت مسؤوليتكم.. لأننا لا نحاكم النوايا.. وبناء على ذلك نعتقد أن من لا يملك استراتيجية يسقط في استراتيجية الآخرين .. استراتجية الطبقة المتحكمة في الأمور مثلا..أي ربما هم من نعتهم بالعفاريت والتماسيح .. وتتمثل هذه الاستراتيجية في تمرير كل الاختيارات اللاشعبية في عهدكم مستغلين الثقة التي حظي بها حزبكم في الانتخابات .. وتسمون أنتم هذه الاختيارات في قاموسكم السياسي بالقرارات الشجاعة.. نتمنى أن تكون كذلك .. نحن لا نشك في نواياكم .. ولكن نحكم على الإجراءات التي تتخذونها.. أقلها تلك التي طالت معاش المتقاعدين العزل.. نحيطك علما السيد رئيس الحكومة بأشياء ندركها جيدا مفادها أن المتقاعدات والمتقاعدين هم فئة من الشعب قد طالهم كذلك غلاء المعيشة الذي ترتب عن سياساتكم. ولهم أبناء شملتهم البطالة التي تفاقمت في ظل حكمكم. ويعيشون وضعا استثنائيا يرتبط بعامل السن، هم وأزواجهم، وما يترتب عن هذا العامل من انعكاسات صحية ومصاريف إضافية مكلفة. لذلك ظلت أيديهم دائما على قلوبهم يأملون أن لا تتدهور القدرة الشرائية تحت تأثير ارتفاع الأسعار الجاري والقادم لا محالة.. ظنا منهم أن معاشاتهم ستظل على الأقل خارج أطماعكم لتغطية عجز ميزانية حكومتكم. غير أن ما وقع هو العكس تماما .. ما وقع هو ما لم يفكر فيه المتقاعدون أبدا.. ذلك أن حكومتكم أقدمت على خصم مبلغ مالي هام من معاشهم فاق في المتوسط ألف درهم .. ويعتبر هذا الإجراء الغريب سابقة في تاريخ المغرب الحديث.. هذا الموقف لم تكن لأية حكومة أخرى الجرأة على اتخاذه، حتى تلك التي غرقت في وحل برنامج التقويم الهيكلي المشؤوم ..وإننا نشم رائحته في كثير من إجراءاتكم اليوم.. ولذلك حظيتم على إثرها برضا صندوق النقدي الدولي .. إنها بالفعل «شجاعة» استثنائية .. ! إن اقتطاع هذا المبلغ المالي من معاش فئة من المتقاعدين كل شهر دون سابق إعلان أو توضيح دواعيه، جعلنا نعتقد أننا التماسيح الذين يشوشون عليك مزاجك، وأننا العفاريت الذين يهربون الأموال إلى الخارج، أو أننا أصحاب الامتيازات المستفيدة من الريع، أو أننا أولائك الذين يتملصون من أداء الضريبة بأشكال ملتوية متنوعة. واعتقدنا أن هجومك على معاشاتنا باعتبارها ربما ريعا وامتيازات، يندرج في إطار تنفيذ الوعود التي قدمتها للمواطنين .. مفادها التصدي لبؤر الفساد التي تنخر الاقتصاد وترهن مستقبل البلاد. لقد انزعجنا كثيرا السيد رئيس الحكومة نظرا لغياب توضيح ما يقع .. ! ونعتذر.. إن كان معاشنا هو العائق الذي منعكم من تحسين أوضاع المواطنين .. والتقليص من البطالة التي تطال عددا من شبابنا وأبنائنا خاصة حاملي الشهادات.. وإخراج أوضاع المدرسة والمستشفى العموميين من حالتهما الذي جعلتنا نصنف في مراتب متأخرة في كثير من مؤشرات التنمية البشرية.. ! في الأخير نقول للسيد رئيس الحكومة مثلما قالت النقابة الوطنية للتعليم العالي مشكورة: ‹‹ما تقيش معاشي››. ونقول مع الأخ أبو طيب حانون في ‹‹ضربة مقص›› (الأحداث المغربية) أننا لسنا عفاريت.. وأننا لسنا سوى مساكين ..ليس لنا إلا الله عز وعلا .. فإليه نتوجه بخالص دعائنا .. طلبا للحق والقصاص ..من قوم كانوا لنا في خريف العمر ظالمين..