أقوى لحظة شهدتها المسابقة الرسمية أول أمس الأربعاء كانت بدون نقاش هي اللحظة التي وجد جمهور المهرجان نفسه أمام فيلم يخنق الأنفاس ويفرض تأثيره الجارف على العواطف والجدان بطريقة تخلو من التصنع ومن عناصر الإثارة المجانية. ففيلم «نساء بدون هوية» للمخرج محمد العبودي يحكي قصة من صلب الواقع، بأسلوب تسجيلي يظل فيه المخرج بعيدا عن الأحداث والمواقف، يترك شخوصه يتحدثون بتلقائية ويحكون عن حياتهم بعفوية قصصا لا مغالاة فيها ولا تخييل. الفيلم يتتبع حياة هند، الفتاة التي تعرضت للاغتصاب والطرد من بيت والديها في سن الرابعة عشر، لكي تصبح راقصة في ملهى ليلي وبائعة هوى تبيع جسدها لزبناء الليل. هند، تعيش بدون بطاقة هوية، لأنها لا تتوفر على شهادة ميلاد، وتعيش رفقة رجل مدمن على السكر في بيت جد حقير، لا يتوفر على أبسط مقومات السكن الإنساني. لا ماء ولا كهرباء ولا نوافذ ولا مراحيض. ينتج عن علاقتها غير الشرعية مع هذا الرجل طفل، بعدما سبق لها أن أنجبت طفلين من رجلين آخرين، واحد يعيش تحت كنف أبيه، والآخر أعطته لصديقة لها لكي ترعاه. الفيلم تم تصويره في مدينة شفشاون، وتوفق بشكل كبير في الدفع بالنساء اللائي يعشن حياة تشبه حياة هند إلى الحديث عن معاناتهن وعن القهر اليومي الذي يتعرضن له في مجتمع لا يرحم، تطغى فيه الأمية وتهيمن فيه الماديات على إنسانية الإنسان، وتمكن من فرض نفسه كعمل سينمائية تتوفر فيه كل عناصر النجاح، النجاح في اختراق الجوانب الخفية لعوالم نساء يعشن تحت الضربات المؤلمة لزمن القهر بشكل يومي ودائم، والنجاح في إثارة موضوع يندرج ضمن الطابوهات لكن دون أن يسقط في توسل واستجداء رخيصين للمشاعر والعواطف، أو في الإثارة المجانية التي تتوخى خلق الضجات المفتعلة. عندما سُئل مخرج الفيلم عن مآل هند، وهل لديه خبر عنها، قال بأنه علم من أحد الأشخاص أنها الآن نزيلة في أحد السجون بعدما اتهمت بتعنيف أطفالها الثلاثة التي تمكنت من تجميعهم وجعلهم تحت رعايتها. فيلم «يوم وليلة» للمخرج نوفل البراوي الذي عُرض مباشرة بعد فيلم «نساء بدون هوية» حاول هو الآخر أن يتطرق إلى عالم بنات الليل، في إطار حكاية امرأة أمازيغية ستضطر إلى السفر إلى مدينة الدارالبيضاء بحثا عن زوجها الكي يشتري الدواء لابنتها المريضة، فتتيه في المدينة. أحمد الدافري