تعتبر نعيمة المشرقي، التي ودعتنا من غير اعلان، من الممثلات المغربيات المتميزات في مسارهن المسرحي والإذاعي والتلفزي والسينمائي المغربي والدولي. فهذه الرائدة استطاعت بكل خبرة وحرفية أن تساير تقريبا كل أجيال المسرح، والإذاعة، والسينما والتلفزة في المغرب وخارج المغرب، على اختلاف أساليبهم وتموقعاتهم واجتهاداتهم وطريقتهم في تمثل الفعل الفني. هكذا كانت نعيمة المشرقي دائما في طليعة الممثلات مهما كان المخرج وكيفما كان العمل الفني المقترح عليها. هل ولدت لتكون دائما هي البطلة أم أن البطولات هي التي تعدو نحوها لتظل دوما في الصدارة؟ هذه الممثلة النجمة التي أتتنا سنة 1943 من أعرق الأحياء الشعبية في مدينة الدارالبيضاء، درب السلطان، ساهمت بقسط وافر في أن تجعل من التمثيل مذهبها الأساسي منذ طفولتها. كانت البدايات كقريناتها منذ صغرها من خلال الأنشطة المدرسية، وباكرا عبر المدرسة الأولى، مسرح الهواة. هنا ستتفتح مواهبها الأولى من خلال مشاركاتها في إبداعات لفرق هواة رائدة في مدينة الدارالبيضاء. في المسار الفني الغني لنعيمة المشرقي تنقلت في عدة فرق وأبدعت في كل هذه المحطات، التي يصعب ذكرها بالتفصيل، ولكن يمكن التوقف عند أهم اللحظات التي أثرت وصقلت تجربتها وجعلت منها هذه الممثلة النجمة التي نعرف اليوم، ويعرفها الجمهور المغربي بلا عناء. وإن لم تتمكن، بحكم سنها، من الاستفادة من التداريب المسرحية الأولى لمصالح الشبيبة والرياضة، فقد التحقت بفوج سنة 1958 تحت إشراف بيير لوكا، وشاركت في عدة أعمال رائدة ضمنها «كاليكولا» من إخراج مصطفى التومي، «البلغة المسحورة» من إخراج شارل نوك، «لعبة الحب والمصادفة» من إخراج الطيب الصديقي. باللقاء مع الطيب الصديقي سيُفتح لنعيمة المشرقي باب الاحتراف الواسع مع «فرقة الصديقي» (هكذا كان اسمها بالضبط في تلك الفترة). هنا ستظهر في أهم مسرحيات الطيب الصديقي: «موموبوخرصة» (عن «أميديه أو كيف التخلص منه» ليونيسكو)، «السيدة كوديفا» (عن كالور)، «المغرب واحد» (عمل جماعي)، «مولاي إسماعيل» (مع السعيد الصديقي)، «سلطان الطلبة» (عبد الصمد الكنفاوي)، «سيدي ياسين في الطريق» (مع السعيد الصديقي)، «ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب» (الطيب الصديقي)، «مدينة النحاس» (السعيد الصديقي)، كما شاركت في رائعة «النور والديجور» (عبد السلام الشرايبي)… كل هذه المسرحيات كانت من إخراج الطيب الصديقي الذي كان يتقاسم بطولاتها مع الفنانة نعيمة المشرقي. هذا المسار الخاص والجذاب لم يمنعها من أخذ حريتها، رفقة زوجها المخرج المبدع عبد الرحمان الخياط (أطال الله عمره)، وتدخل تجربة الفرق الحرة عبر تأسيس فرقة «بساتين». من خلال هذه الفرقة تم إعداد مسرحية «درهم لحلال» وهي اقتباس من إخراج عبد الرحمان الخياط، ستليها مسرحيات أخرى في نفس الإطار نالت نجاحا كبيرا مثل «بنت الخراز»… في مرحلة من مراحل حياتها قررت نعيمة المشرقي أن ترتبط بأعرق وأقدم تجربة مسرحية يتوفر عليها المغرب وهي: «فرقة التمثيل لدار الإذاعة والتلفزة المغربية» مع كل رموزها المعروفين الذين أسسوا هذه الفرقة، من حبيبة المذكوري، أمينة رشيد، حمادي التونسي، العربي الدغمي… فحين انطلقت التلفزة المغربية (1) في الستينيات كان لنعيمة المشرقي دور أساسي في إنجاح هذه التجربة الفتية، سواء في تقديم البرامج أو السهرات أو المسلسلات. لا ننسى أن التلفزة المغربية في بدايتها كانت تبث كل برامجها بالمباشر. هذه الخاصية الفريدة للبث المباشر لا ينجح فيها إلا ذوو القامات العالية، وهكذا استطاعت نعيمة المشرقي وفي ظرف وجيز أن تتأقلم مع هذه الإكراهات الجديدة والمحفزة للبث المباشر. وقد ساهمت في عدة أعمال تلفزيونية ظلت خالدة، وتابعها المشاهدون خلال عدة إعادات، مما يدل على نجاحها. نذكر منها على الخصوص: فيلم: «حديث الأجيال»، عبد الرحمان الخياط. مسلسل: «التضحية»، عبد الرحمان الخياط، عبد لله المصباحي، محمد الركاب، حسن الصقلي. مسلسل: «المنحرف»، عبد الرحمان الخياط. مسلسل: «الاعتراف»، عبد الرحمان الخياط. مسلسل: «أولاد الحلال»، محمد حسن الجندي. مسلسل: «عز الخيل مرابطها»، فريدة بورقية. مسلسل: «أولاد الناس»، فريدة بورقية. مسلسل: «الغالية»، رضوان القاسمي وأحمد بوعروة. مسلسل: «دار الضمانة»، محمد علي المجبود. مسلسل فرنسي: «عائلة رامدام». … لا يستطيع الباحث في مسار نعيمة المشرقي أن ينهج نهجا تاريخيا مسطرا ومتواليا، لأنها كانت في نفس الأثناء تقدم المسرحيات في جولات لا محدودة وتشارك في المسلسلات التلفزية وتضمن حضورا قويا في السينما المغربية والدولية على حد سواء. ومع ذلك نستطيع أن نشير لبعض الأعمال السينمائية التي حققت فيها نعيمة المشرقي تميزا لافتا: «عرس الدم»، سهيل بن بركة، 1977. «44 أو أسطورة الليل»، مومن السميحي، 1981. «أيام شهرزاد الجميلة»، مصطفى الدرقاوي، 1982. «باديس»، محمد عبد الرحمان التازي، 1988. «حجر الصحراء الأزرق»، نبيل عيوش، 1992. «فرسان المجد»، سهيل بن بركة، 1993. «البحث عن زوج امراتي»، محمد عبد الرحمان التازي، 1993. «للاحبي»، محمد عبد الرحمان التازي، 1996. «زنقة القاهرة»، عبد الكريم الدرقاوي، 1998. «فاتن»، محمد فاخر، 1999. «خط الشتا»، فوزي بن السعيدي، 2000. «وبعد»، محمد إسماعيل، 2001. «جارات أبي موسى»، محمد عبد الرحمان التازي، 2003. … ولعل أكثر ما بقي عالقا بذهننا هو مشاركتها الناجحة في فيلم «البحث عن زوج امراتي»، لما حققه هذا الفيلم من نجاح جماهيري كبير، حيث حقق نوعا من تصالح الجمهور مع السينما المغربية. ويسجل لنعيمة المشرقي أيضا مساهمتها في انطلاق الإذاعة الجديدة «ميدي 1» حيث اشتغلت بنجاح ومثابرة لسنوات. إلى جانب نشاطها الفني الذي لم يتوقف يوما، بكل حماس ونجاح، تقلدت نعيمة المشرقي عدة مناصب سامية مغربية ودولية كعضويتها في الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري، وتعيينها كسفيرة للنوايا الحسنة لدى اليونيسف، إضافة إلى كونها مستشارة للمرصد الوطني لحقوق الطفل، فضلا عن كل مبادراتها حول قضية الصحراء المغربية ودعم المعتقلين المغاربة في تندوف. هذه هي نعيمة المشرقي، أو جزء مما استطعنا أن نجمع من نشاطها الأغنى بكثير مما ذكرنا. فنعيمة المشرقي لا تُكتب سيرتها في ورقات معدودة ولكنها تحكى لكل الأجيال القادمة. رحم لله فنانتنا الكبيرة نعيمة المشرقي. ____________ (1) دُشنت التلفزة المغربية بخطاب جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني في عيد العرش، 3 مارس 1962، وشرعت في بث برامجها في 4 مارس من نفس السنة بالأبيض والأسود. انطلق البث الملون سنة 1972.