رغم غنى وثروات العديد من المدن والجهات إلا أن ذلك لم يساعد على تقليص دائرة الفقر الذي يعتمد في تحديده على مداخيل ونفقات الأسر، ولم ينعكس إيجابا على ساكنة العديد من المناطق المصنفة في دائرة الفقر. لكن الذي يختلف هو النسبة الممثلة لذلك، إذ في العالم القروي تصل النسبة إلى حوالى18 في المائة فيما تصل في العالم الحضري إلى 5,2 في المئة. الملاحظة أن دائرة الفقر تتسع كلما ابتعدنا عن محور الدارالبيضاء- الرباط، الأمر الذي يسائل وبقوة البرامج التنموية ووضع الميزانيات سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي وماإذل كان لها تأثير على الفقر خاصة للفقر المتعدد الأبعاد. بخصوص خارطة الفقر المتعدد الأبعاد تبقى أكثر الجهات فقرا جهة تازةالحسيمة تاونات حيث وصلت النسبة 19,3 في المئة متبوعة بجهة مراكش تانسيفت الحوز وجهة تادلا أزيلال وجهة سوس ماسة درعة وجهة الغرب الشراردة وجهة فاس بولمان وجهة مكناس تافيلالت وجهة طنجةتطوان. أما على مستوى المدن تشير الأرقام أن الفقر المتعدد الأبعاد اختفى في الحواضر وخاصة مدينة الدارالبيضاء حيث لايتجاوز 1,2 في المئة وجهة الرباطسلا زموز زعير حيث يصل إلى 1,9 في المئة وجهة دكالة عبدة 1 في المئة والجهة الشرقية1,8 في المئة . هذا على المستوى الفقر المتعدد الأبعاد أما على مستوى الفقر بشكله العام فإنه يبقى أقل انتشارا في المدن الكبرى من قبيل البيضاء ، مراكش، أكادير ، طنجة وأكثر انتشارا في مدن أخرى صغيرة خاصة في جهة الجنوب والجنوب الشرقي. لكن بالنظر إلى المعطيات والأرقام يبدو أن ذلك يحمل في طياته مفارقات. فالدارالبيضاء التي تنتج حوالي 60 في المئة من ثروات المغرب وتتمركز فيها70 في المئة من المقاولات والوحدات الانتاجية لايصل فيها الفقر إلا إلى نسبة2,3 في المئة مع ذلك يوجد بالمدينة بعض جيوب وأحزمة الفقر. الأمر يتعلق بمناطق مديونة، المكانسة، عين حرودة، والنواصر والهراويين وهي مناطق تمثل حوالي17 في المئة من ساكنة البيضاء. بخصوص جهة مكناس تافيلالت 27 في المئة من ساكنتها يصنفون في خانة الفقر متقدمة بذلك على جهة سوس ماسة درعة التي تصل فيها النسبة 19 في المئة وجهة مراكش تانسيفت الحوز18 في المئة. ومن أهم الملاحظات بخصوص هذه الجهات التي خلصت إليها دراسة المندوبية السامية للتخطيط هي عدم انعكاس غناها وثرواتها على تراجع الفقر لدى ساكتها. فجهة مراكش تانسيفت الحوز وخاصة عاصمتها مراكش تتميز بتنوع قطاعاتها الانتاجية من فلاحية وسياحية وخدماتية، لكن ذلك لم ينعكس إيجابا على مداخيل الأفراد بالتالي التراجع في نسب الفقر ويبدو الأمر صارخا خاصة في مدينة الصويرة. الأمر نفسه يهم جهة سوس ماسة درعة، فهذه الآخيرة لها نشاط اقتصادي كبير يجمع بين الخدمات والسياحة والفلاحة والصيد البحرى إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابا على هشاشة نسبة كبيرة من الساكنة. قرى المغرب تعاني من الفقر تسع مرات أكثر من مدنه ثلاثة ملايين مغربي يعيشون في أسر فقيرة 86٪ من الفقراء المغاربة قرويون رغم التراجع في نسب الفقر التي تم تحقيقها في السنوات الآخيرة وكون أكثر من مليون شخص خرجوا من دائرة الفقر ومليون ونصف من دائرة الهشاشة، إلا أن ملايين أخرى لايزالون يعيشون على عتبة الفقر النسبي. وبالعودة إلى تقرير الخمسينية فإنه في السنوات الأخيرة مازال ملايين المغاربة يعيشون تحت عتبة الفقر حيث يصل الانفاق السنوي لدى هذه الشريحة إلى أقل من3235 درهم بالوسط الحضري و2989 درهم بالوسط القروي. التقرير أضاف أن25 في المئة من المغاربة يعانون من ضعف اقتصادي كبير إذ يصل الانفاق السنوي إلى أقل من4500 درهم هذا على المستوى الفقر بشكل عام. على مستوى الفقر المتعدد الأبعاد فإنه في ظرف سبع سنوات يتضح أنه اعتمادا على مؤشرات من قبيل الولوج إلى التربية والتكوين والتغذية السليمة والصحة والاستشارة الطبية وتوفر الماء الصالح للشرب والكهرباء -وهي معايير تحددها منظمة الصحة العالمية ومنظمة التغذية والزراعة إلى جانب المستوى الدراسي للأباء وخاصة للأمهات- كان لذلك تأثير كبير على مؤشرات التغذية والصحة وبالتالي على صحة الأطفال وكان سببا في تراجع المستوى الوطني للفقر المتعدد الأبعاد مابين 2004 و2011 من 27,5 في المئة إلى 9,8 على الصعيد الوطني ومن 8,4 في المئة إلى 2،3 بالمدن. هذا يعني حسب الدراسة أنه تم القضاء على الفقر المتعدد الأبعاد بالوسط الحضري الذي لم يعد يتعدى2,31 في المئة سنة 2011 واستمراره في المناطق القروية بنسبة تصل إلى20,2 في المئة. لكن بالرغم من ذلك مازال ثلاثة ملايين و400 ألف مغربي يعيشون في أسر تعاني من الفقر 86 بالمائة منهم قرويون. في تفاصيل هذه الأرقام التي كشف عنها بحث وطني امتد من 18 مارس و7 يوليوز وهم عينة مكونة من10426 أسرة تم انتقاؤها من البحث الديمغرافي 2009-2010 أنجزته المندوبية السامية للتخطيط تراجع الفقر المتعدد الأبعاد في المغرب خاصة من خلال التحسن الذي استفاد منه الأطفال بالوسط الحضري وخاصة منهم الذكور. تمثل ذلك في تراجع انتشار مرض نقص الوزن حسب السن والذي تراجع بشكل قياسي خلال أربع سنوات. هذا الرقم جعل المغرب يعد من البلدان التي تسجل مستوى أقل انتشار لمرض نقص الوزن حسب السن مقارنة بالمعدل العالمي وهو 16 في المئة وبالدول المتقدمة حيث يصل إلى 18 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 2006 -2010. الفقر المتعدد الأبعاد المعتمد في احتساب هذا المؤشر لاتغطي كل النقائص الاقتصادية والاجتماعية لكن تقتصر على مؤشرات من قبل الولوج إلى الكهرباء والماء الصالح للشرب والتطهير والتعليم الأساسي والصحة ووجود مرافق صحية ومسكن واستعمال وقود للطهي والتوفر على الأقل على وسيلتين للتواصل كالتلفاز والراديو ووسيلة للتنقل. إذا لم تكن الأسرة تتوفر على هذه المكونات تحصل على نقطة حرمان 5,5 الأمر الذي يبين نسب هذا النوع من مؤشرات الفقر في العدد من المناطق وخاصة النائية منها. المؤشر الذي يعتمده المغرب ولاسيما المندوبية السامية للتخطيط لقياس الفقر المتعدد الأبعاد هو أقرب للواقع من المؤشر المعتمد من قبل معهد اكسفورد للتتنمية البشرية التي تعتمد مؤشراتها العديد من الدول خاصة الأنكلوساكسونية. فمؤشر هذا الأخير مقاييس الصحة والتعليم ومستوى العيش وهي مؤشرات أبانت عن محدوديتها في حين أن مؤشرات المندوبية السامية للتخطيط تعتمد فضلا عن تلك الأبعاد على التعليم والتغذية والصحة والتجهيزات المنزلية والتشغيل والمسنوى التعليمي للأباء وخاصة للأمهات فضلا عن المساواة بين الذكور والإناث في الولوج إلى خدمات الصحة والتعليم ووسائل الاتصال الحديثة والنقل.