الفقر الذي يعاني منه 14.2 في المائة من المغاربة لا يمكن أن يخفي وضعية الهشاشة التي تهدد 17.3 في المائة من الساكنة المغربية بفعل ارتفاع الأسعار وتجميد الأجور. وتشير خارطة الفقر إلى صمود مفهوم المغرب غير النافع أمام التحولات التي عرفها المغرب، في نفس الوقت الذي لم يساعد فيه غنى بعض الجهات والمدن على تقليص دائرة الفقر، فترتيب سوس ماسة درعة الغنية بأنشطتها الفلاحية والسياحية وثروتها السمكية يبعث على الاندهاش، بل إن تبوؤ مدينة مراكش الرتبة الأولى كوجهة سياحية بالمغرب لم ينعكس إيجابا على الفقراء في تلك المدينة، فضلا عن ذلك تعاني الدار البيضاء، التي تبدو فيها دائرة الفقر ضيقة، من جيوب فقر واسعة. وعكس اعتقاد شائع، ليست النساء الأكثر فقرا في المغرب، حسب ما تجلى من أبحاث المندوبية السامية للتخطيط، التي تِِؤكد أن المرأة والرجل يعانيان من المشكل على قدر سواء، وإن بدت بعض الفوارق عند الإمعان في النظر للتفاصيل، وبالمقابل تثبت الدراسات أن الشباب والأطفال، هم أكثر من يعانون من الفقر، في الوقت الذي يستفيد فيه المسنون عموما من الرعاية والتضامن، خاصة في ظل أسر ممتدة بعض الشيء. وأيا كانت خارطة الفقر، فإنها لا تعكس الظاهرة كتجربة ومعاناة فردية، أو لم تشر الأرقام الرسمية إلى أن 10 في المائة من الأسر الغنية تستحوذ على 32 في المائة من النفقات، بينما لا تستفيد 10 في المائة من الفقراء سوى من 2.6 في المائة من كتلة النفقات؟ 1- فقر وهشاشةّ: أكثر من 4.2 ملايين مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر، إنهم أفراد يعيشون بدولار واحد في اليوم، حوالي 8 دراهم. تلك هي النتيجة الأولى التي تفرزها خارطة الفقر في المغرب، المستخلصة من الإحصاء العام للسكان الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، لكن هل بقية سكان المغرب محصنة ضد الفقر؟ الإحصاءات تشير إلى وجود مغاربة يعانون من حالة الهشاشة، أي أنهم مهددون بالالتحاق بمن يعيشون بدولار واحد في اليوم بفعل غلاء الأسعار والجفاف وضعف النمو الاقتصادي. ويبدو أن الفقر ظاهرة مستفحلة في العالم القروي بنسبة 22 في المائة، فيما يصل في العالم الحضري إلى 7.9 في المائة. 2- محور الدار البيضاء – الرباط: خارطة الفقر تشير إلى أنه أقل انتشارا في الدارالبيضاء والرباط والمحمدية، حيث يصل في كل منها على التوالي إلى 2.73 في المائة و2.38 في المائة و4.28 في المائة. وهي وضعية ساهم فيها النشاط الاقتصادي الذي تركز في هذا المحور، لكن النسبة العامة لا يمكن أن تخفي بعض جيوب الفقر في هذا المحور، ففي الدار البيضاء تضم منطقة الهراويين 22 في المائة من الفقراء، أي 1.4 مرة المتوسط الوطني و5.7 مرات متوسط جهة الدار البيضاء، نفس الأمر يسري على منطقة مديونة وعين حرودة والمكانسة والنواصر.. 3- جهات ومفارقات: يصل معدل الفقر في جهة سوس ماسة درعة إلى 20 في المائة، لتتقدم جهة تانسيفت- الحوز التي يصل فيها ذلك المعدل إلى 19.2 في المائة. نسبتان مفاجئتان بالنظر إلى الإمكانيات التي تتوفر عليها الجهات، فجهة سوس ماسة لها نشاط اقتصادي متنوع قاعدته الفلاحة والسياحة والصيد، لكن التوزيع الجغرافي للثروة بين الجماعات والعمالات سيئ. في نفس الوقت، لم تستفد ساكنة تانسيفت- الحوز من الأنشطة الاقتصادية التي انتعشت فيها، فنسبة الفقر في مدينة مراكش وصلت إلى 7.91 في المائة، بينما تصل حالات الهشاشة إلى ضعف ذلك، ويبدو الفقر صارخا أكثر في مدينة الصويرة بنسبة 29.80 في المائة. 4- سيدي علي والمغرب غيرالنافع : يتجلى من خلال خارطة الفقر أن أكثر من 80 في المائة من سكان جماعة سيدي علي بالراشيدية يعانون من الفقر، ووقف الاهتمام الإعلامي بأفقر جماعة في المغرب بعد ذلك، على درجة العزلة التي تعيشها تلك الجماعة في مدينة الراشيدية التي تصل فيها نسبة الفقر إلى 29.5 في المائة، لتنضم إلى كوكبة المدن الفقيرة، مثل زاكورة وشيشاوة وجرادة وتاوريرت وفكيك وورززات.. يتجلى أن دائرة الفقر تتسع كلما ابتعدنا عن محور الدار البيضاءالرباط والوسط. 5- الشباب والأطفال: يعتبر الباحث التهامي عبد الخالق أن الأطفال والشباب، أي الأشخاص البالغين من العمر أقل من 21 سنة، هم أكثر تعرضا للفقر، وهو الشيء الذي قد يتفاقم مع الصعوبات التي يجدها الشباب في الاندماج في سوق الشغل في السنوات الأخيرة. في المقابل، ينجو المسنون من الفقر بفعل اشتغال مجموعة من النوابض الاجتماعية التي تشير إلى التضامن، خاصة داخل الأسر المغربية، فالمعطيات الإحصائية التي تعود إلى العشر سنوات الأخيرة تبرز أن نسبة الفقر بين الأشخاص الذين تعدوا ستين عاما من العمر تصل إلى 7.2 في المائة. 6- تأنيث الفقر: يؤكد الخبير المغربي، التهامي عبد الخالق أن المعطيات الإحصائية لا تتيح الجزم بأن النساء هن الأكثر فقرا في المغرب، وإن كان البحث في التفاصيل قد يخول الوقوف على جيوب للفقر وسط النساء، كلما تقدمن في السن، خاصة بين الأرامل منهن، فنسبة الفقر بين النساء وصلت قبل عشر سنوات تقريبا إلى 18.9 في المائة، بينما تصل بين الرجال الفقراء إلى 19.1 في المائة، ثم إن تفاقم الفقر يشمل النساء والرجال على حد سواء، بل إن الهجرة من البادية إلى المدينة والهجرة الخارجية ساهمتا في انتشال بعض النساء من وضعية الفقر التي كن يعشنها.