اعتقد في بادئ الأمر أن هناك حادثة سير بالطريق السيار. حركة المرور اتخذت وتيرة مشي السلحفاة. مع مرور الوقت أصبحت العجلات في حكم الأطراف المشلولة. حاول أن يجد مسلكا بين طوابير السيارات المتشابكة لعله ينفلت من هذه «الحصلة»، التي ستؤخره عن موعد الوصول إلى العمل. لم يستطع اقتناص أي فرصة للانسلال سواء من اليمين أو اليسار. بل ظل محاصرا بين كماشة رهيبة من الكائنات الحديدية. تارة ينظر إلى عقارب ساعته اليدوية. تارة أخرى يضغط من تلقاء توتره على «الكلاكصون»، دون أن تسعفه الحيلة ولا القدرة على التخلص من قبضة التحرك ببطء شديد. هذا الموظف يعبر يوميا «لطوروت» بسيارته من البرنوصي إلى وسط المدينة. اعتاد في رحلتي الذهاب والإياب بين مسكنه ومقر عمله أن يصادف بعض مطبات حركة السير. لم يسبق له أن عاش جحيما دام حوالي ساعتين لقطع مسافة عشرة كليومترات. في حدود الساعة السابعة والنصف من صباح الثلاثاء الماضي، انطلق من مدخل الطريق السيار الحضري عبر بدال شارع أهل الغلام بالبرنوصي. ما كاد يصل إلى قنطرة سيدي مومن حتى صادف طوابير متراصة من السيارات والمركبات. تسير ببطء غير معهود ثم تتوقف لفترة عصيبة. انتظر مثل غيره من مستعلمي هذه الطريق السيار أن يأتي «الفرج» مع توالي الوقت. غير أن هذا الموقف الحارق لأعصاب السائقين استمر أكثر من اللازم دون أن يظهر أي أثر لشرطة المرور، التي يعول عليها دائما في فك هذه «الروينة». اختناق مروري أرغم كل هذا الجيش البشري والفولاذي العرمرم، ببأس حديده وضوضاء محركاته وأدخنة عوادمه، عدم وصول الكثير منهم إلى وجهاتهم إلا ب«مشقة الأنفس» وفي زمن قياسي من ناحية التأخر المفرط. السائق القادم من البرنوصي، ظل لمدة ساعة ونصف تحت رحمة سير السلحفاة ب«لوطوروت» بين المئات من السيارات المختلفة الألوان والأحجام وأسطول من الشاحنات المتعددة الأصناف، وهي تدك بعجلاتها وحمولاتها إسفلت الطريق. يرافقها ضجيج مزعج تمتزج فيه أصوات المحركات والمنبهات وصرخات السائقين. بطل رحلة الجحيم لم تنته محنته عند هذا الحد. اضطره تحويل السير في الاتجاه المعاكس بسبب الأشغال الجارية لتوسعة الطريق السيار، أن يقطع كيلومترات إضافية نحو بدال مدار الكليات بالقرب من مقر الإدارة العامة للمكتب الشريف للفوسفاط. لقد وجد المخرج المؤدي إلى مدار «باشكو» وشارع عبد المومن، قد تم إغلاقه في وجه السيارات. انضافت إلى رحلته التعيسة أكثر من نصف ساعة أخرى، حيث استغرق الوصول إلى مقر عمله ما يقارب الساعتين في رحلة لم تكن تأخذ من وقته إلا عشرين دقيقة.