تعيش المديريات الإقليمية بسوس ماسة منذ إعلان وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى التباري على إدارة ثلاث أكاديميات دفعة واحدة، حتى تعيين الدكتورة وفاء شاكر، الخبيرة في التدبير والحكامة على رأس أكاديمية سوس ماسة، حالة من ترقب غير مسبوقة، وخيم على كل المسؤولين الجهويين والإقليميين بسوس القلق والاكتئاب إسوة باغلب الجهات. وقد أسرت مصادر عليمة بباب الرواح أن حركة إعفاءات وتنقيلات غير مسبوقة بتاريخ الوزارة، ستشمل مصالح مركزية وأكاديميات ومديريات إقليمية كثيرة. وهو ما أدخل عددا من المسؤولين بالمصالح التابعة لوزارة التربية الوطنية وجهويا وإقليميا في دوامة من الاكتئاب والتوثر، بدأ بالفعل عدد منهم يتحسسون رقابهم ويتوقعون الأسوء، بعد يقينهم أن الوزير شكيب بنموسى، بإزاحته الكاتب العام للوزارة يوسف بلقاسمي، وتعيينه الدكتورة وفاء شاكر على رأس أكاديمية سوس ماسة، سينظف المنظومة من المسؤولين ضعاف التكوين والكفاءة، ومن ثبت في حقههم التقاعس، والفشل في تحقيق مؤشرات متناغمة مع المعدل الوطني. حركية استثنائية غير مسبوقة..السياق والأسباب! جدير بالذكر أن حركية التنقيلات والاعفاءات المرتقبة فرضها سياق خاص، يتلخص في الخروقات الجسيمة التي سجلتها الوزارة في صفوف المسؤولين الجهويين والإقليميين بالعديد من الأكاديميات، خصوصا بسوس في عهد محمد جاي المنصوري، وهمت بالخصوص اختلالات على مستوى تنزيل مشاريع القانون الإطار، إسوة بما رصدته الوزارة من تخبط، و تقصير فادح، و اختلالات، وتفاوتات جد خطيرة في تنزيل المشاريع الملكية المرتبطة بالتعليم الأولي، والتوجيه، والدعم الاجتماعي، و مدارس الفرصة الثانية، فيما تربعت الاختلالات المسجلة في إعداد وإبرام الصفقات وسندات الطلب، في غياب تام لآليات ضبط وتحديد الحاجيات الملحة، وخرق بعض المقتضيات القانونية المؤطرة لعملية إبرام الصفقات العمومية كالإخلال بمبدأ المنافسة الحرة، وتكافؤ الفرص(عمارة المليار بأكاديمية سوس نموذجا) وتجزيئ الطلبيات إلى سندات طلب عوض تجميعها في صفقة واحدة، واللجوء إلى منافسات صورية لإبرام سندات الطلب، والفشل في تنزيل برامج التكوين المستمر… كما يفرضها سياق عام يتمثل في دخول الوزارة في مرحلة تقييم دقيقة وشاملة، تخللها الإعلان الرسمي لشكيب بنموسى عن خارطة الطريق، بعد المصادقة عليها من قبل المجلس الحكومي. وانزعاج الوزير وفريقه مما تعيشه العديد من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين(خصوصا أكاديمية سوس-ماسة ومديرياتها في عهد محمد جاي المنصوري) من حالة عدم الاستقرار على مستوى تدبير الموارد البشرية، وفشل التخطيط وتوجهه للمصالح الخاصة، والنتائج الهزيلة على مستوى النجاعة التربوية( تقهقر أكاديمية سوس للمرتبة الحادية عشر في نتائج البكالوريا) في ظل ما تحقق من نتائج كارثية في تنزيل القانون الإطار 51.17 ومشاريعه الاستراتيجية على مستوى المديريات الإقليمية والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية، بعدما تتبعها فريق الوزير بنموسى، وأنهى تقييمها وتقويمها، تمهيدا لمحاسبة المسؤولين على نجاعة الأداء، لما تبت في حقهم من تغييب تام لآليات الحكامة الجيدة كخيار ملكي استراتيجي، عرقل تغييبه التنزيل السليم للجهوية. وتعالت أصوات داخل قطاع التربية الوطنية وخارجه، تدعو الوزير شكيب بنموسى لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في حق المسؤولين الجهويين والإقليميين المتورطين، وعدم ذر الرماد في العيون باعفاءهم فقط، حتى يعيد الثقة للفاعلين داخل القطاع كما سيعيد الهيبة للوزارة، في ظل ما زكته تقارير المفتشية العامة للتربية والتكوين بشقها الاداري والمالي والتربوي، من خلال زيارات لجن مركزية وتقييمها لمجالات تهم الموارد البشرية، والتدبير الإداري والمالي في صفقات وسندات طلب، ومشاريع حبلى بالاختلالات، في انتظار افتحاصات مؤسسات الحكامة، وترتيب المسؤوليات والجزاءات القانونية والتأديبية والقضائية مادام أن أكثر من 90% من ميزانية القطاع تحول لحساب الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. حركة استثنائية بعيدة عن تدخل الأحزاب والنقابات: أيام معدودة تفصل الوزارة عن قرار غير مسبوق، يتمثل في الافراج عن حركة تنقيلات واسعة النطاق لم تشهدها الوزارة من قبل. ستتضمن هذه الحركة قرارات إعفاء وتنقيل، ولن تقتصر على المديرين الإقليميين فقط بل ستشمل العديد من المسؤولين بالأكاديميات، حيث أشارت مصادر مطلعة أن الوزارة، وبعد إجرائها مقابلات مباشرة مع مدراء الأكاديميات امتدت لساعتين لكل مدير أكاديمية. والتي شملت تقديم حصيلة تدبيرهم للأكاديميات، ومناقشة مخططاتهم لتنزيل المشاريع الجهوية التي تم اعتمادها من طرف المجالس الإدارية للأكاديميات. في إطار عملية أحاطتها الوزارة بالكثير من السرية لقطع الطريق على التأثير الخارجي وخاصة التدخلات الحزبية والنقابية في القرارات التي سيتخدها الوزير شكيب بنموسى، خصوصا وأن العديد من المديرين الجهويين والإقليميين معروفون بانتماءاتهم الحزبية، سواء للأحزاب المشاركة في الحكومة أو المتمترسة في المعارضة. وبالتالي قطع الطريق عن أية إمكانية لحدوث اتصالات عبر الحزب أو النقابة التي تنتمي إليها العديد من الأسماء التي تحسست قرب اجل إعفاءائها أو لتعيين أسماء أخرى لا تخفي رغبتها في تولي المسؤولية، ومنها أسماء معروفة في القطاع على عهد وزراء سابقين. يأتي هذا القرار في وقت أحال فيه الوزير بنموسى ثلاثة مدراء أكاديميات على التقاعد بكل من أكاديمية سوس ماسة والعيون الساقية الحمراء والداخلة واد الذهب، بسبب اختلالات تدبيرية خطيرة شملت مجالات التخطيط، والموارد البشرية، والبناء والتجهيز (عمارة المليار) والمالية… فيما تحدثت مصادر أخرى عن أن الإعفاءات ستشمل مدراء آخرين إما بسبب ضعف أدائهم أو بسبب عدم قدرتهم على مواكبة استراتيجية الوزارة في تنزيل مشاريع الإصلاح في سياق التناغم مع النموذج التنموي الجديد. وسيحدث قرار الوزير «زلزالا» غير مسبوق على مستوى الوزارة والأكاديميات و المديريات الإقليمية بعد وصول تقارير كثيرة من المصالح المختصة لوزارة الداخلية حول الأداء الضعيف للعديد من المسؤولين، ليجد الوزير شكيب بنموسى نفسه أمام وضع يجبره على أحد اختيارين: إعفاؤهم أو استمرارهم وتقديمهم للمحاكمة. الحكامة في التدبير.. الحاجة لكفاءات جديدة لبلوغ الإصلاح المنشود! تأسست الرؤية الاستراتيجية على الحكامة، وهي جزء منه. فحسب تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين بعنوان «الحكامة الترابية للمنظومة التربوية في أفق الجهوية المتقدمة»، أكد المجلس الأعلى للتربية والتكوين أن الرؤية الاستراتيجية قاربت قضية الحكامة، في ضوء حصيلة المنجزات ومكتسبات الدستور ودينامية المراجع الدولية، حيث اعتبرت أن مقومات تحقيق الحكامة الجيدة تتركز في خمسة أركان، وتتمثل في التقائية السياسات العمومية، وإرساء نظام للحكامة الترابية في أفق الجهوية المتقدمة، والنهوض بمقومات الشراكة والتعاقدات بين الأطراف المعنية، وتطوير النظام المؤسساتي لقيادة المنظومة وتقييمها وضمان جودتها. وأخيرا تمويل المنظومة التربوية. وتؤكد توجهات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح أن الهندسة الترابية القائمة على اللامركزية الوظيفية واللاتمركز من خلال تفويض الاختصاصات لم تستنفد جميع إمكانياتها بعد، ويستلزم ذلك تطوير التسيير الذاتي والتشاركي، مع التسلح بالتقييم والمحاسبة لضمان النجاعة. وتتطلع هذه التوجهات، طبقا لاستراتيجية 2015-2030، إلى تكريس دور الدولة الاستراتيجية، التي تقوم بتحديد التوجهات الكبرى والاختيارات الاستراتيجية والمعايير الضرورية والآليات المؤسساتية والقانونية لضمان تنفيذها، ثم التدخل في التتبع والتقييم وإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو ما يدعو إلى تفويض الدولة بعض مسؤولياتها في تدبير قطاع التربية والتكوين، الذي يغطي مجموع التراب الوطني، ويتوجه إلى كافة السكان، ويستدعي تعبئة ومشاركة الجميع في مجهود الارتقاء به، كونه يأتي في طليعة القطاعات التي يتطابق نقلها إلى المستوى الجهوي مع متطلبات الحكامة الترابية والقطاعية في الوقت نفسه. وأكد ذات التقرير أيضا أن اختيار توجه الدولة نحو التنظيم القائم على الجهوية المتقدمة، يعبر عن عزمها على تأهيل الجهة باختصاصات أوسع، وتلقي موارد مناسبة لممارستها، لتصبح بذلك القطب الرئيس في التنمية المستدامة، بعد توفير جميع الشروط الضرورية لممارسة الاختصاصات الذاتية، والمشتركة، التي تنص عليها قوانينها التنظيمية، سواء أكان ذلك في التكوين، أو في النقل المدرسي، أو في البحث العلمي التطبيقي، أو التعليم الأولي، والمرافق الرياضية، وباقي الاختصاصات ذات الصلة… وهو ما مادفع الوزارة لتعميق دراساتها التي ذهبت مخراجاتها للحاجة لكفاءات ووجوه جديدة بعيدة كل البعد عن الوجوه القديمة، التي لم تنجح. في المحطات السابقة، التي تتحمل وزر ما وصلت إليه المنظومة من ترد، وتقهقر وتخلف.