"بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الزميلات والزملاء الأعزاء، الاستاذ عبد الواحد الراضي رئيس المكتب المؤقت، السيدات والسادة، تغمرني سعادةٌ كبرى وأنا أحْظى بثقتكم لأكونَ رئيساً لمجلس النواب في مطلع الولاية التشريعية الحادية عشرة التي تدشن لمرحلةٍ جديدة من البناء الديمقراطي وترسيخ المؤسسات ومواصلةِ تحقيقِ تنميةِ وصعودِ بلادنا وانْبثاقِها قوةً صاعدةً، ونموذجًا ديمقراطياً مُتَفردًّا في محيطه، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله الذي يقود المملكة بحكمةٍ وتبصرٍ وبُعْدِ نظرٍ إلى مَصَافِّ البلدان العريقة في الديمقراطية، وإلى مرفإ النماء والازدهار والعدالة الاجتماعية والمجالية. وإنني إذ أَسْتَشْعِرُ ثقل المسؤوليةِ التي أتشرف بتحملِها، من جديد اليوم على رأس مجلس النواب، فإنني مُتَيَقِّنٌ من أن الحرص الملكي السامي على حسن سير المؤسسات الدستورية وصيانة الاختيار الديمقراطي، يظل ضمانةً ومصدَر تحفيزٍ وقوةَ دفعٍ لمواصلة التعبئة المؤسساتية الجماعية خلف جلالة الملك من أجل مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي على بلادِنا رفعُها، وكسبِ رهاناتِ المرحلة الجديدة التي تلجُها بلادنا. أمامنا، السيدات والسادة، مهامٌ جِسامٌ، وعلى عاتقِنا مسؤولياتٌ كبرى حَمَّلها إيَّانَا الناخبات والناخبون في استحقاق 8 شتنبر 2021 الذي كان محطة فاصلةً، فارقةً وحاسمةً في تاريخ المغرب السياسي والمؤسساتي. فبفضل الحرصِ الملكي على انتظامِ الاستحقاقات الانتخابية، وتجديد المؤسسات في وقتها احتراما للدستور، وللتقاليد الديموقراطية جَرَى اقتراع 8 شتنبر الذي أفرز أغلبيةً جديدةً، ومعارضةً جديدة، ويَسَّرَ ولوجَ نُخبٍ جديدة إلى المؤسسات المنتخبة، وفي مقدمتها مجلس النواب. وقد أعطت بلادُنا بذلك درساً لمن أراد أن يعرف حقيقة المغرب، وَتَفَرُّدَ المغرب، خاصة إذا ما استحضرنا السياق العام الذي جرت فيه الانتخابات، بكافة مستوياتها، والمتميز بانتشار جائحة "كوفيد 19". فتنظيم سِتِّ استحقاقات منها ثلاثة في يوم واحد، في مثل هذا السياق، لا تُنْجِزه إلا البلدانُ العريقة الراسخةُ مُؤَسساتُها والدولُ الجديرةُ بهذا الإسم. الزميلات والزملاء، سيكون علينا القيام بمهامنا، وأن نَتَمثَّلَ في ذلك توجيهات صاحب الجلالة نصره الله خاصة تلك الواردة في الخطاب السامي الذي وجهه جلالته إلى الأمة بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الحالية أمس الجمعة، والاشتغال على الأولويات التي حددها جلالته، والمتمثلة في الحرص على ضمان أمننا الغذائي الاستراتيجي في سياق الجائحة وما بعدها، والتنافس العالمي الكبير على المواد الغذائية الأساسية، ومواكبة متطلبات اقتصاد ما بعد الجائحة، وما يقتضيه الإنعاش الاقتصادي من تشريعاتٍ وتدابيرَ ورقابةٍ وتقييم، وحوارٍ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهكذا سيكون علينا ممارسةُ اختصاصاتنا الدستورية في التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، ووظائفنا في تمثيل المواطنين وفي مجال الدبلوماسية البرلمانية على النحو الذي يرقى إلى طموحات المواطنين والمواطنات ويرسخ دولة المؤسسات. وبالتأكيد، فإن ممارسة هذه الاختصاصات ينبغي أن تتمفصلَ وتندرجَ في السياق الوطني العام الذي يقع اليومَ تحت عنوانٍ مركزي هو إِعمال النموذج التنموي الجديد، الذي حدده جلالة الملك من بين الأولويات الوطنية في المرحلة الراهنة، والذي كان جلالته قد أمرَ بإعداد تصور بشأنه تمت بلورته وفق منهجية الإشراك والنقاش الواسع والتفاعل بين اللجنة التي كلفها جلالة الملك بإعداده، ومكونات المجتمع السياسي والمدني وأوساط الاقتصاد والنخب وممثلي المهن. وما من شك في أننا، جميعُنا، نقدرُ حجمَ الجهدِ التشريعي المطلوب منا لتأطير إعمالِ هذا النموذج ومتطلباته في مجال التتبع، والتقييم الذي ورد مُكَوناً مركزياً في وثائق النموذج التنموي الجديد، فضلا عن إنجاز الأجندات التشريعية التي تتطلبها دينامية المجتمع والاقتصاد والإصلاحات المؤسساتية التي يتطلبها النموذج التنموي بما في ذلك إصلاح قطاع الصحة والمؤسسات العمومية والمنظومة الجبائية والتعليم، علما بأن محطة أساسية تنتظرنا ابتداء من الأسبوع المقبل تتمثل في تقديم البرنامج الحكومي من طرف السيد رئيس الحكومة ومناقشته والتصويت عليه، يليه تقديمُ ومناقشةُ مشروع قانون المالية. في مجال العلاقات الخارجية والدبلوماسية البرلمانية، ينبغي لنا أن نثمن ما حققته الدبلوماسية البرلمانية المغربية على مدى عقود، لنُرَسِّخَ حضورَها الوازن وتأثيرَها الإيجابي في المحافل البرلمانية متعددة الأطراف، ودورها في مواكبة الدبلوماسية الوطنية التي يقودُها ويرعاها جلالة الملك. وبالتأكيد فإن قضية وحدتنا الترابية والترافع بشأنها، سيظل أولوية الأولويات بالنسبة لدبلوماسية مجلس النواب، مدعومين في ذلك ومتمثلين الرؤيةَ الملكية ومُنْجَزَها النوعي في مختلف الفضاءات الجيوسياسية، وخاصة في إفريقيا. وعلاقة بالقضية المركزية في دبلوماسيتنا الوطنية ينبغي لنا أن نعتز بالمشاركة المكثفة لأخواتنا وإخواننا في الأقاليم الجنوبية في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، عربونا على وحدويتهم وتشبثهم بمغربيتهم المتأصلة في التاريخ. الزميلات والزملاء، سنبني في ما نحنُ مقبلون على تحقيقه على المنجزَ في المجلس استثماراً لقيمة التراكم، وتقديرا منا لما حققه المجلس السابق برئاسة الصديق والزميل الأستاذ الحبيب المالكي الذي أُثْنِى على رئاسته للمجلس طيلة الولاية العاشرة وما تحقق خلالها. الزميلات والزملاء، ابتداء من اليوم أنا رئيس لمجلس النواب بكل مكوناته معارضةً وأغلبية سواء من اختاروا أن أكون رئيسا للمؤسسة أو من كان لهم رأي آخر أحترمه. وكونوا على يقين من أنني سأظل حريصاً على حقوق الجميع، وخاصة حقوق المعارضة التي كَفَلَ لها الدستور عدة حقوق، لإيماني بأهمية الاختلاف وبضرورة المعارضة المؤسساتية، خاصة وهي أيضاً مشكلة من أحزاب تجمعها مع الأغلبية الشراكةُ في الوطن، والإيمانُ بضرورة تمنيعه وتقدمه. الزميلات والزملاء، تفرض علينا المهامُ التي علينا إنجازهَا، والتحديات التي تفرضُها المرحلة، والآمالُ التي أطلقتها الدينامية السياسية التي نَعيشها، وكذا التحديات التي تواجهها بلادنا في سياق الجائحة، وما بعدها، وفي السياق الإقليمي والدولي، التعبئةَ الجماعية، والحضورَ المنتج، والحوارَ المثمر، والإسهامَ في جعل أشغال المجلس محط تقدير الرأي العام. علينا الإصغاءُ إلى المجتمع والتواصل مع مكوناته خاصة المدنية وفق ما يكفله الدستور في مجال الديموقراطية التشاركية بما يرسخ الديموقراطية المؤسساتية ويغذيها ويكفل تجديدها. وفقنا الله جميعا لما فيه خيرُ ونماءُ وتقدمُ ومناعةُ بلادِنا تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ولِمَا يُعيننا ويوجهُنا إلى خدمة المصلحة العامة للبلاد، بما يرسخ ثقة المواطنين والمواطنات في المؤسسات وييسر المشاركة والتماسك الاجتماعي والتلاحم الوطني، لترسيخ تموقع بلادنا الدولي وتجذرها في التاريخ أمةً عريقةً ودولةً ضاربةً بجذورِها في أعماقِه. شكرا على كريم الإصغاء."