قرار محكمة العدل الأوروبية: نواب أوروبيون يعبرون عن امتعاضهم من قرار يمس بالمصالح الاقتصادية الأوروبية    "البيجيدي": قرار المحكمة الأوربية ابتزاز سياسي وتدخل في سيادة المغرب    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون قرار محكمة العدل الأوروبية    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء    انطلاق بيع تذاكر مباراة المنتخب المغربي ضد نظيره من إفريقيا الوسطى    جماعة تطوان تصادق على ميزانية 2025.. والبكوري: تنتظرنا تحديات وستنطلق إنجازات    اعتداء على رجل سلطة بعد دخوله منزل مزارع للكيف دون استئذان    الحسيمة.. السجن لشخص ابتز خطيبته بصورها للحصول على مبالغ مالية    تركيا.. شخص يقتل شابتين وينتحر والسبب مجهول    بعد قرار محكمة العدل الأوروبية.. هنغاريا تؤكد على الشراكة الاستراتيجية مع المغرب وتدرس تطويرها وتوسعتها لمجالات عدة    استياء أوربي وردود فعل قوية على حكم محكمة العدل الأوروبية: المغرب سيظل شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    ردا على محكمة العدل.. هنغاريا تتشبث بالشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا        المحكمة تأمر بإفراغ بركة زوج المنصوري بالقوة من منازل قرب ضريح مولاي عبد السلام    كيوسك السبت | مثقفون ورجال قانون وأجانب قاطعوا الإحصاء العام للسكان والسكنى    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر        منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس مجلس المستشارين في حوار خاص ل «رسالة الأمة»: 22 سنة من حكم جلالة الملك.. ديناميات إصلاحية متواترة وأوراش تنموية متواصلة

قال حكيم بن شماش، رئيس مجلس المستشارين، إن الإصلاحات والأوراش الكبرى التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، بوأت المملكة مكانة متميزة، على الصعيد الدولي والعربي والإفريقي، ومكنتها من إرساء مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي وتحقيق منجزات حقيقية في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف بن شماش في حوار مع «رسالة الأمة»، أن هذه الإصلاحات ترمي إلى تدعيم المسلسل الديموقراطي وبناء دولة القانون والحداثة وتعزيز حقوق الإنسان، وطي صفحة الماضي، وإنجاح تجربة العدالة الانتقالية، وتحقيق التنمية الشاملة على كل المستويات والأصعدة.
وأبرز أن دينامية الإصلاحات التي انطلقت تحت قيادة جلالة الملك، مكنت المملكة، في محيط جهوي ودولي معقد، من التوفر على أرضية صلبة وعلى بوصلة واضحة للتوجه للمستقبل بثقة راسخة،
و حدت بالمؤسسات الدولية، لاسيما صندوق النقد الدولين إلى وصف المغرب بأنه ركيزة داعمة للتنمية في المنطقة الإفريقية بما يضمن تحقيق التكافل الاقتصادي والاجتماعي لكافة الشعوب الإفريقية.
بن شماش، وبعد استعراضه لأبرز الأوراش الملكية المهيكلة التي عرفها المغرب على مدى ال22 سنة من حكم جلالة الملك، توقف في حواره مع الجريدة عند حصيلة مجلس المستشارين، كما تحدث عن التحديات والإكراهات التي واجهته خلال تدبيره للمجلس.
شهدت ال22 سنة من حكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إصلاحات كبرى أحدثت تحولات عميقة وهيكلية شملت مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية والحقوقية، ما هي أبرزها في نظركم؟
في الواقع، عديدة هي الإصلاحات والأوراش الكبرى التي أطلقها ورعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والتي لا يسع المجال في حوارنا الصحفي هذا للتطرق إليها كلها والتفصيل فيها، ولكن إجمالا هي إصلاحات ترمي إلى تدعيم المسلسل الديموقراطي في بلادنا وبناء دولة القانون والحداثة وتعزيز حقوق الإنسان، وطي صفحة الماضي وإنجاح تجربة العدالة الانتقالية، وتحقيق التنمية الشاملة على كل المستويات والأصعدة، مما أدى إلى تحقيق تطور مهم وملموس مكن بلادنا من تحقيق عدد من المكتسبات وجعلها تحتل اليوم مكانة متميزة، على الصعيد الدولي والعربي والإفريقي. ومكنتها أيضا من إرساء مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي وتحقيق منجزات حقيقية في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل الوصول إلى مصاف الدول الديمقراطية والمتقدمة.
وفي هذا الصدد، اسمحوا لي أن أذكر، على سبيل المثال لا الحصر، ببعض من أبرز هذه الإصلاحات الملكية المهيكلة كما يلي:
تكريس الخيار الديمقراطي الحداثي، حيث حرص جلالته على أن يجعل من مشروع بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي أولوية تتصدر اهتمامات جلالته، إذ جعل من تدعيم الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها وتدعيم آليات اشتغالها، في إطار دولة الحق والقانون، خيارا استراتيجيا يندرج في إطار مشروع إصلاحي شامل يرتكز بالأساس على تحديث المؤسسات والهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي الوطني وتأهيله.
الإصلاح الدستوري، حيث تبنت بلادنا دستورا جديدا منذ سنة 2011، والذي يشكل اليوم الإطار الدستوري الذي يؤطر النموذج الديمقراطي الحداثي التنموي المغربي المتميز، ويشكل تعاقدا تاريخيا جديدا بين العرش والشعب.
وفي هذا الإطار، وبنظرة استباقية تم تنزيل الجهوية المتقدمة التي ليست في منظور صاحب الجلالة، مجرد قوانين ومساطر إدارية، وإنما هي تغيير عميق في هياكل الدولة، ومقاربة عملية في الحكامة الترابية، فهي تمثل أنجع الطرق لمعالجة المشاكل المحلية، والاستجابة لمطالب سكان المنطقة، لما تقوم عليه من إصغاء للمواطنين، وإشراكهم في اتخاذ القرار، لاسيما من خلال ممثليهم في المجالس المنتخبة.
إطلاق العديد من الأوراش الاقتصادية الكبرى: بقيادة وإشراف مباشر لصاحب الجلالة، تم إطلاق العديد من الأوراش سواء منها مشاريع البنيات التحتية (الطرق، الطرق السيارة، الموانئ، المطارات، القطار الفائق السرعة…)، أو برامج النهوض بقطاعات استراتيجية كالفلاحة والصناعة والطاقات البديلة.
هناك أيضا عدد من الأوراش التنموية المستدامة المترابطة، شملت مختلف المجالات والقطاعات، وشكلت فلسفة اجتماعية تضامنية ترمي إلى جعل المواطن ضمن الأولوية الكبرى في مسلسل الإصلاح الشامل، حيث رسخ جلالته مبادئ التضامن والتكافل والتآزر الاجتماعي، برؤية ملكية تضامنية في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.
ولقد استطاعت بلادنا بفضل جلالته، وضع برامج تنموية مستدامة تمكن من الاندماج الفعلي في مشاريع اقتصادية مدرة للدخل وفك الهشاشة والتهميش والإقصاء، عبر إحداث المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي ظلت مستمرة في مختلف المحطات ومواكبة لجميع التحولات الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى إطلاق الورش الكبير للتغطية الصحية والاجتماعية التي ستشكل ثورة في أفق تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
على مستوى تدبير ملف الهجرة، وضعت المملكة سياسة جديدة للهجرة، يقودها جلالة الملك محمد السادس باعتباره رائد سياسة الهجرة في إفريقيا، تروم تسوية أوضاع المهاجرين المقيمين بالمغرب في سبيل إعادة إدماجهم وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية، سواء في العيش الكريم أو الصحة أو التعليم أو الشغل، وذلك انسجاما مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال الهجرة وحقوق المهاجرين.
على صعيد آخر، يعكس إصلاح الحقل الديني، الذي تم إطلاقه بمبادرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رؤية ملكية متبصرة لتكريس الأسس المذهبية للمغرب مع ترسيخ الهوية الأصيلة للمملكة، والتي تتسم بالتوازن والاعتدال والتسامح. فقد جعل جلالة الملك، منذ السنوات الأولى لتوليه العرش، هذا الإصلاح حقلا أساسيا، وذلك بهدف ضمان تدبير حكيم وهادئ للشأن الديني انطلاقا من رؤية متبصرة تأخذ بعين الاعتبار تطور المجتمع المغربي مع الوفاء لأسس الهوية الروحية الفريدة للبلاد. ولقد تم وضع استراتيجية متعددة الأبعاد لتجديد الحقل الديني عبر إعادة تنظيم المجلس الأعلى للعلماء وتأهيل الأئمة من خلال تكوينهم.
ومن بين الإصلاحات البنيوية البارزة، لابد أن نتوقف أيضا عند التموقع الجيو- استراتيجي في إفريقيا وتعزيز التعاون «جنوب-جنوب»، حيث وضع صاحب الجلالة بلدان القارة ضمن الأولويات الاستراتيجية والاقتصادية للمملكة، وهو ما مكنها من ترجمة هاته الرؤية التنموية عبر الانفتاح المستمر نحو أزيد من 14 دولة إفريقية ساهم من خلالها بشكل تدريجي وممنهج في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات وخلق الاستثمارات بالمنطقة، بالإضافة إلى تفعيل برامج للتنمية البشرية التي سعى المغرب من خلالها إلى تأهيل وتكوين عدد كبير من الأطر الإدارية للمؤسسات العمومية بالدول الشقيقة والصديقة.
وتعد بلادنا اليوم شريكا أساسيا في خلق دينامية اقتصادية وفق منظور تضامني مع باقي شعوب القارة الإفريقية، وهو نفس التوجه الذي أكده صاحب الجلالة في العديد من الخطب الملكية، ولقد ساعدت الرؤية الملكية بشكل كبير في خلق برامج وسياسات تنموية تقوم على قيم التضامن الاجتماعي بين جميع الدول للنهوض بالتنمية البشرية بإفريقيا، بحيث إن دينامية الإصلاحات التي انطلقت تحت قيادة جلالة الملك، حدت بالمؤسسات الدولية لاسيما صندوق النقد الدولي إلى وصف المغرب بأنه ركيزة داعمة للتنمية في المنطقة الإفريقية بما يضمن تحقيق التكافل الاقتصادي والاجتماعي لكافة الشعوب الإفريقية.
ولقد تكللت كل هذه الإصلاحات، وغيرها كثير، بصياغة نموذج تنموي جديد وفق مقاربة تشاركية انخرطت فيها كل القوى الحية بالبلد، مما يفتح آفاقا وطموحات جديدة من شأنها إحداث تغييرات جذرية في البنية التنموية بالمغرب.
وإذا جاز لي أن ألخص هذه السلسلة المتصلة من الأوراش والديناميات الإصلاحية المتواترة، فيمكن القول بأنها مكنت بلادنا، في محيط جهوي ودولي معقد، من التوفر على أرضية صلبة وعلى بوصلة واضحة للتوجه للمستقبل بثقة راسخة.
دعنا نتوقف عند الورش المجتمعي غير المسبوق، المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية الذي أطلقه جلالة الملك، شهر أبريل الماضي، ما هو السبيل المؤدي إلى إنجاح هذا الورش، وتنزيله تنزيلا سليما وصحيا؟
عملا بالتوجيهات الملكية السامية المتضمنة في الخطب الملكية ولاسيما خطاب عيد العرش بتاريخ 29 يوليوز 2020، وخطاب جلالته بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2020، وخطاب جلالته السامي الموجه للبرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة بتاريخ 9 أكتوبر 2020، وتطبيقا لأحكام الفصل 31 من دستور 2011، واستنادا إلى الالتزامات الدولية للمملكة المغربية في مجال الحماية الاجتماعية، عملت الحكومة المغربية على تقديم مشروع قانون إطار رقم 09.20 المتعلق بالحماية الاجتماعية، والذي يسعى إلى استكمال بناء هذه المنظومة والتي حدد جلالته حفظه الله مرتكزاتها ومعالمها، في أربعة مكونات رئيسية تتجلى فيما يلي:
أولا: تعميم التغطية الصحية الإجبارية في أجل أقصاه نهاية 2022 لصالح 22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي عن المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء أو الاستشفاء والعلاج؛
ثانيا: تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة؛
ثالثا: توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش؛
رابعا: تعميم الاستفادة من التأمين في التعويض عن فقدان الشغل بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.
وتفاعلا مع التوجيهات الملكية السامية المشار إلها أعلاه، ومن منطلق تركيبته الغنية بالكفاءات المهنية والنقابية وممثلي المجالات الترابية، وكذا الأسبقية المخولة إليه دستوريا في مناقشة القضايا الاجتماعية، وذلك وفقا لأحكام الفصل 78 من الدستور لاسيما في فقرته الثانية، يتحمل مجلس المستشارين مسؤولية مؤسساتية مباشرة للمساهمة في إعداد ومواكبة كل التغيرات المزمع إدخالها على مستوى السياسات والبرامج العمومية ذات الصلة بالتغطية الاجتماعية.
كيف يواكب مجلس المستشارين هذه الثورة الاجتماعية؟
إن مسؤولية المجلس على المستوى الاجتماعي مؤكدة بموجب الدستور المغربي، وذلك من منطلق تركيبته الغنية بالكفاءات الحزبية والنقابية والمهنية وممثلي المجالات الترابية، وكذا بالأسبقية المخولة إليه دستوريا في مناقشة القضايا الاجتماعية طبقا لروح وفلسفة الفصل 78 من الدستور.
وفي هذا الإطار، وفي سياق التفاعل مع التوجيهات الملكية السامية، بادر المجلس قبل حوالي ثلاث سنوات الى تنظيم منتدى برلماني حول الموضوع توج بخلاصات وتوصيات هامة، كما قام لاحقا بإحداث مجموعة موضوعاتية حول إصلاح التغطية الاجتماعية، والتي انتهت أشغالها بإعداد تقريرها العام، والذي سيكون موضوع جلسة عامة ستنعقد خلال الأسبوع الثاني من شهر يوليوز الجاري، لمناقشة مضامينه مع الحكومة.
كما تميزت مسطرة دراسة ومناقشة قانون إطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية داخل مجلس المستشارين بالتفاعل الإيجابي مع مضامين هذا النص القانوني، بحيث أكد كافة أعضاء المجلس أهمية هذا الورش الهام وأثره الإيجابي المتوقع على حياة المواطنات والمواطنين، معبرين عن أملهم في إنجاحه وتنزيله تنزيلا سليما.
سيظل ال 10 من دجنبر 2020 يوما محفورا في ذاكرة المغاربة، ذلك اليوم الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها التاريخي باعترافها بسيادة المملكة المغربية على كافة منطقة الصحراء المغربية، ما دلالات هذا الاعتراف ومكاسبه؟
نعم بالتأكيد، فإن القرار التاريخي الصادر عن الولايات المتحدة الأمريكية في اليوم العاشر من دجنبر 2020، والقاضي باعترافها بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على صحرائها، يعد خطوة غير مسبوقة ويحمل أكثر من دلالة في ظل الظروف الراهنة.
وكما عبرنا من خلال بلاغ مكتب مجلس المستشارين الصادر يوم 11 دجنبر، فإن هذا القرار التاريخي يعد ثمرة للدبلوماسية المباشرة الرشيدة والمسؤولة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، للدفاع عن حوزة المملكة المغربية في دائرة حدودها الحقة، وضمان الأمن والاستقرار بكافة تراب المملكة وضمنها الأقاليم الجنوبية، ولا شك أن هذه الدبلوماسية الملكية المتبصرة هي المرجع والمرتكز الأساس في الجهود الجبارة التي تبذلها الدبلوماسية المغربية، الرسمية والموازية، في سبيل الدفاع عن القضايا العادلة للمملكة وحماية مصالحها الحيوية.
وكما أوضحت الشهور التي تلت قرار اعتراف دولة فاعلة ووازنة في المنتظم الدولي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بمغربية الصحراء، كانت له تداعيات جد إيجابية بالنسبة لمسار قضية الوحدة الترابية للمملكة، وهو بالنسبة لنا قرار موضوعي جاء تكريسا لمسار من العلاقات الثنائية المتميزة، خصوصا وأن الولايات المتحدة الأمريكية، وعبر مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدعم، منذ سنة 2007، مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي وعملي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وإلى جانب تكريسه لمغربية الصحراء، فإن قناعتنا راسخة بأن هذا القرار سيعمل على فتح المجال أمام المستثمرين الدوليين من أجل دعم وتعزيز الدينامية التنموية التي تعرفها هذه المنطقة منذ إطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة.
استطاعت القوات المسلحة الملكية في عملية سيادية حازمة تحرير معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا من ميليشيات جبهة البوليساريو الانفصالية، وهي الخطوة التي حظيت بإشادة دولية واسعة ونوهت بإعادة تأمين حركة التنقل المدنية والتجارية في هذا المعبر، ما السياقات التي فرضت على القوات المسلحة اللجوء لهذه الخطوة؟
اسمحوا لي أن أعود إلى سؤالكم الأول والمتعلق بالقرار التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، للتذكير بأن هذا القرار جاء في عز تطورات الوضع بالمعبر الحدودي الرابط بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة، مع ما رافقه من مشاعر الفخر والاعتزاز بالتعامل والرد الرصين، السلمي والحازم لبلادنا، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك نصره الله، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان الحرب العامة، للتصدي للممارسات الإجرامية والبلطجية التي تقوم بها العصابات والمليشيات المسلحة التابعة للكيان الوهمي، والتي حاولت من خلالها زعزعة الاستقرار وترهيب المواطنات والمواطنين وعرقلة التنقل المدني وتهديد العبور الآمن والسلس للسلع والبضائع.
ونود في هذا السياق، تجديد التعبير عن اعتزازنا بالروح الوطنية العالية والتعبئة المجتمعية الشاملة والإجماع الوطني الثابت والدائم وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي أبانت عنها مختلف مكونات الشعب المغربي إبان تلك التطورات، بل وفي مختلف المحطات، التي تحاول فيها، عبثا، بعض الأطراف زعزعة استقرار بلدنا أو المساس بمسيرته التنموية أو النيل من وحدته الترابية وسيادته الوطنية.
ولاشك أن الممارسات الاستفزازية والأعمال التخريبية والإرهابية التي قامت بها المليشيات والعصابات المسلحة التابعة للكيان الوهمي، لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تنال من وحدة واستقرار المغرب، بقدر ما تؤكد اندحار الأطروحة الانفصالية والتضليلية، وانهيار منظومة القيم لدى الأطراف الراعية لها، أمام تعزيز المغرب لوحدته الترابية وترسيخ سيادته الوطنية على أقاليمه الجنوبية، من خلال اتساع دائرة البلدان المقرة بمشروعية وعدالة قضيتنا الوطنية، وفتح عدد من البلدان الصديقة والشقيقة قنصليات وتمثيليات دبلوماسية بأقاليمنا الجنوبية وخصوصا مدينتي العيون والداخلة.
يمر المغرب، منذ ما يقرب من سنة ونصف، وعلى غرار باقي دول العالم، من أزمة صحية حيث ما تزال جائحة «كوفيد- 19» منتشرة وتطرح تحديات كبرى على مختلف الأصعدة الصحية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن بلادنا بقيادة جلالة الملك واجهت هذه الجائحة وتداعياتها بفعالية ونجاح، كيف تقيمون تعامل الدولة مع هذه الأزمة؟
لا غرو في القول بأن المغرب استطاع، بفضل حكمة جلالة الملك، أن يدبر بشكل مبكر الأزمة الصحية لجائحة «كورونا» من خلال التعبئة التشاركية ضد هذا الوباء، والاتخاذ الحاسم والسريع لمجموعة من التدابير والإجراءات الصارمة والاستباقية لوقف انتشار الوباء، والحد من تداعياته على النسيج المجتمعي، عبر نهج مقاربة ارتكزت على الحكمة والحزم والصرامة، مكنتها من اعتماد «خطة وطنية/حمائية» متنوعة وبعيدة المدى، تعتبر غير مسبوقة وهي الأولى من نوعها على الصعيد القاري، لبنتها الأساس متانة كل من المجال الصحي المبتكر، والمجال الأمني المرتكز على ثقافة أمن القرب للمواطن، والمجال الصناعي المتطور والمتجدد، بغية التأقلم مع متغيرات المرحلة واستشراف بناء مغرب ما بعد «كورونا».
وأغتنم الفرصة هنا لكي أعبر عن عميق اعتزازي بالاتفاقيات التي أبرمت يوم الإثنين المنصرم (5 يوليوز 2021) في حضرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي بموجبها سيشرع المغرب في تصنيع وتعبئة اللقاح ضد «كورونا» ولقاحات أخرى.
كيف دبرتم على مستوى مجلس المستشارين هذه الأزمة الصحية؟
في ارتباط بهذه الوضعية الصحية، وفي ضوء غياب أحكام تفصيلية تجيب عن كيفيات اشتغال البرلمان في الأحوال غير العادية في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، اتخذ مكتب مجلس المستشارين بتشاور مع ندوة الرؤساء مجموعة من الإجراءات غير العادية والمؤقتة، بغرض الحفاظ على استمرارية المؤسسة في أداء وظائفها بما تقتضيه الظرفية الصعبة، مقابل توفير الشروط الضرورية للاشتغال الآمن، وذلك عبر مرحلتين متتابعتين، أولاهما تزامنت مع تسجيل الحالات الأولى للإصابات وحالة التأهب التي اتخذتها السلطات العمومية. أما المرحلة الثانية فقد جاءت متزامنة مع الإجراءات المتخذة من قبل أجهزة الدولة للتخفيف من إجراءات الحجر الصحي والعودة التدريجية إلى الحياة العادية.
ولقد تمثلت مقاربة مجلس المستشارين في تدبير هذه الأزمة الصحية في اتخاذ مجموعة من التدابير الاستثنائية والمؤقت، بما يحقق اضطلاع المجلس بأدواره الدستورية، سيما في هذه الفترة الحرجة، ووضع منهجية للسير الآمن لاشتغال المجلس، مع توجيه العمل نحو ضمان التدبير الجيد لهذه الأزمة وتتبع تنفيذ كافة التدابير المتخذة لكافحتها.
وتمثلت هذه التدابير في وضع نظام مؤقت للحضور في أشغال الجلسات العامة؛ والنظام الاستثنائي المؤقت للجلسات الأسبوعية للأسئلة الشفهية؛ وتخصيص مواضيع الجلسات الشهرية للمواضيع المتعلقة بتدبير جائحة «كورونا» ومكافحة كافة تداعياتها؛ فضلا عن وضع نظام خاص بالعمل التشريعي من خلال إعطاء الأولوية، بالاتفاق مع الحكومة، للنصوص المرتبطة بالتجاوب مع إكراهات المرحلة والحد من آثارها، وجعل النصوص التشريعية المرتبطة بتدبير جائحة «كورونا» في مقدمة أولويات العمل التشريعي للمجلس، واتخاذ كل الترتيبات لتسريع البت فيها من لدن المجلس ولجانه.
وضمانا لمشاركة أوسع للسيدات والسادة المستشارين في عملية التصويت، بما يتوافق مع مقتضيات الفصل 60 من الدستور ومضمون المادة 175 من النظام الداخلي للمجلس، تم اعتماد آلية التصويت الإلكتروني عن بُعد، لأول مرة في تاريخ العمل البرلماني بالمغرب والثانية على صعيد إفريقيا والشرق الأوسط، وذلك يوم الثلاثاء 12 ماي 2020 بمناسبة الدراسة والتصويت على مشروع قانون رقم 23.20 يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441(23 مارس 2020) المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
كما تموضع نظام خاص باللجان الدائمة والمؤقتة من خلال جعل حضور اجتماعات اللجان الدائمة مقتصرا على ممثل واحد عن كل فريق ومجموعة برلمانية؛ مع دعوة مكاتب اللجان إلى إتاحة الفرصة لأعضاء المجلس للمساهمة في المناقشة بتقنيات التواصل عن بُعد؛ ومواكبة العمل الحكومي ذي الصلة بتدبير جائحة «كورونا» من خلال برمجة اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين المعنيين بشكل مباشر لدراسة المواضيع المحورية؛ وتأجيل تنظيم المهام الاستطلاعية والمنتديات والملتقيات البرلمانية والندوات والأيام الدراسية والدورات التكوينية ومختلف الأنشطة الإشعاعية للمجلس، وتعويضها بالمشاركة عن بُعد؛ إضافة إلى اعتماد نظام العمل عن بُعد، وضبط الولوج إلى مقر المجلس، والتدابير الأخرى ذات الصبغة المادية، على غرار تعقيم قاعة الجلسات العامة وقاعات اجتماعات اللجان الدائمة وكل فضاءات المجلس، وضع كاشف للحرارة في مدخل المجلس من أجل ضبط الحالات التي تحمل مؤشرات العدوى، تحت إشراف طبيب المجلس، واحترام مسافة الأمان في الجلوس داخل جميع القاعات بالمجلس.
على بعد أشهر قليلة من انتهاء الولاية التشريعية الحالية، ما هي أهم منجزات مجلس المستشارين؟
قناعة منا بالمكانة الدستورية المتميزة التي يحتلها مجلس المستشارين في نظام الثنائية البرلمانية، بصفة خاصة، وفي البناء المؤسساتي الوطني، بصفة عامة، وإدراكا منا بالأدوار والوظائف التي يتعين عليه القيام بها، لم ندخر جهدا رئاسة، مكتبا، وفرقا في استثمار كل الفرص المتاحة لإطلاق مسار نقاش عمومي تعددي وتشاركي بشأن عدد من المواضيع والقضايا ذات الصلة بطبيعة وخصوصية هذه المؤسسة، باعتبارها غرفة برلمانية تتميز بتعدد التخصصات والتمثيليات الترابية والمهنية والنقابية، وتتوفر على جميع مقومات الأداء الناجح لدورها كغرفة تترجم بدقة تطلعات المجالات الترابية والفاعلين المهنيين والنقابيين والمدنيين. وهو ما يجعل منها «الفضاء الطبيعي» للنقاش العمومي البناء، ولتلاقح الأفكار والآراء إغناء لتجربتنا الديمقراطية. كما ما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة بمقر البرلمان، حيث أكد جلالة الملك، حفظه الله وأيده، أن الدستور قد أعطى: «لمجلس المستشارين مكانة خاصة في البناء المؤسسي الوطني، في إطار من التكامل والتوازن مع مجلس النواب. فهو يتميز بتركيبة متنوعة ومتعددة التخصصات، حيث يضم مجموعة من الخبرات والكفاءات، المحلية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية. لذا، يجب أن يشكل فضاء للنقاش البناء، وللخبرة والرصانة والموضوعية، بعيدا عن أي اعتبارات سياسية.»
كما عملنا على إطلاق مجموعة متكاملة ومترابطة من الأوراش والمبادرات في شكل منتديات وملتقيات وندوات فكرية، لاسيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال مقتضيات الدستور ذات الصلة بطبيعة تركيبته وكذا بمهامه واختصاصاته وتندرج هذه المقاربة ضمن مساعي المجلس الرامية إلى التفاعل مع نبض المجتمع، وتهدف من بين ما تهدف إليه نقل الانشغالات والمطالب الاجتماعية من الشارع إلى الفضاء المؤسساتي.
في هذا الإطار، وتفاعلا مع المرجعية الأممية التي كرست يوم 20 فبراير يوما عالميا للعدالة الاجتماعية، عملنا في مجلس المستشارين على إرساء تقليد سنوي للاحتفاء بهذا الموعد الأممي من خلال تنظيم منتدى سنوي برلماني دولي للعدالة الاجتماعية، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة.
بالموازاة مع ذلك، وإيمانا بالأهمية القصوى التي يوليها جلالة الملك، نصره الله، للورش الإصلاحي الكبير المتعلق بالجهوية والذي يتوخى إعادة صياغة بنية الدولة ونسق هياكلها بإضفاء المزيد من الديموقراطية على تدبير الشأن العام، وضمان تقاطع السياسات الوطنية والقطاعية والترابية؛ جعلنا من موضوع الجهوية المتقدمة ثاني الأوراش ذات الأولوية القصوى التي أطلقها المجلس ووضعها في موقع الصدارة في أجندة عمله وأنشطته، باعتبارها مشروعا إصلاحيا «دولتيا» كبيرا، وإطارا مؤسساتيا يقدم أجوبة على عدد من الأسئلة والإشكالات المرتبطة بالعدالة الاجتماعية في مختلف تمظهراتها، نظرا للأهمية الفائقة لمبادئ التنظيم الجهوي في تحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة مبدأي التعاون والتضامن المنصوص عليهما في الفصل 136 من الدستور.
وجدير بالذكر أن طموح المجلس، في هذا الصدد، تمثل في رغبته في الاضطلاع بوظائف «برلمان الجهات»، تنزيلا للرؤية التي ترمي إلى جعله «صوت الجهات بامتياز»، وإعطائه خاصية متفردة تنسجم مع الاختصاصات والأدوار الجديدة التي منحها له دستور 2011.
وفي هذا الإطار، تم توطيد أسس الملتقى البرلماني للجهات الذي يعد بمثابة إطار مؤسساتي للتنسيق، بين مختلف الفاعلين، من أجل تفعيل هذا الورش الدولاتي الهام. ونتطلع من خلاله إلى جعل المجلس رافعة مؤسساتية للجهوية المتقدمة ومجلسا حاضنا للتنسيق المؤسساتي وللتفكير الجماعي في سبل ومقومات نجاح هذا الورش الإصلاحي المهيكل، من خلال الاشتغال على فكرة «برلمان الجهات» بمنطق ملتقيات سنوية لتمكين المجلس من بناء تجربة متفردة على الصعيد العالمي إذ لا توجد، في حدود علمنا، تجربة مماثلة.
كما عملنا بالموازاة مع الورشين السابقين، على تنظيم عدد مهم من الفعاليات الحوارية الأخرى، المتداخلة والمتقاطعة معهما، بغرض التداول والتناظر بشأن القضايا الوثيقة الصلة بمهام مجلس المستشارين أو المرتبطة بالتزامات بلادنا الدولية، من قبيل الندوة البرلمانية حول «أدوار البرلمان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة»، وذلك من أجل استشراف مسالك تفكير وتقديم عناصر إجابة عن جملة من الإشكاليات والأسئلة، التي تعتبر ضرورية لتملك أهداف التنمية المستدامة واستشراف الآليات والميكانيزمات الكفيلة بتمكين البرلمان من النهوض بالرؤية الشاملة لأهدافها، والندوة البرلمانية الدولية، غير المسبوقة والأولى من نوعها على صعيد البرلمانات الوطنية عبر العالم، حول «ملاءمة التشريعات الوطنية مع مضامين (اتفاق باريس) حول التغيرات المناخية»، والتي تمثل أولى الخطوات الرسمية في مسار أجرأة خطة العمل البرلمانية حول التغيرات المناخية.
وهناك أيضا المؤتمر الإقليمي لدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط حول «حقوق الإنسان والأعمال التجارية»، وذلك في إطار الرؤية الاستباقية للمجلس بخصوص المواضيع ذات الصلة بالتحديات الجديدة والمعقدة لحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك التحديات المرتبطة بدور الشركات عبر الوطنية ومؤسسات الأعمال التجارية الأخرى وما ينشأ عنها من احتمال إضرارها بحقوق الإنسان وبحياة الأفراد عن طريق ممارساتها وعملياتها التجارية الأساسية. بالإضافة إلى اليوم الدراسي حول «السياسة المغربية في ميدان الهجرة واللجوء، فرص وتحديات»، وذلك بمناسبة مصادقة الجمعية 137 للاتحاد البرلماني الدولي على مقترح موضوع للدراسة مقدم من قبل المغرب بعنوان «تدعيم التعاون البرلماني وتعزيز الحكامة في مجال الهجرة في أفق المصادقة على ميثاق عالمي من أجل هجرات آمنة ومنظمة ومنتظمة»….
هل أنتم راضون على أداء المجلس في مجال الدبلوماسية البرلمانية؟
بكل صدق، وقبل محاولة بسط أهم وأبرز معالم مكتسبات العمل الدبلوماسي لمجلس المستشارين، وبحكم أن سؤالكم قد صيغ بمقياس الرضا، أود التأكيد على أن التطورات التي عرفها المعبر الحدودي للكركرات، كانت بالنسبة لنا أكبر مناسبة ترسخت لنا فيها مدى نجاعة ومصداقية ما كنا نستعرضه من مجهودات في العمل الدبلوماسي، وكانت مناسبة أكدت مدى متانة الاختراق الذي نجحنا في تحقيقه في أكثر المناطق التي كانت إلى الأمس القريب تعتبر الحصن والفضاء المفتوح لأعداء وخصوم وحدتنا الترابية.
فإلى جانب الدول العربية والإفريقية الشقيقة، التي عبرت عن تضامنها ودعمها للتدخل السلمي والحازم لبلادنا، فقد عبرت برلمانات واتحادات جهوية وإقليمية بمنطقة أمريكا اللاتينية والكراييب، عن مواقف، دعوني أجزم أنها غير مسبوقة، فإلى جانب المراسلة التي قمنا بها بمعية إخواننا بمجلس النواب، عقدنا لقاءات ثنائية مع نظرائنا بالعديد من البرلمانات بهذه المنطقة، أسفرت عن إصدار برلمان أمريكا اللاتينية والكراييب (البرلاتينو)، وبرلمان أمريكا الوسطى (البرلاسين)، ومنتدى رئيسات ورؤساء المجالس التشريعية بأمريكا الوسطى (الفوبريل)، إلى جانب برلمانات الإكوادور والشيلي وغواتيمالا والبيرو والبراغواي وغيرها من الدول، بلاغات وبيانات رسمية تعبر عن تضامنها ودعمها للمغرب في جهوده للحفاظ على أمنه وسيادته وعن رفضها لكل الممارسات التي تستهدف زعزعة الاستقرار وتهديد السلم وعرقلة حرية التنقل بالمنطقة، مع اقرارها بالحق الشرعي للدولة المغربية في الحفاظ والدفاع عن سيادتها وأمنها.
وبالعودة لسؤالكم في شموليته، فلا شك أن العمل البرلماني الدبلوماسي يمثل إحدى الأدوار والأولويات الأساسية لمجلس المستشارين، كواجهة محورية للدفاع عن القضايا الإستراتيجية لبلادنا وعلى رأسها القضية الوطنية، وكذا تمتين وتعزيز علاقات الشراكة والتعاون مع مختلف مكونات المنتظم البرلماني الدولي.
وإن كان المجال هنا لا يسع لبسط العديد من المبادرات والأنشطة والمكتسبات التي حققها المجلس في هذا المجال، فيمكننا الجزم بأن مجلس المستشارين، قد تمكن من تطوير وتقوية حضوره في المشهد الدبلوماسي البرلماني، بفضل الدينامية المتميزة، والتجربة النوعية التي ميزت العمل المهيكل والمتجدد لجميع مكوناته خلال الفترة 2015-2021، مما مكنه من تحقيق العديد من الإنجازات والمكتسبات الدبلوماسية، سواء على مستوى انخراطه أو تعزيز تموقعه في الاتحادات والجمعيات البرلمانية الجهوية والقارية بمختلف المناطق، أو على صعيد تقوية وتمتين علاقاته مع شركائه الاستراتيجيين ومختلف الهيئات البرلمانية الدولية من خلال الانفتاح على التجمعات الإقليمية والقارية والدولية والتموقع على مستوى مختلف مناطق العالم من أجل التصدي للمغالطات والمناورات المعادية والدفاع عن المصالح العليا للمملكة المغربية؛ واستصدار قرارات ومواقف متقدمة داعمة لقضية وحدتنا الترابية وللمبادرة المغربية المقدامة للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية.
ولا شك أن هذا الحضور المتميز والنوعي قد فسح لنا المجال من أجل تأكيد موقف المملكة الراسخ من العديد من القضايا التي تهم محيطها الإقليمي والجهوي والدولي، بالإضافة إلى حشد وتعبئة الدعم اللازم للدبلوماسية الوطنية في إطار من التناغم مع أولوياتها الرئيسية المتمثلة أساسا في التوجه الإفريقي، وتعزيز وتدعيم العلاقات «جنوب-جنوب» والانفتاح وترسيخ التموقع الإستراتيجي على مستوى فضاءات جيو- سياسية جديدة في آسيا ومنطقة أمريكا اللاتينية والكاراييب، إلى جانب مواصلة تمتين ومواكبة مسار العلاقات القائمة مع المجالس والمنظمات العربية والشركاء الأوروبيين والمنظمات البرلمانية الدولية.
وإن كانت المكتسبات التي حققناها جد متعددة وعبر أوسع المناطق بالعالم، فإن كان لي أن أختار لحظة ستظل راسخة في ذاكرتي بل وفي ذاكرة البرلمان المغربي في مجال العمل الدبلوماسي البرلماني، فهي يوم فاتح نونبر من سنة 2019، يوم استطعنا أن نجمع بمقر مجلس المستشارين، وإلى جانب رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي، رؤساء كافة الاتحادات البرلمانية الجهوية والإقليمية بالمنطقتين الإفريقية والأمريكو- لاتينية.
وكانت المناسبة هي التوقيع على الإعلان التأسيسي للمنتدى البرلماني لبلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية، كتتويج لمسار من العلاقات غير المسبوقة التي نسجناها بمنطقة أمريكا اللاتينية والكراييب، إلى جانب مواكبتنا البرلمانية للدبلوماسية المتبصرة والمباشرة لجلالة الملك بالقارة الإفريقية، حيث استطاع المجلس أن يكون بامتياز بمثابة حلقة وصل وجسر ذي مصداقية لربط التعاون والحوار البرلماني الإفريقي- الأمريكو لاتيني، تجسيدا للتعاون «جنوبجنوب» كمحور ومرتكز أساس في السياسة الخارجية لبلادنا، وهو الخيار الذي يقوده ويرعاه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
ماذا عن المستوى التشريعي؟
إن إمعان النظر في الحصيلة المسجلة خلال الولاية التشريعية لمجلس المستشارين (2015-2020) على المستوى التشريعي يسمح بالقول إن المجلس ما فتئ يؤكد مكانته كقوة تقريرية واقتراحية بناءة نهوضا بصلاحياته الدستورية وتثمينا لموقعه في المشهد المؤسساتي الوطني.
فانطلاقا من خصوصية طبيعة تركيبته المتنوعة، وما تتميز به من كفاءات وخبرات مرجعية هامة على المستوى الترابي والاقتصادي والاجتماعي والمهني، والتي تمثل دعائم قوية للنقاش الجاد والمتداول من زوايا مختلفة، سعى مجلس المستشارين إلى النهوض بأدواره التشريعية كاملة، والمساهمة في إنتاج تشريعي جيد ومتقدم، بما يحقق تجويد العملية التشريعية وفعاليتها.
وعلاوة على إسهامه النوعي في مناقشة وتجويد النصوص التشريعية ذات المصدر الحكومي، فإن مجلس المستشارين عمل جاهدا على تفعيل حقه الدستوري في المبادرة التشريعية بما يمكنه من مواكبة انشغالات الحياة اليومية للمواطنين.
بتمحيص للنصوص الموافق عليها خلال هذه الولاية التشريعية، والتي قاربت 420 نصا، يسجل الموافقة على بعض النصوص المرتبطة بتنزيل المشاريع التنموية لبلادنا، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، كقانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، مشروع القانون المتعلق بإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، مشروع القانون المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، مشروع القانون المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، والنصوص المرتبطة باستكمال تنزيل الوثيقة الدستورية؛ خاصة مشروع القانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، مشروع القانون المتعلق بمؤسسة الوسيط، مشروع القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، النص الرامي إلى استكمال تفعيل منظومة إصلاح العدالة القاضي بنقل الاختصاصات من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى السيد الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، النص المتعلق بالتنظيم القضائي، بالإضافة إلى النصوص التي لا تقل أهمية، كتلك المتعلقة بمنظومة الانتخابات.
وتبعا لذلك، يمكن القول إن أداء المجلس على المستوى التشريعي، من خلال الحصيلة المسجلة والأرقام الدالة، كما ونوعا، يبدو إيجابيا، كرس من خلاله مجلس المستشارين دوره الإيجابي والفاعل في تجويد العملية التشريعية.
ما هي أبرز التحديات والإكراهات التي واجهتكم خلال تدبير مجلس المستشارين؟
أكتفي هنا بالإشارة إلى ثلاثة تحديات ساهمت في فرملة طموح الارتقاء بهذه المؤسسة الدستورية إلى المستوى الأرقى: أولاها شيوع مفهوم متخلف لمعنى أمانة تمثيل الأمة وبالنتيجة استمرار هيمنة مفهوم لا يقل تخلفا لمعنى المسؤولية الأخلاقية والسياسية التي ينبغي أن يتحلى بها من يتم ترشيحه لولوج البرلمان، وثانيها مرتبط بالأول يتمثل في ضعف تملك غالبية من يتم انتدابهم للعمل البرلماني لمتطلبات ما بعد إقرار الوثيقة الدستورية الجديدة وأساسا ما يتعلق بضرورة إعادة تشكيل هوية مجلس المستشارين كمؤسسة دستورية يفترض أن تكون فاعلة نوعيا وكميا في مواكبة الحركية الإصلاحية التي تعرفها بلادنا تحت قيادة صاحب الجلالة نصره الله. وأظن أن السؤال المتعلق بالحاجة الى إعادة تموقع مجلس المستشارين في النسيج المؤسساتي الوطني طبقا لما خوله الدستور من مهام وصلاحيات واستثمار الفرص المتاحة عبر تعددية تركيبته هو سؤال لا يزال قائما.
أما التحدي الثالث، فيحيلنا إلى ثقل النتائج المترتبة عن شيوع ثقافة تبخيس عمل المؤسسات واستمرار اشتغال معاول الهدم بدون كلل رغم جدية وأهمية العمل غير المسبوق الذي أنجز داخل المؤسسة في واجهات مختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.