كد محمد المرواني، الأمين العام لحزب الأمة، أن الاعتقال السياسي هو حادث شغل سياسي وأن وزارة الداخلية دهستهم حين كانوا يدافعون عن المغاربة، وتم الإفراج عنهم، لكن يقول المرواني، في حوار ل ''التجديد'' : ''لازلت لا أعرف جوهر هذا القرار، أطلق سراحنا لكن هل تم رد الاعتبار لنا؟ هل سيطلقون سراح باقي المعتقلين، أسئلة كثيرة جدا تفرض نفسها علينا، لذلك أقول نفس الجملة ''إن للتاريخ منطق''، فإما أن نحترمه وإما أن نختار مكانا في غير قاطرة التاريخ...''. اختار المرواني أن نجري معه الحوار بمقر جريدة ''التجديد''، قائلا : أن المنابر التي واكبت ملف المعتقلين وهم في السجن، أجدر بهؤلاء أن ينتقلوا إليها وهم ينعمون بطعم الحرية، معتبرا ذلك جزءا يسيرا من رد الجميل لكل المنابر الإعلامية وليست ''التجديد'' فقط. وكان المرواني خلال حديثنا إليه متأثرا بسبب استثناء مجموعة من المعتقلين من العفو الملكي الأخير، قال بعينين دامعتين، التقيت أول أمس مع أسرهم، وتحدثنا في هذا الأمر، واتفقنا على برنامج نضالي من أجل إطلاق سراح ذويهم، وسيستمر كفاحنا ولن ندخر ما بجهدنا حتى يتم ذلك، فلا يمكن لا بمنطق السياسة ولا بمنطق الأخلاق فضلا عن منطق الشرف أن نقبل بالمساومة في هذا الموضوع. وفي ما يلي تفاصيل الحوار : ''لازلت لا أعرف جوهر هذا القرار، أطلق سراحنا لكن هل تم رد الاعتبار لنا؟ هل سيطلقون سراح باقي المعتقلين، أسئلة كثيرة جدا تفرض نفسها علينا، لذلك أقول نفس الجملة ''إن للتاريخ منطق''، فإما أن نحترمه وإما أن نختار مكانا في غير قاطرة التاريخ...''. اختار المرواني أن نجري معه الحوار بمقر جريدة ''التجديد''، قائلا : أن المنابر التي واكبت ملف المعتقلين وهم في السجن، أجدر بهؤلاء أن ينتقلوا إليها وهم ينعمون بطعم الحرية، معتبرا ذلك جزءا يسيرا من رد الجميل لكل المنابر الإعلامية وليست ''التجديد'' فقط. وكان المرواني خلال حديثنا إليه متأثرا بسبب استثناء مجموعة من المعتقلين من العفو الملكي الأخير، قال بعينين دامعتين، التقيت أول أمس مع أسرهم، وتحدثنا في هذا الأمر، واتفقنا على برنامج نضالي من أجل إطلاق سراح ذويهم، وسيستمر كفاحنا ولن ندخر ما بجهدنا حتى يتم ذلك، فلا يمكن لا بمنطق السياسة ولا بمنطق الأخلاق فضلا عن منطق الشرف أن نقبل بالمساومة في هذا الموضوع. وفي ما يلي تفاصيل الحوار : كيف استقبلتم قرار العفو الملكي عنكم؟ كنا دائما مؤمنين أنه سيأتي يوم ويتم الاعتراف ببراءتنا، وبالرغم من كل الظلم الذي طالنا في هذا الملف، تبين والحمد لله، ولو بعد حين أن قرار اعتقالنا، كان قرارا خاطئا، وظالما، وبالتالي كان لابد أن يتم تصحيح هذا القرار بإطلاق سراحنا. بالطبع ومنذ البداية، لعبت فعاليات المجتمع المدني والحقوقي والسياسي ووسائل الإعلام دورا أساسيا ومهما في فضح هذه المكيدة، وواجهوها بكل ما يقتضي الأمر ولله الحمد، فقد أفرج عنا يوم الخميس 14 أبريل ,2011 في هاته الظروف التي تعرفها الأمة، وفي ظل هذا الحراك السياسي والاجتماعي، وفي ظل هذه النهضة الجديدة التي تعرفها هذه الأمة التي جعلها الله تعالى خير الأمم. في هذه الظروف بالضبط يفرج عنا، لكن كنا ننتظر أن يتخذ هؤلاء المسؤولون قرارا لتصحيح ما ارتكبوه من أخطاء وظلم على مجموعة من الأشخاص، فبهذا الإفراج المبتور شعرنا أن فرحتنا لم تكتمل، وبالعكس، فقد خرجنا من السجن تاركين وراءنا مجموعة من المعتقلين المظلومين لذلك تظل فرحتنا حزينة، هل تستطيعين إدراك هذه الفرحة الحزينة، إنها أصعب بكثير من الحزن، فأن تمنح شيء ا جميلا لكنه ناقص غير مكتمل يعني أنهم يفسدون علينا فرحتنا. كنا نتمنى أن يتخذ الحاكمون بهذا البلد قرارا تاريخيا وشجاعا يقطع نهائيا مع التاريخ الأسود الذي عشناه في الماضي، حتى يتسنى للمغرب فتح صفحة جديدة على منهجية سياسية جديدة، على منطق سياسي جديد. وكنت دائما أقولها وأكررها اليوم، أن للتاريخ منطق، ومن يريد الإصلاح والتغيير يجب أن يدخل في هذا التغيير بكامل قواه، ولا يمكن أن نمارس سياسة مزدوجة، رجل في الإصلاح والتغيير، ورجل أخرى خارج ذلك الإطار، لهذا كنا نتمنى أن تتخذ الدولة مجموعة من الإجراءات لتتجاوب مع منطق الأمة، ومنطق تاريخ اليوم، وذلك بالإقدام على خطوات وإجراءات بسيطة لا تتطلب من ميزانية الدولة أي شيء وأي التزامات، وذلك بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وإبعاد كل رموز الفساد والرجالات المتورطين في شتى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من مراكز القرار السياسي والمالي للبلد. ماذا سيكلف هذا الإجراء الدولة؟ لا شيء طبعا، فهذه إجراءات بسيطة ستجسد لمبدإ الثقة، والإصلاح والتغيير يستوجب اتخاذ مسار معين في حين أن الدولة مازالت لم تقطع مع المنهجية السياسية التقليدية، في التعاطي مع الشأن العام، مع قضاياه. نحن بالفعل كنا نعتبر أن المسألة مسألة وقت، وبأنه سيتم إطلاق سراحنا، والحمد لله اللحظة التاريخية تحققت، وكما يقول الله سبحانه وتعالى : ''لكل أجل كتاب''، ونحن مؤمنون، والله حين يريد يوفر الشروط الموضوعية وحتى الذاتية، لكي يتحقق النصر. قلتم إن فرحتكم كانت حزينة باستثناء باقي المعتقلين من العفو الملكي، وأنتم خارج أسوار السجن، كيف ستتعاملون مع تداعيات هذا الملف؟ هذا سؤال مهم وجيد، في الحقيقة تلك الفرحة الحزينة إذا جاز وصفها بهذا الوصف، من أولى أولوياتي، سأدافع عن قضية كل هؤلاء المعتقلين، وأتضامن معهم إلى حين الإفراج عنهم، فقد التقيت أول أمس مع أسرهم، وتحدثنا في هذا الأمر، واتفقنا على برنامج نضالي من أجل إطلاق سراح ذويهم، وسيستمر كفاحنا ولن ندخر ما بجهدنا حتى يتم ذلك، فلا يمكن لا بمنطق السياسة ولا بمنطق الأخلاق فضلا عن منطق الشرف أن نقبل بالمساومة في هذا الموضوع، الحاكمون يريدون أن يقولوا لنا اليوم أنهم يسيرون في اتجاه الإصلاح والتغيير، لكن أين نحن من هذا التغيير، فهذا الأخير له أساس، يجب أن ينخرطوا فيه، ولا حديث عن الإصلاح والتغيير دون تجسيد للثقة بشكل واضح، يجب على الدولة أن ترسل رسائل إيجابية وواضحة في هذا السياق، ونرفض أي رسائل إيجابية غير مكتملة، أو رسائل من شأنها أن تبدد مضمون التغيير وهو منطق أشدد على أنه يجب القطع معه، إذا أردنا أن يكون لنا موعد حقيقي مع التاريخ ، فالأمة اليوم على موعد مع التاريخ، الجهات الحاكمة اليوم على موعد مع التاريخ، القوى السياسية والمدنية والجمعوية والدعوية على موعد مع التاريخ، من اختار أن يكون في هذا الموعد سيكون داخل التاريخ، ومن اختار القطيعة مع هذا الموعد سترمي به الشعوب إلى مزبلة التاريخ. ما هو تقييمكم لطريقة تدبير هذا الملف، إعلاميا وحقوقيا ورسميا؟ يقول الله تعالى :ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، صدقيني، كنت على علم أنهم كانوا يخططون لشيء، ويكيدون لنا قبل ستة أشهر من الاعتقالات، إلا أنني لم أتصور أن يصل الأمر إلى تلك الحدود. كنت أتوقع أن الأمر لا يعدو كونه تأسيسا للمشهد السياسي، إلا أنهم خططوا لإدانتنا وتجريمنا بشكل ظالم، وللأسف جاؤوا ببضاعة فاسدة، لكن الرأي العام ومنذ بدايات الملف كذب بشكل قاطع هذه البضاعة الفاسدة، كذلك قامت قوى سياسية بمواجهة هذه المكيدة ضدنا، وواجهتها هيئة الدفاع التي نفتخر بها، وواجهتها الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية، وواجهناها نحن أيضا، ونحن بالزنازن هذه المكيدة بالصبر، والصمود، وقررنا عدم الاستسلام إلى أن تظهر الحقيقة. الدولة للأسف الشديد كانت بصدد ترتيب المشهد السياسي، في هذه المرحلة بالذات، كانوا بالفعل يهيؤون لذلك، إلا أن تلك المرحلة لم تنجح، خططوا في البداية لكي يتم دفع المغرب في اتجاه النموذج التونسي، وبطبيعة الحال يقتضي هذا الأمر تصفية بعض الجهود تمهيدا لقصف أجنحة بعض التيارات السياسية، وفعلا ساروا في هذا الاتجاه، حيث عشنا مشاهد درامية قبيل المرحلة التاريخية للسيد ''البوعزيزي'' ونسأل الله أن يتغمده برحمته الواسعة، وأن يرحم الله تعالى هذا الرجل الذي انتصر لعزة هذه الأمة ولكرامتها، وأطلب من الله تعالى أن يتقبله في عداد الشهداء، فبفضل هذا العمل الكبير الرائع الذي قام به، فقد كان صانعا لهذه النهضة الجديدة، لكن يد الله كانت تصنع التغيير في الخفاء، ربي كان في عليائه يصنع تاريخا جديدا لهذه الأمة، ويهيئ الأسباب والعوامل لانطلاق حياة جديدة في مسيرة جديدة فيها خير لهذه الأمة. إذن ظهرت الحقيقة، والدولة كانت مخطئة في حساباتها، وحاولت أن تصلح هذا الخطأ اليوم، إلا أن هذا الإصلاح لم يكن في مستوى تطلعاتنا. صدقيني، لازلت لا أعرف جوهر هذاالقرار، أطلق سراحنا لكن هل تم رد الاعتبار لنا، هل سيطلقون سراح باقي المعتقلين، أسئلة كثيرة جدا تفرض نفسها علينا، لذلك أقول نفس الجملة إن للتاريخ منطق، فإما أن نحترمه وإما أن تختار مكانا في غير قاطرة التاريخ. في هذا الإطار، ألا تفكرون في مطالبة الدولة برد الاعتبار لكم وجبر الضرر الذي لحق بكم وبذويكم؟ المسألة أكبر من هذا بكثير، نحن نعتبر العمل السياسي، عملا شريفا وعبره يمكن أن نقوم بأشياء كثيرة لهذا الوطن، وأومن أيضا بأن العمل السياسي كأي عمل في الحياة، يمكن أن يتعرض فيه المناضل أو الفاعل السياسي لحادثة، ولذلك أعتقد أن الاعتقال السياسي هو حادث شغل سياسي. دهستنا وزارة الداخلية، لكن الحمد لله نحن كنا ندافع عن المغاربة، كانت لدينا تجربة سياسية تمارس سياسة الحقيقة، تقول الحقيقة، وتقول ما تفعل وتفعل ما تقوله، كنا نرفض أن نكون مجرد حزب للموافقة، كما نريد أن نقدم نموذجا للمغاربة، حزب يعطي المكانة الأولى للأخلاق، فلا سياسة بدون أخلاق، نحن نؤدي إذن ثمن قناعاتنا وثمن هذه الجرأة في ضرب مخزنة العمل السياسي، لأن المخزن بالنسبة لي ليس أشخاصا، بل هو ثقافة تقوم من ضمن ما تقوم به على نظام التعليمات. هذه الثقافة بهذا الشكل، كنا نريد أن نقطع معها، قلنا بأن لا وطن بدون تعاقد، وبدون تشارك، لا ضرورة للتعامل مع المواطنين بمنطق التقسيط، ولا ضرورة للتعامل مع المواطنين على أساس أنهم غير ناضجين، فالوطن شراكة للعيش الكريم، شراكة في القرار، شراكة في الحياة الكريمة... وليس المواطن مواطنا ببطاقته الوطنية. وفي ما يتعلق بهذا الموضوع، الدولة كانت تعتقد أنها بقوى التخليق ستهيمن وتسيطر، لكن اليوم المعادلة تغيرت وانهار نموذج الحزب الحاكم، ومخزنة العمل السياسي، وسنناضل إلى جانب شعبنا أيا كان الثمن، هناك شيء آخر تعلمته في السجن، في مدرسة سيدنا يوسف عليه السلام، ''لكي يحترمك المستبدون عليك أن تكون مستعدا للتضحية إما بحريتك، وإما بحياتك''، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يقول احرص على الموت، توهب لك الحياة''، وإذا لم نكن حريصين على الحياة وعلى البذل والعطاء، والله لن تقوم لنا أمة، لماذا بقيت القضية الفلسطينية صامدة، لأن الشعب الفلسطيني الطيب قرر أن يعطي من دمه ومن حريته وروحه ومنفاه، ومن أجل العيش الكريم، نحن كنا مستعدين للتضحية بحريتنا، بجراحنا، بالإبعاد عن أرضنا وحتى بالزج بما في مكان ضيق كما في الزنازن، فهؤلاء المستبدون لا يحترموننا، وسيحتقروننا إذا لمسوا أننا غير مستعدين للتضحية، ولذلك أحمد ربي أن أودعني بالسجن لبضع سنوات، لكي أتعلم هذا الدرس وأستوعبه وأراه، فالحياة بدون رسالة لا معنى لها، وبالتالي فهذه الرسالة تحتاج إلى التضحية والفداء والعطاء. كان مقررا أن تشارك عوائل المعتقلين السياسيين بمن فيهم أسركم في المسيرة المزمع تنظيمها يوم 24 أبريل ,2011 هل ستعززون هذه المسيرة بمشاركتكم بها؟ كما أقول دائما، أنا أنتمي إلى مدرسة الوفاء، وانتمائي إلى هذه المدرسة، يجعلني بالضرورة في الخندق الأول مع هؤلاء الشباب، ومع كل المظلومين وكل هؤلاء الغيورين والمحبين لولادة مغرب جديد نعم سأحضر في هذه المسيرة، ولن أدخر أولادي وعائلتي وزوجتي، للحضور في هذه المسيرة، سأدعو الجميع للحضور في مسيرة التغيير وسنكون مع الشعب المغربي حتى يتم إقرار بلد بتطلعاتنا، بمطالب كنا نطالب بها منذ سنوات. اليوم هناك فرصة كبير، ألم تكن الأحزاب والقوى السياسية تطالب بنفس المطالب المرفوعة اليوم منذ سنوات؟ نحن في 1999 كنا قد طرحنا مطلب الملكية البرلمانية، وكان الطرح نفسه أحزاب أخرى، وطرحنا موضوع إصلاح القضاء ومواضيع أخرى هي في قاطرة مطالب اليوم، وقد خضت إضرابا عن الطعام لمدة 31 يوما ليس لكي يتم إطلاق سراحنا، بل كان ذلك الإضراب من أجل تدشين بداية حقيقة لمرحلة الإصلاح القضائي المعلن عنه. هناك قولة قديمة جدا ''من صلحت بدايته، صلحت نهايته''، البدايات محددة، وحينما نطلق بداية متعثرة أو مغشوشة فنحن نحكم عليها بالفشل والنهاية، لذلك لابد أن نترجم هذه الإرادة السياسية المنادية للإصلاح والتغيير إلى فعل وبدايات حقيقية. سأعود بكم إلى يومياتكم داخل السجن، كيف كنتم تمضون الوقت داخل تلك الأسوار؟ هناك منطقان للتعامل مع ابتلاء أو محنة السجن كما يريد البعض تسميتها، منطق يسير في اتجاه الغرق في التفاصيل، وجزئيات الملف، وهناك منطق آخر وهو ما اتجهت صوبه، هو منطق الجواب عن سؤال ماذا يريد الله سبحانه وتعالى، نحن مؤمنون بالله تعالى، وحين اعتقلت قلت مع نفسي ماذا يريد الله سبحانه وتعالى، الاعتقال هو حادث شغل سياسي، فالله سبحانه وتعالى من خلال الوقائع والابتلاءات يريد أن يعلمنا، يريد أن ينبهنا إلى شيء. في الحقيقة أنا دائما أجد راحتي ومتعتي في كتاب الله عز وجل، وعشت في السجن متعة القرآن الكريم وطعمه، وما اكتشفته هناك أن للقرآن الكريم طعم خاص داخل السجن، فحين أقرأ الآيات القرآنية في السجن، كنت أعيش مع كتاب الله لحظات طيبة، وكان لهذه اللحظات آثار كبيرة على حياتي، وأتمنى أن أنجح في إبلاغ جزء مما تعلمته بالمعتقل. وبالنسبة لي، وأنا داخل تلك الأسوار، كنت في ضيافة الله سبحانه وتعالى، هكذا نظرت إلى الموضوع، ولذلك لم تهزمني الزنزانة، فهذه الأخيرة آوتني لأجيب على سؤال جوهري ''كيف أرضي الله تعالى؟''، كان الوقت يمر بي بسرعة وفارقت تلك الجدران بالبكاء ليس رغبة مني للبقاء هناك، بل لأنني أسست علاقة خاصة مع الزنزانة، ولم أكن أعرف قبل ذاك الوقت أن الجماد له إحساس. عندما تتحول الزنزانة إلى فضاء لمراضاة الله، تكتشف أشياء كثيرة، ففي بداية رحلتي هناك توقفت كثيرا مع نفسي، هذا الإنسان الموجود في السجن كيف حاله مع الله سبحانه وتعالى، حاله مع مجتمعه، أسرته.. ، كنت أفكر وأنا هناك في كل تفاصيل حياتي، كيف أخدم أسرتي ومجتمعي، كيف أجعل كل جهودي تتجه لخدمة وطني وقضايا أمتي. كل مفردة من مفردات الحياة، كنت أحاول أن أجد لها جوابا، هل أخطأت؟، كيف كانت علاقتي مع زوجتي، مع أبنائي، مع زملائي ومحيطي المهني، مع محيطي السياسي، هل أسأت إلى أحد.. فتحت كل جوانب السلوك في حياتي، قلت إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالحسن، أو الإحسان إلى الجار، فكيف بالكاتبين الكريمين اللذين يسجلان علينا كل شيء، ونحن أمة مؤمنة. والله لم أشعر بالثلاث سنوات التي قضيتها هناك رغم طول المدة، تصوري، أنني لم أكن أتوفر على التلفزة، وحدث يوما أن أحد الموظفين بالسجن تساءل عن سبب عدم توفري على تلفاز، فقلت له لا أحتاج إليه، حينها انتابته حالة من الدهشة والذهول، وأسئلة استحيى من طرحها علي أنا الحبيس بين أربعة جدران وفي مساحة لا تتعدى ستة أمتار كيف أقضي وقتي، وماذا أفعل داخل هذه الزنزانة الصغيرة. كنت أعيش مع الله في زنزانتي تلك، كنت أحرص أن أقضي كل أوقاتي عن أسئلة مراضاة الله تعالى، وأحسب أن الله قد من علي ووفقتي. وبهذه المناسبة أود قول شيء آخر، قرأت لسلفنا الصالح ومن بعض الخيرين في موضوع الابتلاء، ووقفت عند عند كلام لابن القيم الجوزية عن شيخه ابن تيمية رحمهما الله، يقول فيها أن السجن منة من الله، وأن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، وكنت أحدث نفسي وأقول : يا رب كيف يكون السجن منة من الله تعالى وهو منع للحرية، هو ضد العطاء وضد الكرامة.. وسبحان الله وجدت الجواب في قوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام، قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وعرفت أن هؤلاء الأبطال الذين كانوا بالسجون كانوا يعيشون مع الله، وكانوا يدركون معنى أن تكون في خلوة مع الله، فالخلوة نوعان، إما اضطرارية أو اختيارية، والسجن خلوة اضطرارية. لذلك والله لو عشت حياتي كلها، لأتعلم ما تعلمته في هاته السنوات الثلات فل أتعلم بهذا القدر، لذلك قلت لوالدتي حين زارتني في السجن : والله يا أمي لو كنت أعلم أنني سأتعلم كل هذا الذي تعلمته بالسجن، لدعوت الله من زمن أن أدخل السجن؟ فعلا لم أكن قادرا على خلوة اختيارية، والله أراد لي أن أكون في خلوة اضطرارية لأتعلم وأستفيد وأنقي نفسي من أضرار هذه الدنيا الفانية، وأسأل الله إذا كنت في حاجة إلى خلوة اضطرارية أخرى أن ينعمني بها. تحكي شهادات من داخل السجن، أن كل من اقترب منك يحبك... كيف كانت علاقتك مع كل من سمحت لك الفرصة لملاقاته داخل تلك الأسوار؟ كنت في السجن مواطنا كباقي المواطنين، مواطنا عاديا بسيطا، اخترت هذا الاختيار وسأظل عليه، رأى رسول ملك الروم عمر بن الخطاب رضي الله عنه نائمًا تحت شجرة خارج المدينة فقال له : ''عدلت فأمنت فنمت يا عمر ''، فالناس يحبونك حين تكون معهم، تعيش معهم، تكون إلى جانبهم، تشعر بهم، لا تتكبر عليهم، تضع نفسك في مكانهم لتحس بظروفهم. كنت ألتقي مع سجناء الحق العام، والله كنت أعرف طيبة نفوسهم، لو وجدوا ظروفا أخرى لكانوا من خيرة هذا البلد وفضلائه، ولكن الليل والنهار اضطرهم ليكونوا قطاع طرق، حتى من يتعاطون للمخدرت في الأصل هم طيبون، لكن الظروف التي عاشوها جعلت منهم أشخاصا من تلك الطينة. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعيش بين الناس، وكل الرسل والأنبياء كانوا كذلك، لذلك عشت أشياء جميلة مع هؤلاء، واقتسمت مع بعضهم لقمة العيش، كانوا يحبوننا ويقدروننا، وينظرون لنا نظرة عزة، ويسمونا ب''الشرفة''، حتى حين نخرج للفسحة يطلون من نوافذ زنازينهم ويدعون معنا بالصبر والقوة. والله لم أكن أتصور الحب الذي عشته هناك، ولا الحب الذي لاقيته بعد خروجي من أناس لم يسبق لي معرفة بهم، فمنذ خرجت، ووقتي كله سلام وعناق، وأحمد ربي على هذه النعمة. بعد ثلاث سنوات من الغياب..كيف وجدت المغرب؟ للأسف الشديد، نحن في حاجة ماسة إلى بداية صحيحة، أنا ضد البدايات المغشوشة، وأقول في هذا السياق للحاكمين : يجب أن ننطلق انطلاقة صحيحة، البداية الصحيحة هي السبيل الوحيد نحو النهايات الإيجابية المشرفة. لكن لا يعني هذا أن لا شيء قد تغير في المغرب، لكي لا أكون عدميا، لكن هذا الذي حصل ليس كافيا، لكنه لا يرقى إلى انتظاراتنا كحد أدنى، بالأمس كانت القوى السياسية تطالب بالإصلاح دون أي التفاتة إليها، لكننا اليوم نعيش ضغطا شعبيا من أجل الإصلاح، والملاحظ أن الدولة تتعاطى مع تلك الرغبات، لكن تعاطيها صادق؟ لا نستطيع الدخول في النوايا، لكن منطق التاريخ اليوم حينما يستجيبون لبعض مظالم الشعب المغربي، فتلك خطوة مهمة، لكن لماذا اليوم بالضبط؟ لا يمكن أن نتعامل مع الحراك السياسي والاجتماعي بمنطق الظرفية، أو بمنطق رجال المطافئ، لذلك واجه شباب 20 فبراير هذا التعاطي بشعار ''واخا تعيا متطفي غ تشعل غ تشعل..''. نحن نريد أن تنهج الدولة منطق الوقاية من الفساد والاستبداد والتخلف، وإجراءات الوقاية من ذلك لها مبتدأ وهي البداية الصحيحة بالإقدام على خطوة تاريخية حقيقية، حينها سيصدق الشعب المغربي وكل القوى الحية التي ناضلت وأدت الثن من أجل التغيير سواء القوى الديمقراطية اليسارية أو الإسلامية.لازلنا اليوم ننتظر إجراءات شجاعة، حددتها في الحد الأدنى بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، المصالحة مع كل القوى الموجودة بالبلد، وإبعاد كل المفسدين والمتورطين في الانتهاكات الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية من مراكز القرار السياسي والأمني. ماذا اكتشفت في أسرتك الصغيرة وأنت في المعتقل؟ في الحقيقة، أعتذر لأبنائي، وزوجتي ولوالدتي وإخوتي وكل عائلتي.. فبفعل انشغالاتي الكثيرة، لم أكن أجد الوقت لهم، تصوري أن زوجتي وأبنائي كانوا يطلبون موعدا للقائهم، فكنت أقول لهم أنا لا أجد موعدا مع نفسي، وفي الحقيقة اختارني ربي في ضيافته في السجن لكي أرى هؤلاء الطيبين، زوجتي وأبنائي وأسرتي، كيف كانوا كبارا، وكيف لم تغمض لهم عين بدوني.. ولم يتقفوا للحظة ليبينوا عن معدنهم الأصيل، وكم فرحت على نعمة الله الذي وهبني هذه الأسرة الطيبة... هؤلاء وأصدقائي ومعارفي وزملائي.... كانوا سندي واكتشفت معدنهم الطيب.حاورته : سناء كريم