لا يترك غلاب فرصة تمر، سواء أمام النواب والمستشارين البرلمانيين أو سواء في الندوات وفي كل تصريحاته الصحفية، دون أن يتحدث بفخر واعتزاز عن حصيلة مدونة السير على الطرق، ولا يترك فرصة تمر دون الحديث عن انخفاض الحوادث والضحايا بنسبة كبيرة، ولا يترك فرصة حتى يتحدث عن هذا الفتح العظيم في تاريخ التشريع المغربي وكأني به يقول "يكفيني في حياتي المهنية كلها هذه المدونة ولتأت الموت بعدها"، وفي تصور المهتمين أن المدونة فعلا هي التي ستقتل غلاب سياسيا لأنه لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة السياسية بعد أن ادخل البلد في كارثة لا أول ولا آخر لها وكبد خزينة الدولة ملايير الدراهم التي ضاعت نتيجة الإضرابات التي تسبب فيها. يتحدث غلاب بزهو لا نظير له عن هذا الإنجاز التاريخي، وهو إنجاز تاريخي إذا فهمنا التاريخ بالمقلوب وأن كل من استطاع إحداث أزمة في البلد يصنع التاريخ. يتحدث غلاب عن قانون إنقاذ المغاربة من حرب الطرق. وكاد غلاب ليخرجنا من حرب الطرق حتى أدخلنا في حرب لا نهاية لها. لا يمكن أن يتفادى غلاب الضربات الموجهة إليه من كل الفاعلين، من المهنيين والسائقين والمنتخبين ورؤساء الجماعات المعزولة والبرلمانيين، ولا يمكن أن يكون كل هؤلاء على خطأ وغلاب وحده على صواب. ولنفترض أنهم على خطأ وهو فرض محال، فإن بنية الطرقات تبين مدى اهتمام غلاب بقضية النقل والسير الطرقي والتقليل من حوادث السير. فطرقات غلاب تنهار عند أول قطرة ماء والقناطير هشة ومغشوشة ومنها ما يتساقط دون أي فاعل فبالأحرى لو سقطت الأمطار التي تعرفها بعض البلدان. ماذا يقول غلاب عن الحفر التي تتسبب في الحوادث أكثر من أي عامل آخر؟ وماذا يقول غلاب عن الطرقات المقطوعة بسبب قطرات ماء والتي تصبح غير قادرة على تحمل السير الطرقي إلى درجة أن رؤساء جماعات قروية قرروا تنظيم وقفة احتجاجية ضده؟ وماذا يقول غلاب عن قرى معزولة يموت أبناؤها لأنه لا يصلهم المأكل والملبس والدواء في الوقت المناسب؟ لماذا لا يتحدث غلاب عن تكبيد الخزينة خسائر مالية فادحة في عملية إشهار دون المستوى لا يمكن أن تقنع أحدا؟ لماذا لا يفصح غلاب عن الميزانية التي ضاعت في الوصلات الإشهارية وفي الورق والطباعة وعمليات التوزيع؟ لماذا لا يوضح غلاب طبيعة المؤسسات التي استفادت من هذه العملية طلبا للشفافية والنزاهة؟ كان حريا بكريم غلاب أن يتفادى "صداع الرأس" وأن يعفي الخزينة من الخسائر المالية. كان عليه أن يجيب بوضوح عن خلفيات المدونة. كان عليه أن يقول لنا كيف بامكانه تطبيق مدونة موضوعة لبلاد كل بنياتها الطرقية سليمة وأن الحفر ليست عاملا في حوادث السير. كيف سيطبق المدونة وهو لا يتوفر على رادارات ولا على آليات قياس درجة الكحول في جسم السائق. وأهم من كل ذلك إذا كان غلاب يعتقد أن مدونته استطاعت تخفيض حوادث السير إلى حوالي النصف فلماذا يحتفظ باللجنة الدائمة للوقاية من حوادث السير أم أنها الصندوق الأسود للوزارة؟