كنا قد شبهنا الحكومتين السالفتين بحكومة "الأمويين" وحكومة "العبّاسيين"، وتنبأنا بأن الحكومة القادمة، سوف تكون حكومة "الفاطميين"، كما يسميهم الجهلة، على حد تعبير "السيوطي" في كتابه : "تاريخ الخلفاء"؛ لأنهم لا علاقة لهم بفاطمة رضي الله عنها، ولا بالدين الذي تمسحوا به، للوصول إلى الحكم، واسمهم الحقيقي "العُبيديون" نسبة إلى "عبيد الله"، وقد دخل المغرب، وادعى أنه علوي، ولم يعرفه أحد من علماء النسب؛ وقد كانت سياستهم، وسلوكاتهم، مخالفة للإسلام.. لقد علق المغاربة آمالا على حكومة "الأمويين" منذ سنة 1997، من خلال ما سُمّي آنذاك بحكومة التناوب؛ لكنّ آمال المغاربة خابت، حيث كثرت المحاكمات لأتفه الأسباب، وبيعت في المزاد قطاعات ومنشآت الدولة، عبر ما أسموه بالخوصصة، وقُرِّب الأحباب، ونُصِّب الأصحاب، واستفاد بعضهم مما سمّي بالمغادرة الطوعية، فانخفض مستوى الأداء في التعليم، والإدارة، وهلم جرا؛ حتى لإنَّ الشاعر في زمانهم ترك القلم، والقرطاس، واهتم بالخيول، وسروجها ومراعيها؛ والقصة معلومة للجميع.. بعدها جاء عصر الحكومة "العباسية"، وكانت مشكَّلة من خليط غير متجانس من (عرب، وتُرك، وفرْس)؛ وبعد حين، لاحظ المغاربة أنه لا فرق بين "الأمويين والعباسيين"، لا في التدبير، ولا في التسيير، ولا في أوجه التبذير لأموال الأمة، ولا شيء تحقق مما عاهدوا الشعب عليه، اللهم ما كان من سلخ الجلود بالسياط أمام البرلمان، وتكسير العظام بدعوى الحفاظ على الأمن والنظام؛ ثم جاء مسك الختام، ويتمثل في (مدونة السير) التي ما زال يعاني منها البسطاء، ممن لا "بيسْطون" لهم؛ وضاق الناس ذرعا بسياسة "العباسيين"، وبدأوا يستعجلون عن حسن نية، وصول "الفاطميين" الذين يوظفون الدين، وينتقدون "العباسيين"، فبايعهم الناس يوم الاقتراع، بسبب أساليب المراودة والخداع، وأزيحَ "العباسيون"، وفاز الملتحون، وأنشد (ابن هانئ) : تقول بنو العباس هل فُتحت مصر؟ ❊ قلْ لبني العباس قُضي الأمر.. وهلل الناس "للفاطميين الجدد" في بلادنا، نظرا لوعودهم، وعهودهم، وورعهم، وتقواهم، وانتسابهم لآل البيت، وحاشا ذلك، ثم ما شأن آل البيت، وما شأن العبيديين الكذبة؟ لقد قلد الفاطميون العباسيين في البذخ، والتبذير، بل زادوا على ذلك المظلة المذهّبة، والقباب المزخرفة، بعدما أظهروا في بداية حكمهم، نوعا من التقشف، والتواضع، وركوب "الكانْغُو" بدل السيارات الفخمة؛ ثم اتخذوا خدما، كانوا يسمّونهم، "النَّمل" يسبّون، ويضربون كل من يعارض حُكم "الفاطميين" مثل "جريدة النهار المغربية"؛ وكان هناك وزير مكلف بهذا النشاط اسمه : "الحسن بن علي"، وهو وزير "المستَرشِد" كما هو اليوم الوزير "الرّميد" مثلا.. اُنظر (مروج الذهب) صفحة : 365؛ جزء : 02 للمسعودي. ثم ماذا؟ لقد طبّقوا كل ما حاربوه، وذمّوه بالأمس، بحيث رحّبوا باليهودي، عدوّ الإسلام والمسلمين، وطلبوا منه كتابة (صحيح) يحل مكان (صحيح البخاري) وكان اسم هذا اليهودي : (يعقوب بن كلس) على عهد (العزيز بالله الفاطمي العبيدي).. فالصورة تتكرر دائما، فقد رأيتَ ما فعله (آل العدالة والتنمية) يوم جاءت "سيبي ليبني" الوزيرة السابقة، لحضور مؤتمر دولي بطنجة، حيث تظاهروا، ونددوا، ورفعوا اللافتات، حتى منتصف الليل؛ وها هم اليوم، يستضيفون "عوفير برانشتاين"، مستشار "إسحاق رابين"، مكسّر عظام أطفال الانتفاضة في فلسطين؛ و"عوفير" لم يأت لمؤتمر دولي، بل جاء كضيف معزّز ومكرّم إلى (الحوْزة البنكيرانية).. كان "العبيْديون" ينظّمون ولائم موسمية للفقراء، لا تغنيهم شيئا عن الفقر، ولكنّها تلمّع صورة المتخوّضين في مال الله بغير حق؛ وكانوا يوزّعون الصدقات مثل (250 درهما) التي ينوي هؤلاء توزيعها على ذوي الخصاصة؛ ولكن تُهدر أموال لتلبية حاجات الوزراء، والحكّام، وتوظّف وسائل الدولة، مثل الخيول، والإبل، والبغال، في الأعراس أو ختان ابن الأعيان في مصر آنذاك؛ وهو ما يحصل اليوم في مؤتمر الحزب، حيث تُوظف كل وسائل الدولة والجماعات المحلية.. لقد عجّل (صلاح الدين الأيوبي) بنهايتهم؛ وفي أحزابنا هناك (صلاح الدين) ولكن هل هو "أيّوبي"؟محمد فارس