جددت الحكومة الفرنسية إرادتها في مكافحة الدين المتطرف في أعقاب الهجمات الإرهابية التي هزت باريس في 13 نونبر الأخير، والمرتكبة من طرف فرنسيين وبتواطؤ منهم. وعْبر المجلس الفرنسي للدين الإسلامي اقترح "بيرنار كازا نوف" وزير الداخلية الفرنسي في الرابع والعشرين من نفس الشهر وصفة جديدة لهوية الأئمة، يختزلها في منحهم شهادة "اختيارية". وصفة يمكن اعتبارها امتدادا للإجراءات المتخذة بُعيد الهجمات الإرهابية السابقة التي هزت باريس كذلك في يناير من السنة الجارية، أي تفجيرات "شارلي إيبدو" و"كاشير". لكن وعلى الرغم من قواعد "العلمانية"، تقول الزميلة "لوموند"، فإن الدولة تبقى محدودة المسؤولية في تسليم شهادات لوعّاظ ينهلون من مشارب معرفية مختلفة، أي أنها محدودة بأحكام "رمزية" لا تسعفها لا في تطبيق "الرقابة " إلا تحت رحمة الهيئات الممثلة للمسلمين في فرنسا. "لوموند" وفي هذا السياق، طرحت عشرة أسئلة يمكن بواسطتها التعرف على مفهوم الإمامة وهوية الأئمة والإطار الذي يشتغلون فيه في فرنسا وفق تصورات مؤسسات الجمهورية الخامسة، خصوصا بعد الضربات الإرهابية التي توالت على باريس بين يناير ونونبر من السنة التي نوشك على نهايتها. من هو الإمام؟ فالإمام هو الذي "يتزعم" إقامة الصلاة، وإليه تسند الكثير من المهام والمسؤوليات أولاها مسؤولية "قيادة" الصلوات اليومية وثانيتها "تأمين" خطبة صلاة الجمعة، وثالثتها الإجابة عن المساءلات الروحية للمصلين. فمسجد واحد يمكن أن يجمع بين عدد من الأئمة، كما يمكن لإمام واحد أن يتعاون مع أماكن مختلفة للتدين. فالإمام إذن ليس مسؤولا عن المسجد، ولا يمكنه أن يكون مطابقا للكاهن المسيحي، ولكنه يقترب بعض الشيء من القس البروتستاني. الأئمة، والحالة هاته، في غالب الأحيان متطوعون ويمارسون أعمالا أخرى خارج المساجد في حين إن المساجد تُسيّرعموما من طرف جمعيات ممثلة بدورها برئيس لكل منها. كيف يتم تعيينه؟ عادة ما يُقْدم المسؤول عن جمعية للمسلمين على تعيين إمام أو أئمة. وعادة ما يكون هذا التعيين مرتبطا بالمرجعيات المعرفية للإمام المعيَّن، بما يعني وجوب المعرفة التامة بالنصوص المقدسة. ولا يرتبط التعيين لا بمعدل السن ولا بالحصول على شهادة. فالمرأة بدورها من حقها المطالبة بحق الإمامة، لكن شريطة ألا تؤم الناس أثناء الصلاة إلا إذا كانت أمام مجموعة من النساء. فغياب قانون معترف به يضع الأئمة في وضعية محفوفة بالمخاطر مع مسؤولي المساجد، كما يذهب إلى ذلك بيرنارد غودار المتخصص في الإسلام، العضو السابق في مكتب الديانات بوزارة الداخلية. لقد دعا هذا الأخير إلى خلق علاقة واضحة وموحدة بين السلطة التعليمية للمعتقد (اللاهوت) وإداريي المساجد، وهو ما يعني خلق "إمامة" بمعنى هيئة معترف بها من طرف الأئمة، كما هو الشأن بالنسبة للأحبار الذين يجتمعون تحت السلطة المعنوية لكبير أحبار فرنسا، يقول بيرنارد غودار. 3 - بالنسبة للأئمة المقبلين من الخارج؟ بعض الأئمة يتم بعثهم من طرف الدول الأجنبية وخصوصا من تركيا والجزائر وبدرجة أقل من المغرب، وهم ما يمكن نعتهم بالأئمة "المتفرغين" أو "المنفصلين". فيونيو الأخير كان موعدا شاهدا على تأكيد بيرنار كازانوف للدول المعنية ضرورة فرض تكوينِِ ميداني ، مدته عام بالتمام والكمال، يستفيد فيه الأئمة المقبلون على الممارسة بفرنسا من مفاهيم العلمانية، وهو ما أذعنت له السلطات الجزائرية مطبقة المشروع على أئمتها "المتفرغين". 4 - ومن هم رجال الدين في السجون ومن يسيرهم؟ رجال الدين المسلمون في السجون الذين يمارسون "القيادة" هم مجرد متطوعين يعينهم المجلس الفرنسي للدين الإسلامي لكن بتوافق مع الإدارة السجنية التي من الواجب عليها التحقق منهم ومن توفرهم على مستوى معين من اللغة الفرنسية. 5 - ما هي معالم التكوين المتاحة؟ ليس هناك من تكوين إجباري لكي تصبح إماما، فعروض التكوين ضعيفة. في فرنسا ،المساجد أو الجمعيات الدينية تلقن مفاهيم الدين الإسلامي الموجهة أصلا إلى الأطفال في وقت تعرض دروس متقدمة في هذا الباب في إطار التعليم العالي من طرف بعض المعاهد العليا من قبيل معهد الغزالي لمسجد باريس الكبير والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في سان دوني المعترف به من طرف أكاديمية كريتاي ثم معهد "شاطو شينون" في "نييفر".. لكن بعض المسلمين يختارون متابعة مناهج دراسية بالخارج في جامعات معروفة كما هو الحال بالنسبة للأزهر بالقاهرة أو الزيتونة في تونس، في وقت يتابع فيه بعض الأئمة مناهج دراسية جامعية لا علاقة لها بالإمامة لكنها تحمل تنويرا اجتماعيا وتاريخيا وثقافيا حول توطد الدين في الجمهورية الفرنسية. 6 - ما هي تدخلات الدولة بالنسبة للإسلام؟ إن قانون 1905 الذي يحدد الفصل بين الكنيسة والدولة يمنع هذه الأخيرة التدخل في أية منظمة للديانة كما يمنعها من أن تحدد أهدافها الإيديولوجية، فالدولة تتدخل إذن عن طريق هيئاتها التمثيلية. 7 - ما هي المؤسسات التمثيلية للمسلمين في فرنسا؟ هي ليست بالسلطات الدينية، لكنها تبقى قبل كل شيء "ابتكارا" سياسيا للربط بين حكومة لا يمكنها التدخل في المسائل الدينية وبين أقلية ليس لها، جوهريا، من يمثلها، ما دام الإسلام السني هو السائد في فرنسا ولا يُنتظم حول رجل دين مقارَنة بذلك الذي يُنتظم حوله في الكنيسة الكاثوليكية. في 1990 كان بيير جوكس فعّل "مجلس الانعكاسات حول الإسلام بفرنسا" وفي 2003 أسس "نيكولا ساركوزي" المجلس الفرنسي للدين الإسلامي بينما أطلق بيرنارد كازا نوف في مارس 2015 فكرة ما يعرف ب"هيئة الحوار" التي اجتمعت لأول مرة في 15 يونيو الأخير وجمعت ما يقارب 150 ممثلا من فيدرالية المساجد والوعاظ والفاعلين الجمعويين. وقد تم تعريفها من طرف الوزارة على أنها "آلية للاستشارة المنتظمة" للمسلمين في ما يخص المسائل التي تدخل في دينهم وتتمّم تدخلات المجلس الفرنسي للدين الإسلامي. 8- ما الذي تغير منذ يناير 2015؟ بعد الضربات الإرهابية لكل من "شارلي إيبدو" وكاشير"، ومن دون أن يسود الخلط بين دين الإسلام والفكر الإسلامي أو بين الدين والتطرف، أكدت الحكومة على أهمية "إصلاح إسلام فرنسا" عن طريق محورين هما تمثيلية الإسلام وتكوين الأئمة. ف"هيئة الحوار" التي تم خلقها في يونيو، يفترض فيها أن تجتمع مرتين في السنة على الأقل، فيما دراسة حول الإسلام بفرنسا تمت إحالتها على جامعة "ستراسبورغ" لتمكينها من تعديد الحقائق المختلفة. أما فيما يخص تكوين الأئمة، فإن عروض التكوين الجامعية حول العلمانية واصلت ارتفاعها حيث إن إحدى عشرة جامعة منحت شهادات جامعية مقابل ست فقط عند بداية السنة. 9 - "إهداء" شهادات للأئمة ماذا يعني؟ إن مشروع " تخليص" الأئمة الذي دعا إليه أنور كبيبش ذو الأصول المغربية ورئيس المجلس الفرنسي للدين الإسلامي وقيدوم مسجد باريس الكبير بعد اجتماع له مع كازا نوف وزير الداخلية الفرنسي، "يتوقع التحقق من المراجع المعرفية والدينية للأئمة كما يتوقع الانخراط في قيم الجمهورية الفرنسية وبالالتزام بتوقيع "وثيقة الإمام" التي ما تزال في طريق الإنجاز. هذا التحقق سيتم المصادقة عليه من طرف المجلس الفرنسي للدين الإسلامي الذي يعود له الحق وحده في "توظيف إمام ما، كما يعود له الحق في سحب الثقة من هذا الإمام واضعا المساجد أمام المسؤوليات الملقاة على عاتقها" كما يؤكد على ذلك أنور كبيبش. وعلى الرغم من أن بيرنارد غودار يشك في قدرة المجلس الفرنسي للدين الإسلامي على منح صفة إمام، ما دام هو نفسه لا يتمتع لحد الآن بصفة السلطة الدينية. لقد أكد أنور كبيبش على إحداث مجلس ديني مكلف بإيجاد خطاب بديل. 10 - هل يمكّن إصلاح إطار الإسلام في فرنسا من محاربة التطرف؟ بعد لقائه بأنور كبيبش في الرابع والعشرين من نونبر الأخير، أكد وزير الداخلية الفرنسي على "إرادة الحكومة الفرنسية على تشديد الخناق على وُعّاظ الكراهية" بوضعهم خارج دائرة إلحاق الضرر. فمضاعفة البحث والتحري بالأوساط السلفية لا يمكنها أن تنسينا أن آليات تلقين هذا المد الخطير يبقى أكبر تعقيدا، حيث إن مسجد لونيل بالقرب من مونبوليي، حسب بيرنارد غودار يبقى واحدا من الأماكن الرمزية في هذا الباب، بل إنه مكان لاحتضان الجهاديين على الرغم من أنه مسجد ليس سلفيا وأن إمامه لا يروّج للخطاب الحربي حسب غودار. فعوامل تلقين السلفية يمكن التقصي بصددها خارج المنظومة الدينية، إذ حسب المحلل السياسي أوليفيي روي،فإن الإسلام ليس إلا مطية أو تبريرا يصب في مصلحة عنف الجهاديين الفرنسيين، فالإرهابيون ليسوا تعبيرا عن تطرف الأمة الإسلامية، لكنهم يعكسون ثورة لتعاقب الأجيال المؤثثة لها، تستهدف فئة معينة من الشباب، يجزم أوليفيي روي.