نجح المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أخيرا، يوم الأحد الماضي، في الاتفاق على رئيس جديد له بعد خلافات استمرت أياما بسبب اعتراض المغاربة المنضوين في إطار «تجمع مسلمي فرنسا» على المرشح الجزائري شمس الدين حافظ، المقرب من جبهة البوليساريو، بسبب اتهامه بالانحياز إلى الأطروحة الانفصالية في نزاع الصحراء. وحصل الجزائري دليل بوبكر عميد مسجد باريس الكبير على أغلبية أصوات الأعضاء في مجلس إدارة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ليعود مجددا إلى مباشرة هذه المهمة خلفا للمغربي محمد موساوي، الذي رفض ترشيح نفسه لولاية ثانية على رأس المجلس كما يسمح بذلك قانونه الداخلي، وقد أسندت إلى موساوي مهمة جديدة ترتبط بمخطط الإصلاحات التي تريد السلطات الفرنسية إدخالها على نمط تسيير الشأن الديني المتعلق بالمسلمين في فرنسا، وهي التفكير في مشروع يهم إعادة تكوين وتأطير المشرفين على المجال الديني للمسلمين كالأئمة والخطباء ووضعيتهم القانونية داخل البلاد. وكان دليل بوبكر، البالغ من العمر 72 عاما، قد تولى مسؤولية تسيير المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في الفترة ما بين 2003 و2008، غير أنه سيتولى مهمته هذه لمدة عامين فقط، تمتد من 30 يونيو 2013 إلى 30 يونيو 2015، وفق الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين مختلف الهيئات المكونة للمجلس في الأيام الماضية، تحقيقا لما سماه المجلس «القيادة الدائرية»، وهكذا سيخلف بوبكر على رأس المجلس بعد عامين المغربي أنور كبيبش من تجمع مسلمي فرنسا لمدة عامين، على أن يخلفه في 30 يونيو 2017 التركي أحمد أوغراس، من مجلس المسلمين الأتراك في فرنسا، إلى 30 يونيو 2019. وجاء هذا التقسيم الذي يمتد ست سنوات مقسمة إلى ثلاث مراحل بهدف الحفاظ على توازن الحساسيات المختلفة داخل المجلس والحيلولة دون حدوث انقسامات قد تؤثر على طريقة تمثيلية المسلمين في فرنسا، خاصة بعدما أظهرت الخلافات الأخيرة حول ترشيح جزائري مقرب من جبهة البوليساريو أن وحدة مكونات المجلس يمكن أن تنهار لأي سبب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالخلاف بين المغاربة والجزائريين، الذين يشكلون أكبر الجاليات المتواجدة هناك وأكثر الفئات حضورا داخل المجلس. وقد أثارت المشكلات التي برزت قبل أيام داخل المجلس قلق السلطات الفرنسية من تنامي الأزمة بين ممثلي الجاليات الإسلامية، مما دفع وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس إلى تولي هذا الملف شخصيا والبحث عن سبل للتفاهم بين الأطراف المتنازعة. وكشفت مصادر إعلامية فرنسية أنه تم الاتفاق على تشكيلة لمكتب المجلس لمراعاة التوازنات، تتكون بالإضافة إلى دليل بوبكر من كل من شمس الدين حافظ، وأنور كبيبش وأحمد أوغراس نائبين للرئيس، وتوفيق السبتي كاتبا عاما، وعبد الله الزكري مسؤولا ماليا لدى الرئاسة. وجرت الانتخابات في أجواء انقسام بين مسلمي فرنسا، إذ سبق أن أعلن «الاتحاد الفرنسي للمنظمات الإسلامية»، وهو تنظيم مقرب من الإخوان المسلمين، انسحابه في وقت سابق من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية احتجاجا على ما يعتبره نقصا في تمثيليته، وقام بتنظيم مؤتمره واختيار رئيس له قبل حوالي أسبوع من إجراء الانتخابات داخل المجلس الفرنسي. كما قام عميد المسجد الكبير في مدينة ليون كامل قبطان بتأسيس منظمة جديدة للإسلام في فرنسا تحمل اسم «مساجد ومسلمون متضامنون» بسبب غياب ما اعتبره الحس الديمقراطي في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. ويقدر عدد المسلمين في فرنسا بنحو خمسة ملايين، غالبيتهم من البلدان المغاربية وخاصة من المغرب والجزائر، ويبلغ عدد المساجد نحو 2200 مسجد في مختلف مدن فرنسا، وهو ما يعزز الحضور القوي للإسلام ويدفع الحكومة الفرنسية إلى الحرص على تنظيم المسلمين بهدف المزيد من الضبط وضمان وحدة الخطاب الديني وعدم الانزلاق. وأطلقت السلطات الفرنسية مشاورات مع ممثلي الجاليات المسلمة لإنشاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عام 1999 بمبادرة من وزير الداخلية آنذاك جان بيير شوفنمان، وفي عام 2003 أنشئ المجلس الذي لقي دعما من وزير الداخلية وقتها نيكولا ساركوزي. وتتحدد مهمة المجلس في ربط العلاقات مع السلطات الفرنسية فيما يتعلق ببناء المساجد والذبيحة الحلال، وتكوين وتأهيل الأئمة والخطباء، وتوفير التكوين للسجناء المسلمين في المعتقلات الفرنسية وفي الجيش الفرنسي، كما يتكلف بالتنسيق فيما يتعلق بتوحيد مواعيد الأعياد الدينية بالنسبة للمسلمين، بما فيها شهر رمضان.