سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء    الأمن يحبط عملية بيع حيوانات وزواحف من بينها 13 أفعى من نوع كوبرا في الناظور ومراكش    العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط        تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. وفد من القوات المسلحة الملكية يزور حاملة الطائرات الأمريكية بساحل الحسيمة    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث المادي:قصرآسا نمودجا


تقديم
إن لكل أمة تراث،يعتبر عنوان شخصيتها الوطنية ويعبر عن قدرتها العقلية 0ويحدد مدى عبقريتها ويكشف عن قوة إرادتها ويبرز طابعها القومي الأصيل في مجال الحضارة 0والمغرب كغيره من الأقطار يعتبر من أهم الأمم التي حازت تاريخا و تراثا مهما نظرا لتعاقب فترات تاريخية كانت تعرف خلالها تغيرات على عدة مجالات و لعل أبرز المناطق التي شكلت بؤرة رئيسة في هذا التراث ،المناطق الجنوبية التي كانت مركزا حيويا في جميع الفترات التاريخية المتعاقبة نخص بالذكر منطقة أسا التي تمثل نموذج المخزون التراثي للأقاليم الجنوبية وذلك لما تحتويه من معطيات تاريخية عريقة لسكانها مثل قصر أسا 0فماهو موقعه ؟ وماهي مكوناته؟ وماهي مميزات البناء وطرقه ؟
الموقع الجغرافي للقصر
لتحديد موقع القصر لابد من إعطاء تعريف له وهو مجموعة من البيوت المتراصة جنبا إلى جنب يحيط به سور كان يقيها من نهاب الصحراء ويحميها من الرياح الرملية.
وعادة ما تكون القصور مشيدة في أمكان عالية كالتلال المجاورة للمجاري المائية ، يقصد بها أيضا المساكين الحصينة التي بنيت في المناطق القريبة من الصحراء إلى أن الاستعمال الشائع حاليا قد وسع من مفهوم القصور والقصبات وسارت تطلق على غالبية الهندسة المعمارية في جنوب المغرب والتي تندرج تحتها كل البنيات التي يتواجد فيها عنصر من عناصر التحصين كالقرى والمنازل المسورة ومخازن الغلال المتواجدة على شكل قلاع والبنايات الدينية كالمساجد والزوايا وغير ذلك من المرافق ، ولعل أهم عامل يتحكم في تشييد القصور هو عامل المناخ وخصوبة الأرض لضمان الاستقرار ، ينظاف إلى هذا عامل أخر مهم وهو الرغبة في الأمن والطمأنينة ، فالقصر في غالب الأحيان هو كيان واحد لا يمكن تجزيئه على اعتبار أن أهل القصر يعيشون حياة أمنة داخل هذا الحصن المحصن بسور عال والذي هدفه الوحيد تكتل أهل القصر وتوحدهم ضد الأخطار التي تعتري حياتهم
أ. أسوار و أبراج قصر أسا :
يضم قصر أسا مجموعة من الأبراج يبلغ عددها سبعة ، رغم أن بعضها اندثر مع الزمن إلا أنها لازالت راسخة في الذاكرة الجماعية لساكنة قصر أسا ، و لعل أهم قاسم مشترك بين هذه الأبراج هو شكلها الحالي باستثناء برج أحشاش و كون معظمها تتخللها منزلقات من الأحجار الكبيرة المختلفة الأشكال و الملساء مثل برج " ن بزير" ، برج "ن باها" ، برج " ن ايت اوحايك " ، و بصفة عامة فأبراج القصر و الموجودة أساسا في القسم الشمالي و المتميز بكونه مشيد على أعلى تلة يصل ارتفاعها إلى حوالي 200 متر ، و هو ما يفسر طريقة البناء الحجري الذي اكسبه جمالية طبيعية ،و فيما يلي جرد لأهم تلك الأبراج :
- برج اند بزيز
- برج أحشاش
- برج اند عبيد الله
- برج نابت حانت
- برج اند باها
- برج اند بحمان
- برج تنضو حانت
أما الأسوار و كما ذكرنا سالفا لا يتعدى سورا واحدا يحيط بالجهة الشمالية للقصر ( اداومليل) حيث يمتد من برج أحشاش وصولا إلى مسجد " اداومليل " ، و هو بمثابة الحصن الحصين و المنيع الذي يحمي القصر من أي خطر أو تطفل أجنبي عليه ، و يتميز هذا السور بقصر طوله من الداخل و طوله من الجهة الخارجية مما يسهل على أهالي القصر رؤية المنطقة من الداخل ، و قد شيد أساسا لسبب دفاعي ، و كما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته إلى أن الإنسان " لما حيل إليه من الفكر من عواقب أحواله ، لا بد أن يفكر فيما يدفع عنه الأذى من الحر و البرد ... كما أن لهذا دور أخر هو رد قوة الرياح التي يتعرض لها القصر بحكم تواجده على قمة الجبل ، و ينحدر طول السور بانحدار الجبل و كذا المنازل المتواجدة به .
السور الذي يحيط بالقصر
ب. أهم الأبواب و الأزقة :
كل الأشياء في الحياة لها ركيزة ومميزات ملازمة لها و العمران من بين تلك الأشياء التي لها مميزات لصيقة به ، و باختلاف أماكن تشيده ، فأي مدينة مهما تقلصت أو اتسعت مساحتها إلا و لها مميزاتها ، كطرق البناء و مكوناته و الأبواب من بين هذه المكونات التي تميز بها البناء المعماري ، و قصر آسا غني بها ، حيث نجد مجموعة من الأبواب الرئيسية و الثانوية ، و يبلغ عدد أبواب الرئيسية ثمانية أبواب أهمها :
 إمي ندرب أكرام : نسبة إلى احد ساكنة القصر الشرفاء.
 إمي ندرب اهراسن : نسبة إلى قبيلة اهراسن التي تسكن بها.
 إمي تندرت اداومليل : مدخل يؤدي إلى خارج أحشاش
 إمي تندرت اداونكيت : مدخل يؤدي إلى السوق تتخلله مجموعة من الدكاكين .
 إمي إمي : مدخل الرئيس المؤدي إلى ساحة البرج.
 إمي نسوق : يوجد بالقسم الشمالي يؤدي أيضا إلى السوق.
 إمي نتمزكيدا : يوجد قرب مسجد اداومليل يحده السور.
هذه الأبواب الرئيسية هي منافذ إلى القصر لها أوقات خاصة تفتح و تغلق بنظام داخلي تنظيمي لا يدخل منها إلا الخواص ، أي من يسكنون به ، و على الضيف اخذ الإذن من مجلس " ايت الأربعين " قبل الدخول يطلق عليه " تنفولت " ، أيضا و كما هو الحال في جل المدن المغربية الأثرية القديمة ، فالقصر يحوي مجموعة من الدروب التي تختلف تسمياتها ومواقعها و تميز أشكالها ، و اختلاف بعضها عن البعض ، هذا الاختلاف الذي يبرز بجلاء في جهتي القصر الشمالية و الجنوبية ، هذه الأخيرة تمتاز دروبها بالشساعة و يتخللها نوع من العتمة ، و يسكنها كل من عائلات القبيلة نفسها و ابرز هذه الدروب : درب " ند باكريم " ، درب " ندهمان" ، درب " اهراسن " ، درب " ند عثمان" درب " افلا " أما دروب الجهة الشمالية فلها مميزات خاصة حيث تتسم هي الأخرى بضيقها وانحدارها ، هذا الانحدار الذي يرجع بالأساس لكون البناء مشيد على تلة و نذكر منها : درب " ن ايت احايك " درب " ن علي ابلا " ، درب " ن باحسي " درب "ن باها" درب " ن سيدي الحسان " درب " ن بريك " . رغم بساطتها فالدروب تمثل جزء مهما من مكونات البناء المعماري .
أزقة القصر هي الأخرى لم تخلو من التعدد و الاختلاف من حيث شكلها و أسمائها ، و التي تحمل كل منها في طياتها دلالات و معان خاصة بالحياة العامة بالقصر ، و ساكنته او تصف حالة ذلك الزقاق ، و منها ما يرتبط اسمه بالمعتقد الديني للساكنة ، و عند ملاحظتنا للأزقة المتواجدة بالقسم الشمالي للقصر نجدها متصفة بالانحدار و ضيق ممراتها و نذكر منها : " تسكوت اوكضي ندحيا " ، " تسكوت اند المختار " ، " تسكوت كروزن " " تسكوت غزيفين " ، " تسكوت ند عبايدالله " ، " تسكوت نتشارافين " ، " تسكوت امزيلن" ، "تسكوت ندوتكما " .
و على عكس تلك المتواجدة على القسم الجنوبي و التي تتميز باتساعها و انبساطها : " تسكوت ندباب السدرة " ، " تسكوت ند بيجان " ، " تسكوت امي نتميميت " " تسكوت ند بنطالب " ، " تسكوت ن سيدي يعقوب " ، " تسكوت نداحن " ، " تسكوت اندموسى او سليمان" ، "تسكوت ندوتكما " ، و يبدو أن هذه الأزقة أنشئت خصيصا للربط بين المؤسسات الدينية ( المساجد – الزاوية – المقبرة ) و ذلك لالتقاء جل الشوارع و الأزقة في ممرات تنتهي بإحدى هذه المؤسسات ، و ذلك عائد إلى كون العامل الديني يتحكم في توجيه سلوكيات ساكنة القصر ، و تجدر الإشارة إلى الهاجس الأمني و تمويه العدو عن القصر ، يتحكم كذلك في هندستها و شكلها الذي يظهر من خلال التنظيم الداخلي للقصر .
ج. فضاءات المعلمة :
 الساحات : تمثل الفضاء و المتنفس الأبرز لساكنة القصر ، فقد كانت تشهد حفلات ليلية أو حفلات الأعراس التي يكون أساسها أحواش ، تضم رجال القصر الذين يحبون و يتقنون الغناء و الغزل المحليين ، و معيار القرب هو المتحكم و كذلك اختيار الساحة ستشهد حفلا معينا كما تستغل للاحتفالات بالأعياد الدينية والوطنية ، كما أن بعضها تخصص بممارسة احتفالات و طقوس معينة بكلتا جهتي القصر .

أنوار اهمو : يتم الاحتفال فيه بالحفلات و الأعياد الوطنية .
• تسكوت غزيفن : ساحة مخصصة للفلكلور الشعبي الخاص بالفتيات في عيدي الفطر و الأضحى ، و كذلك تخصص لممارسة طقوس وعادات (ايماغن اومان )
• تشارفين : يتم الاحتفال فيها بظاهرة " امعشارن " في عاشوراء من كل سنة.
• امي اوزيلال : تشهد الاحتفال بظاهرة " اهياضن " التي يتم الاحتفال بها عند بداية موسم الحرث
• اكلاكال : هي فضاء لم يخصص لغرض معين ، عبارة عن ساحة عمومية.
هذه أهم الساحات المتواجدة بالقسم الشمالي من القصر .
• اناصر : يتم استقبال الضيوف القادمين من مناطق مجاورة خاصة المكونين من فرق أحواش.
• ساحة امي لحاوش نحماد اوعلي : ساحة تخصص لاحتفال الفتيات بالأعياد و كذا احتفالات الأعراس و غيرها.
• امي نزاويت : ينظم فيها موسم زاوية أسا " الموكار ".
• ساحة ادبوهرادة : ساحة تخصص لممارسة طقوس ادبوهرادة.
هذه أهم الساحات المتواجدة بالقسم الجنوبي و الملاحظ أن جل الأنشطة التي تقام في هذه الساحات تكون مرهونة بساكنة كل قسم من القصر.
إلى جانب هذه الساحات ومنذ وصول الإسلام إلى المنطقة ، دأب الأهالي إلى تشييد مجموعة من المرافق الدينية و على رأسها المساجد ، التي تمثل كما هو معروف أهم مكان لممارسة الشعائر الدينية ، فبنيت بعضها بالقسم الشمالي : "تمزكيد أفلا "أو المسجد العلوي الذي يرجع تأسيسه إلى زمن بعيد ، كما يوجد مسجد آخر و هو مسجد اداومليل في حين بنيت أخرى بالقسم الجنوبي و أبرزها مسجد " سيدي عيسى بن صالح " الذي تم ترميمه في أواخر الستينيات ، و مسجد " اداومستري " ، و قد استغلت المساجد ليس فقط لتعليم أصول الدين و تلقينها بل أيضا تعلم القراءة و الكتابة كما مثلت المكان المقدس الذي لا يجرؤ من يدخل إليه على اختراق حرمته ، و تعتبر هذه المساجد ككاتب خاصة لتلقين تعاليم الدين الأساسي والقرآن الكريم .
فهذه المؤسسات التي كان يخضع لها أبناء القصر خلال مرحلة التنشئة الأولى لهم.
 الزوايا : إن العصبية القبلية التي تحدث عنها ابن خلدون و التي ظلت مترسخة في جل المجتمعات كانت حاضرة في الحياة الاجتماعية بالقصر،حيث كانت كل قبيلة تتعصب لنفسها ضد الأخرى،هذه العصبية كانت في الأغلب سبب نشوب مجموعة من النزاعات و المناوشات بين القبائل أو بين العائلات الكبرى بالقصر و التي يفشل الناس في إيجاد حل لها،و منها جاءت الزاوية التي كانت تمثل المنفذ الأبرز لفض النزاعات،حيث تحتضن الزاوية مجموعة من الأشراف المتمتعين بالحصانة الدينية , و بقدر كبير من العلم.
فقد كان حكمهم يسري على الجميع،دون اعتراض و قد كانت زاوية أسا الأبرز في القيام بهذا الدور و تضم مجموعة من شيوخ الزاوية"الشرفاء" الذين يقومون و يترجمون ذلك الدور على أرض الواقع، و كان السكان يطلقون عليهم لقب(سيدي) احتراما لهم و للدور الذي يلعبونه،و كان ينضم موسم ديني و تجاري في نفس الوقت يعرف باسم الزاوية، حيث يتقاطر إليه التجار حاملين معهم مختلف البضائع من مختلف الأقطار و الديانات كاليهود مثلا.
إلى جانب هذه الزاوية توجد زاوية أخرى بالقسم الشمالي لكنها كانت صغيرة و لم يكن لها دور في فض النزاعات،بل كان لها دور علمي دون التدخل في شؤون القصر,
 الأسواق: كانت التجارة حاضرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية للقصر رغم محدوديتها،فقد كان القصر يتوفر على مجزرتين الأولى صغيرة بالقسم الشمالي،و الأخرى بالجهة الجنوبية،هذه الأخيرة التي تتسم باتساعها و تضم مجموعة من الدكاكين و الجزارين،و تحوي بئرا كان المصدر الوحيد للمياه إلى جانب المجاري المائية و الأنهار.
هذه الفضاءات المتنوعة و المكونة لقصر أسا و التي يتميز بها،تجعل منه فنا معماريا متعدد الجوانب و المؤشرات،و الذي يفرض نفسه و يوحى بالإعجاب،من خلال الأشكال الهندسية التقليدية و المتميزة لطرق تشييده.
– مميزات البناء و طرقه :
أ. القسم الشمالي للقصر :
يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية الأخرى بالعقل و القدرة على تغير بيئته ، و خلق ظروف أكثر ملائمة لمعيشة عن طريق العمل المنتج الخلاق ، و كذلك عن طريق ابتكاره لمظاهر تساهم في تطوير بيئته و ذاته ، وقدراته الذهنية و الجسمية و الروحية ، و هنا يمكن أن نبرز بجلاء لعبقرية الإنسان التي تساهم في تطوير ذاته و المحيط الذي يعيش فيه ، بخلق فضاءات و معالم تساير حياته الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية و السياسية و بذلك يمكن أن يعيش في وسط ملائم تتوفر فيه شروط العيش ولو البسيط منها و قد استخدم في إقامة مبانيه مواد و تقنيات البناء المتنوعة و الملائمة لبيئته و لنمط عيشه ، وتمكن من تطوير هذه المواد و التقنيات لتواكب التغيرات التي عرفها عبر العصور .
تختلف أنواع البناء و تتباين حيث يمكن الحديث في البناء القديم على نوعين منه : البناء الطيني و الحجري ، و قصر أسا من بين المدن الأثرية بالمغرب التي اعتمدت على تقنيات و مواد مختلفة في البناء و التشييد ، هذا البناء الذي يوحي بالبساطة الممزوجة بالصلابة و الدقة ، و السعي دائما نحو الاحتماء .
و قد اعتمد ساكنة القسم الشمالي من القصر في البناء و التشييد على طريقة البناء الحجري ، ذلك نظرا لتوفر الحجارة في هذا الجانب ، و تنوع الصخور المستعملة ما بين الأكثر هشاشة و الأكثر صلابة ، حيث يقوم البناءون بالبحث عن مقالع الحجارة توفر طبقات صخرية سهلة القطع ، تغطي كثل منتظمة و متوسطة السمك ، بعد تهيئها لذلك الغرض ، كما تستخدم الأتربة كمواد ثانوية إلى جانب المادة الرئيسية المتمثلة في الأحجار ، و تستعمل جذور النخيل و سعفه لتغطية السقوف و " الطفال " . كصباغة لتبليط الجدران بدل الصباغة الحالية ، أما الواجهة فمنظرها يتخذ مجموعة من الأشكال الهندسية ذات أبعاد مختلفة من الحجار الداكنة اللون و المرسومة و قد يضم المنزل الواحد مجموعة من الطبقات قد تصل إلى ثلاث طوابق تحوي العدد من الغرف قد تصل إلى (ثلاثون غرفة ) ذات الوظائف المختلفة حيث يختلف شكلها و حجمها بحسب وظيفتها و غرض استعمالها .
ب. القسم الجنوبي من القصر :
في مقابل " اداومليل " الذي اعتمد في بنائه على طرقة البناء الحجري نجد هذا القسم من القصر يعتمد على طريقة البناء الطيني مستعينا في ذلك بتقنيات تخضع بالأساس لطبيعة المادة المستخدمة ، هذا البناء الذي يتطور بتطور العصور ، تطورات من حيث تركيبة المادة أو تقنيات البناء و ذلك بهدف جعله أكثر صلابة و ديمومة .
فقصر أسا وخاصة هذا القسم اعتمد على هذا النوع و ذلك بتوفر الأتربة بالمناطق المجاورة له، إلى جانب هذه المادة نجد بعض المواد الثانوية التي تستعمل في البناء كالأحجار و الخشب، فنجدها مستعملة في تثبيت الجدران و السقوف و الأعمدة و الأبواب و الفتحات...
و يعتمد في البناء الطيني على تقنيتين تختلف كل منهما على الأخرى حيث نجد تقنية اللوح أو التابوت حيث يتم تثبيت التابوت الخشبي و يملأ بالطين الممزوج بالتبن و روث الحيوانات ، و بترك هذا المزيج حتى يختمر ( لضمان تماسك عناصره فيما بينها ) ليصبح بذلك جاهزا للاستعمال حيث يفرغ في اللوح و يدك جيدا ، تزال الألواح الخشبية المكونة للتابوت ، لتثبت مرة أخرى في مكان مجاور و تتكرر العملية نفسها ، حتى نصل إلى الطول و الارتفاع المطلوبين .
أما التقنية الثانية فهي تسمى بتقنية الأجور المجفف حيث يشكل الطوب المنظم و المشكل في قوالب مربعة أو مستطيلة الشكل و يترك حتى يجف قبل استعماله ، و يتم البناء في القصر بتعاون ساكنته فيما بينهم في شكل ما يسمى تيوزي .
فقد شيدت المنازل المشكلة من عدة طوابق هذا علاوة على الغرف المتعددة و ذات الوظائف المختلفة من غرف خاصة للضيوف إلى غرف المئونة ، بالإضافة إلى الدروب والأزقة والمساجد و الساحات و غيرها من المرافق البسيطة التي تدل على تلاحم ساكنة القصر فيما بينهم ، وكذا بالشخص المبدع الذي يتكلف عادة بتخيل المباني و ترجمة الأفكار المجردة عن فراغات و الخيال التي يود العيش فيها غالى تصاميم قابلة للتنفيذ ومبتكرا بذلك أشكال هندسية متنوعة بتنوع الحضارات المتعاقبة عليه ، " فأسا من الأماكن الموصدة حيث تعاقبت عليها الحضارات الواحدة تلو الأخرى واختلطت آثار مسيرتها ، فخلق هذا التعاقب المتواصل مناخا أبديا تقمص تقاليد و عادات تزول بزوال واضعيها أو نسيان المتعاقب لمعناها .
تقنيات البناء
أ - استخراج التربة و طرق تحضيرها :
تتشابه طريقة استخراج التربة بين جميع المناطق في المغرب و شمال إفريقيا عامة ، فهي تتجلى في أخذ الطين من سطح أو من باطن الأرض، باستخدام أدوات بسيطة كالفؤوس ، و عادة ما لايبعد مكان استخراج التربة عن الورش إلا ببضع أمتار " فحسب ما أورده فيتروف عن خصوصية التربة التي تصلح للبناء إذا قال إن : " التربة الجيدة للبناء تكون خالية من الحصى الدقيق و الرمل ، لأن هذه المواد تفقدها التجانس و تجعلها سريعة التفتت و غير مقاومة للعوامل الطبيعة و لهذا يجب اختيار تراب أبيض شبيهة للتبشورة أوا حمر داكن لأنه يتألف من سواد ناعمة و منسجمة و غير ثقيلة" 1 ، من المعلوم أن أشكال البناء بالتراب متعددة ومختلفة من التراب المدكوك« pise » و الأجور المجفف « brique crue » التراب المدعوس« terre ballue » و يعتبر التحضير الأول للتراب القاسم المشترك بين كل أشكال البناء الطيني، و هو يتجلى في ما يلي: بعد استخراج التربة و مزجها لتصبح متجانسة تسقى بالماء و تخلط ببعض الشوائب كالقش و تترك لتتخمر و لتتمازج جميع العناصر فيما بينها ، و بما أن الطين مادة لزجة و قابلة للتفتت و الاندثار بفعل الحرارة و الرطوبة ، و لتصبح أكثر مقاومة تضاف إليه الشوائب النباتية لتكون جسما واحدا مقاوما للتغيرات المناخية .
ب - الأساسات :
قبل الحديث عن تقنيات البناء بهذه المنطقة لابد أولا أن نتحدث عن الأساسات باعتبارها خطوة أولى تأتي قبل الشروع في البناء.
من الطبيعي جدا أن الجدران تحتاج إلى أساسات تضمن ثباتها وديمومتها ويختلف مع عمق الأساسات حسب طبيعة أرضية المبنى (رملية أو حجرية..) وعلوه وثقله وقد اخبرنا فيتروف بخصوص تقنية الأساسات بما يلي :" يجب حفر الأساسات إلى غاية الوصول للأرضية الصلبة (soldium) التي باستطاعتها تحمل البناء، وتتمثل أحسن الأرضيات في الصخر وهذا ما بحث عنه الإغريق ومن بعدهم الرومان ويجب أن يكون عرض الأساس اكبر من عرض الجدار لان المداميك السفلى تتحمل المبنى .وإذا لم نصل إلى الصخر بعد عمق كبير تقوم ببناء قاعدة حجرية"
ومن الطبيعي جدا أيضا أن أبناء أبناء قبيلة ايتوسى بعدما كانوا في ما قبل يتخذون من الخيام منازل لهم، وأمام تغبر الظروف الطبيعية و الاجتماعية و الاقتصادية، لجئوا إلى بناء بيوت طينية ، متخذة كما سبقت الإشارة من المواد المحلية المتوفرة مادة أساسية في تشييد بيوتهم.
ج - التراب المدكوك :
لقد عرف بلينوس الأقدم تقنية التراب المدكوك باسبانيا وأفريقيا كالآتي: "تقوم هذه التقنية على بناء جدران طينية بداخل قالب (forma) محاط بلوحين ولهدا تعرف بالجدران المقولبة ،ويؤكد المؤلف الموسوعي على صلابة هذا النوع من البناء ويشهد له بمقاومته للرياح و النار، وعليه فالتراب المدكوك عبارة عن تقنية تستخدم لبناء جدار طيني وتقوم على نصب لوحين متوازيين ومتباعدين من الخشب ،على أساس لحائط و يربطان بالحبال ويفرغ بداخلهما خليط التراب المبلل ليدك بالمركز، فتتداخل كل العناصر فيما بينها، وتنشف من الماء تم ينزع التابوت الخشبي بعد تماسك التراب، ليتم الحصول على جزء من جدار طيني وتتكرر العملية حتى يكتمل البناء ويعتبر التراب المدكوك من أسرع طرق البناء الطيني ،لأنه يمكن من بناء مبنى صلب ومقاوم للعوامل الطبيعية بتكاليف زهيدة وفي وقت وجيز، ومازال مستعملا لحد اليوم بالبوادي الأخرى.
العناصر المكونة للتابوت) اللوح( : عبارة عن ألواح خشبية يتراوح طولها مابين 2م و2.70م متصل المسافة الفاصلة بينها أي عرض التابوت يعادل عرض الجدار، إلى 0.5 وعلوه إلى 0.80ويرتبط اللوح من الجانبين بالكومي.
الكوامي أو الو قافات: هي عبارة عن أدرع خشبية تربط بالحبال وتحيط باللوح لضمان ثباته .
جبهة التابوت : عبارة عن لوح خشبي يوضع في مقدمة التابوت بهدف إغلاق باب اللوح ،ولضمان تباته خصوصا أثناء عملية الدك.
الوتد أو لزازة: يستعمل الوتد بين اللوح والوقافة لتثبيت التابوت.
الحبال: استعمالها أساسي في ربط الو قافات .
الزيار :هو عبارة عن قطعة خشبية توضع وسط الحبال لتتبيث الكوامي، وجبهة التابوت.
القياس: هو عبارة عن قطعة خشبية يساوي طولها عرض اللوحة و يتجلى دوره في الحفاظ على شكل اللوح.
النقاب: هو عبارة عن ثقبين يكونان بطرفي اللوح، و يتمثل دورهما في جر ونقل التابوت.
المراكز الخشبية:هي التي تقوم بدك التراب لينسجم، ويخرج منه الماء الزائد فيجف بسرعة.
د - الأجور المجفف :
تعتبر تقنية البناء بالأجر المجفف من أسهل تقنيات البناء بالتراب ،حيث يوضع الأجر المجفف داخل مداميك مباشرة بعد جفافه ، ويتم الربط فيما بينها بملاط طيني أو جيري، فهذه التقنية تقوم على وضع خليط طيني بداخل قالب خشبي أو معدني مربع أو مستطيل الشكل ،و بدون قعر و ملئه عن أخره، ويسوى الخليط بداخل القالب الذي ينزع للحصول على أجورة ،تترك هذه الأخيرة لتجف تحت أشعة الشمس ، لتصبح صالحة لبناء الجدران و السقف .
و يتطلب الآجر المجفف الاختيار الجيد للتربة ، وقد وصف فيتروف ذلك كما يلي : " يصنع الأجر المجفف من تربة خالية من الحصى و الرمل لأن هذه المواد تجعله ثقيلا، فيتحطم بسرعة عند هطول الأمطار، و نذكر عموما أن التراب ذي الشوائب الغير المنسجمة لا يصلح لصناعة الأجر، و لذلك يجب اختيار تراب أبيض يشبه الطبشورة أو تراب أحمر داكن ذو لون فاتح، لأن هذا النوع يتكون من مواد ناعمة و منسجمة و غير ثقيلة " .
و حدد فيتروف الوقت الأنسب لصناعة الأجر المجفف في فصلي الربيع و الخريف، لأن الأجر يجف بشكل متساوي، عكس فصل الصيف، حيث تكون الشمس حارقة فيتشقق الأجر دون جفافه جيدا،و يضيف حول جودة الأجر المجفف ما يلي : " لمعرفة الأجر المجفف الجيد نقوم بالتجربة التالية : نضع الأجر بداخل فضاء به هواء و نتركه لمدة سنتين، وهكذا الأجر الصالح للبناء هو الذي سيبقى في حالة جيدة و لا يجب البناء بأجر حديث الصنع لأنه لا يقبل الطلاء ( en duit ( . ولن يتحمل الأمطار، و الرياح فينهار و يتوفر هذا النوع من الأجر على قيمة خاصة لأنه من جهة مادة خفيفة و من جهة ثانية قوي ضد عوامل الطبيعة ,إلى جانب هاتين التقنيتين توجد تقنية البناء بالحجارة،رغم أنها قليلة فهي موجودة حيث كانت تجلب الحجارة من المناطق المجاورة ،و يوضع لها أساس متين تم توضع حسب حجم كل واحدة ، فوق الأخر متخذا ( البناي) المعلم، الطين كمادة لاصقة بينهم وهكذا حتى يصل إلى الطول المطلوب، ويمتاز أيضا البناء الحجري بمقاومته للظروف الطبيعية (الرياح و الحرارة )وأيضا بجاهزية المادة الأولية، وبساطته وهذه التقنية أصبحت تعرف نوعا من الاندثار بسبب التقدم الذي عرفته تقنيات البناء والمواد المستعملة


----------------------------------------
مقال قصراسا "أقدم بناء أثري يعود تاريخه إلى آلاف السنين"جريدة الأصداء المغربية عدد 37 الصادر 16 دجنبر 2000
ربيعة منصور "أثار وثرات منطقة أسا الزاڭ" بحت لنيل الإجازة ٱكادير 2012
الرواية الشفوية:
الاساوي عيدا رئيس جمعية قصر أسا 51 سنة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.