تقديم تعتبر شخصية شرتات شخصية أسطورية اكتسبت شهرة في المخيال الشعبي لأهل الصحراء حيث يتسامر الصحراويون في لياليهم ومناسباتهم وتحكي الجدة للأحفاد والآباء والأمهات للأبناء عن شخصية شرتات وتصرفاته حتى لاتكاد تجد خيمة من الخيام أوبيتا من بيوت الصحراويين إلا وزينت لياليه نواذر وحكايات شرتات لارتباطها بمجموعة من المفاهيم والقيم السلبية التي لا يريد لها الآباء والأجداد أن تجد إلى سلوك أبنائهم وأحفادهم سبيلا من قبل طمع شرتات وجشعه - *1تسكاطو- وخوفه واستبداده ،وظلمه وغبائه ،وحيله ومكره،وغيرها من القيم التي تعافها الفطر السليمة وتأباها النفوس الأبية في مجتمع البيظان بالصحراء ،بل في كل مجتمع سليم معافى .شرتات إذن بهذا الاعتبار هو الشخصية الغائبة في واقع الناس الحاضرة في تصرفاتهم وتصوراتهم ،هي قيم ونفسيات وتصورات لم تنقطع قط من واقعنا أكثر منها شخصية متحركة في دنيا الناس، ومنه يصبح سرد قصصه ونواذره من جيل لجيل أسلوب تربوي رائع ومؤثر في انتقاد الواقع وشطب قيمه الفاسدة المفسدة من عقول و سلوك الأفراد والجماعات ،
قصص شرتات مواقف وقيم
إذا كان ابن المقفع تحدث في كليلة ودمنة عن بعض الحيوانات ليمرر من خلالها مواقف وأراء ورسائل تربوية، بل سياسية لايمكن التعبير عنها يومها بشكل صريح لكونها تمس السلطة السياسية في زمنه ،فاختار تناولها من باب التلميح بدل التصريح - هذا إن وضعنا الكتاب في سياقه السياسي والتاريخي- فان الإنسان الصحراوي وهو المعروف بإفراطه في لغة الرمز/أو *المعنى بمصطلح بني حسان، كثيرا ماكان يؤسس لأراء ومواقف سياسية من سلطة الزمان والمكان ولو كان شيخ قبيلة أو *2غزي في الديار انطلاقا من تعليقها على شخصيات مثل: شرتات ،وطولا ،وسميميع الندى ،وعيشة أم النواجر ،وغيرها من الشخصيات الأسطورية المتعالية والغير خاضعة لسلطة الزمان والمكان،ونحن إذ نستقرئ بعضا مما قيل عن شخصية شرتات في هذه العجالة ،فقد وجدنا فيها العديد من أوجه الشبه بينها وبين شراتيت اليوم ومفسديه ،هي قيم لم تمت ،ممتدة باقية في الزمان ما بقيت في الإنسان نفسيات غير سوية ، وأنانيات مستعلية ،واستكبار مقيت، وتبذير للزمن والجهود والإمكانات ،ومقومات الوجود المكرم لبني الانسان من قبل *3إخوان إبليس، بما يخدم أنانية وشهوة وغرائز ا شرتات ولو كانت البشرية كلها ثمنا لجلب شهوته ورضاه. هي نظرة للكون وساكنيه انطلاقا مما يحقق أهداف المستبد ومصالحه مهما كانت دنيئة . إن قصص شرتات ونواذره مليئة بالعبر والمواقف السياسية من سلطة الحاكمين. نتحدث هنا في هذا المقال عن شخصية شرتات الأسطورية المثيرة للجدل لكن بعد أن نجردها من سياقها الخرافي لنضعها في سياقنا السياسي الواقعي المعاصر. فما هي القيم الشرتاتية إن صح التعبير التي تحكم ساستنا ومشهدنا السياسي الذي لم يبق فيه المخزن لأحد شيئا ، ألا يمكن القول بان علاقة المواطن في بلدنا اليوم بسلطة المخزن هي أشبه بحكم شرتات وعلاقته النفعية بمحيطه ، هذه الأسئلة وغيرها هي مانريد تناوله لنخلص إلى خلاصة مفادها أن شرتات كامن في واقعنا المعاصر ، لازلنا نكتوي بناره خاصة بعد أن تحولت قيمه من تصرف شخصية فرد إلى تصرف مؤسسات لها عقول تخطط وأطقم بشرية تدبر واستراتيجيات توضع وأغلفة مالية ضخمة تنفق لتؤصل لقيم سلبية في واقعنا وتقتل كل قيمة أو مقوم من مقومات النهوض والكرامة من عقولنا وسلوكنا . شرتات غبي حاكم أكثر صفة وصف بها شرتات هي الغباء لكن بالقدر الذي يحقق له غباؤه السيطرة على عقول وإمكانات وقدرات وتصرفات الآخرين، انه غباء على قاعدة المثل الدارج: أهبل تربح. حتى وان كان هذا الغباء في كثير من الأحيان من فرط تكراره لا يستساغ لمن له بصيص عقل أو دراية بالأمور ،هذه هي شخصية شرتات الأسطورة ،أما شرتات عصرنا – المخزن – فانه لامنطق له لايمكن أن تحكم تصرفاته بمنطق العقلاء ولا بمنطق أهل القانون، أفعاله وأقواله في تدبير وتسيير شؤون المجتمع والدولة غير مصنفة في علم السياسة ولا هي محكومة بقواعد أهل السياسة يحكمها فقط مزاج غبي هو أشبه بمزاج وغباء شرتات الاسطورة الذي أراد أن يداوي ابن أخته فقتله بعد أن كوى دماغه بالنار .
شرتات مصدر السلط
لانكاد نذكرشخصة شرتات أونحاول تناول شخصيته بشيء من الشمولية إلا ووجدناه في تصرفاته وأقواله يمثل كل السلط : التشريعية والقضائية والتنفيذية: السلطة التشريعية : اشتهر شرتات وعرفته قصصه وحكاياته انه هو من يضع القوانين من وحي نفسه في صالحه هو وصالح بقائه ومنفعته ،وفي نواذره الكثير من هذه الأنواع والقواعد القانونية الخاضعة لمزاجه ورؤيته المحكومة بمنطق الهيمنة على كل شيء حتى ولو كانت قانون لعبة أو قسمة بين الناس. السلطة التنفيذية : لايثق شرتات في احد لينجز عنه وينفذ ولا يكلف نفسه عناء الرجوع إلى سلطة أعلى منه ليستمد منها مشروعية أفعاله ولا شيء في عقله اسمه الشعب/أو الجماعة إلا بقدر ما يرتبط ذلك في ذهنه بكون الآخرين سببا للقلاقل و ومصدرا للازعاج وتهديد الأمن ، وهنا وجه الشبه بينه وبين شرتات زماننا الذي هو مصدر السلط جميعا هو الشعب وهو القانون وهو المجتمع ،هو السياسة والرياضة والفن والاقتصاد.و.....، تركيبته النفسية مبنية على تضخم الأنا- الأنانية المستعلية - التي تحجب عنه رؤية ما في الناس من خير، يرى كل الناس أغبياء لاخير فيهم ، لم يصلوا بعد إلى مستوى أن يستحقوا أن يتمتعوا بحكم عادل ، لن يصلوا إلى مستوى مكرشرتات ودهائه السياسي أو بالأحرى عدله إنه يصنفهم كما صنفهم ميكيافيلي: لأن شرتاتنا مولع بقراءة الأمير لمكيافيللي وتطبيق نصائحه: *4(ان البسطاء من الناس على استعداد لقبول أي امر واقع ومن يخدعهم سيجد من بينهم من يقبل ان ينخدع بسهولة ) السلطة القضائية :شرتات من فرط أنانيته واستعلائه يعتبر نفسه مصدر السلطة القضائية يفهم العدل بمنطقه وفهمه وحساباته هو لا كما يفهمه الآخرون، يقسم على الناس قسمة ضيزى، يجعل فيها لنفسه كل شيء :الثروة والقرار السياسة والمال، ويبقي للشعب الفتاة يتجمع حوله ويتقاتل كما يتقاتل الذباب حول بقايا الطعام – أيتام في موائد اللئام على تعبير طارق بن زياد رحمه الله ، ولعل أهم تجل من تجليات عدل شرتات قصته مع النسوة لما أراد أن يقسم ثلاثة أقداح من اللبن بينه وبين امرأتين فلخص عدله في القسمة في بيتين شعريين فقال : *5 انتوماتي ذوك الثنتين ** *********** فكدحة تسماو اثلاثة وانا والكدحات الثنتين ************* ذيك اثلاثة فاثلاثة
طمع شرتات
لا يقنع شرتات بما في يده ، ولايمنعه ماهو فيه من نعم عن الطمع فيما في يد الناس لا يكفيه حقه بل الكل حقه حتى ما في يد الآخرين له منه نصيب الأسد ، تفكيره وخططه وحيله واستراتيجياته منصبة على كيفية الوصول إليه ،كل شيء له فيه سهم ،لا يحق لأحد محاسبته ولا يجوز أن ترتبط المسؤولية في حقه بالمحاسبة ، يحاسب ولا يحاسب، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .يكفي أن يرى شرتات أمرا ليصبح له كله : مناجم الذهب والفضة والفوسفاط والزنك والرصاص والصيد في أعالي البحار والرمال والسياسة والتجارة والثروة والاقتصاد... كلها وغيرها له وحده حتى جيوب المواطنين لا يعجز شرتات أن يصل إليها عبر الضرائب والزيادة في الأسعار التي تثقل كاهلهم في الوقت الذي تعيش فيه عائلات اقتصادية مخزنية لاتعرف شيئا اسمه ضرائب ولاتخضع لقانون تسرح وتمرح فقط لأنها تحمل احد الجينات الوراثية لشرتات وإجمالا شرتات عصرنا يؤمن بمقولة الشاعر الصحراوي : *6 اللي عند الناس انظوكو ************** واللي عندي عكرب فوكو لان كل شيئ نبت في البر والبحر بهذا البلد ما وضع إلا من لجلب سعادته وهنائه .
حيل شرتات
شرتات رغم غبائه إلا أن له محاولات في الاحتيال لكن أمره غالبا مايؤول إلى الافتضاح بسبب تصرفاته لتأصل غريزة حب التملك البهيمية في نفسيته بلا حدود، لأنه لم يطهر هذه النفسية بتربية وما جلس إلى من يزكيها من أطباء القلوب - فقد افلح من زكاها وقد خاب من دساها - مما يعري سوءته أمام الناس وهنا نعرض لحادثة وقعت لشرتات مع الأطفال لما جاء من السفر فاستقبلوه فرحين بقدومه ظنا منهم انه أتاهم بالحلولى فكذب عليهم قائلا انظروا إلى تلك الشجرة فان كل ما جيئتكم به من حلوى يوجد عندها فتسابق الأطفال مصدقين كذب شرتات إلا انه من فرط جشعه وغبائه سبقهم مسرعا ظنا منه أنهم سيجدون شيئا فخاف أن يسبقوه إليه – كذب فصدق كذبه. قصته أيضا مع حماته لما قدم عليها من السفر فذبحت له عنزا وأحسنت ضيافته فأراد أن تذبح له عنزا آخر فحمل أمتعته وكأنه يريد الرحيل وطاف بالخيمة ثم أوقف ناقته وفك رحاله فلما سألته الحماة عن الأمر قال:جئت من السفر مرة أخرى امشي أنت *7ذاك اللي عليك عدليه، قاصدا أن تذبح له عنزا آخر. خاتمة
إن شخصية شرتات مليئة بالأحداث والعبر المؤسسة لمواقف سياسية كان الإنسان الصحراوي كلما أراد أن يعلمها للناشئة أو ينتقد بها الوضع القائم ولو كان سلطة سياسية صرفها عن طريق نواذر شرتات و تصرفاته الموضوعة أصلا بمنطق الأخلاق والحق والعدل في خانة الممقوت والمنكر الذي يجب انكاره ومحاربته من تصرفات الناس بمختلف الوسائل والإمكانات .
*1-التسكاط : يقصد به التطفل والجشع الى درجة تكرار حلوله على الناس دون دعوة طمعا في الأكل او الأعطية *2-غزي بالديار : الغزو الذي يحل بالديار /العدو او العصابة تغزو الديار على حين غرة من اهلها *3- اخوان ابليس : هم المبذرون لقوله تعالى : ان المبذرين اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا *4- كتاب الأمير لنقولا مكيافيلي ص 86 – نصائح للحاكم كيف يتحكم في رقاب المحكومين *5- يقصد المساواة :المرأتان مع قدح واحد تساوي ثلاثة وشرتات مع قدحين تساوي ثلاثة ، *6 المقصود انه يطمع فيما في يد الناس مع استحالة وصولهم الى مافي يده هو. *7- ما عليك افعليه يقصد أن تكرر اكرام وفادته .