غالبا ما يتلصص كل أولئك الافناويين الباعمرانيون اليوم على قلوبهم بل الأحرى أرواحهم كأنهم نسوا الماضي ، فتجدهم اليوم منشغلون بتفاهات مسوؤلين بالأمس يرفضونهم ...، تجدهم حائرون بين ماض صار ذكرى... وحاضر يحمل من التناقضات ما يكفي لنقول أننا بين مفترق الطرق ، بين بلد يحكمه نافدون يميز ون بين أهل مكة و شعابها ، ففي هذه الحالة فلا أنت سعيد إلى الأبد لان غطرسة المشارفة مازالت تتحكم في رقاب الناس، باسم الدين تارة بإسم العروبة ... ولا أنت حزين قليلا لأنك تحس إن الأمر يحتاج إلى تأمل واستنهاض ، وبينهما قلق خفي من المستقبل في ظل عالم لم يعد يؤمن سوى بالماديات والمصالح ولم يعد فيه لأولئك الذين يلعبون دور الكومبارس أو الوسيط باسم السلطة أية مكانة ، فالسمسار في ثقافتنا الشعبية لابد له من هدية "البقشيش" ، ويزيد عنك أرقاما بل "بوفورا " كلما قدم لك خدمة عن ما تبحث وتريد... ، إنها الوساطة والتملق التي تسببت في تعزيز الاستبداد وجعلت حاضر شمال أفريقيا مضرج بالدماء وسماء لا يرحل غيمها أبدا بفعل الدخان الدامس للأسلحة بشتى أنواعها ، وفي سوريا نفوس أكثر مرضا ، من مرض القدافي الذي تصور شعبه كالجرذان ...أمارة بالسوء ملئت الدنيا بما فيها بلدتنا هي الأخرى ، ما حصل في سيدي افني عاصمة الصحراء ، إبان ماعرف بأحداث" السبت الأسود" لا ترضى لها النفوس الرحمة ،مدينتي هي الأخرى كانت ضحية أولئك الذين لايؤمنون بحب ولا فضيلة ولا كرامة ولا كبرياء.. صامتين الأذن ، وعمي البصير ، لايشمون غير رائحة أرباح السردين...، لقد كان من الممكن أن نكون نحن المغاربة سعداء جميعا ونحتفي بأمهات معاركنا ضد القوى التي جابهتنا ، ونتذكر ثورات شعوبنا ، من اجل الحرية والكرامة ، ونستعين بمورثنا لبناء عظمة قوتنا التي لم تكن تقهر .... لكن فشلنا في مفاوضات" إسلي" دون تقدير لحسابات المستقبل، كما أخفقنا في الالتفاف حول نتائج الثورة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي ، والاسباني ،كل ذالك جعلنا نتمعن دروسا في الحيل ، وتقولبنا بالعربية تعرابت"، بكل بساطة انتفض أجددنا وقاوموا " على نيتهم" ككل المغاربة ولم يكن يتقنون لعبة النفاق السياسي ، ليجد أبائنا أنفسهم بعد معزة وكبرياء بسبب بسالتهم ، لم يعد يساوون شيئا بعدما كان هؤلاء أبطالا بل نجوما للشياطين استغلوا دورهم الريادي فصاروا بعد ذالك لعبة في أيديهم .... ، اليوم يتحدث الشباب عن دور الضحية، وعن أولئك الذين سرقوا أحلام أجدادهم ، واخدعوهم والتفوا حول ثورة الملك والشعب ، وصاروا يبحثون عن محاربة هؤلاء المفسدين ، وعن فسادهم المستشري في كل الأوساط ، وآبائهم لايتقاضون إلا دريهمات على مجدهم الضائع عن طريق مندوبية أشبه بحافلة بانورامية يتجول سائقها في كل مناسبة للذكرى بدون أن تحمل معها أمل رعاية ، أو ردا للاعتبار ، تعود وحيث أتت ادعاء باحتفاء لارائحة له ولاطعم . شباب اليوم تجدهم يطالبون بتطبيق العدالة الاجتماعية لا شعارات وأوهاما، كان من الممكن أن نشجع هؤلاء لكي تحيا الروح في نفوس الناس ، ويقودهم إلى الإحساس بالمواطنة الحقة ، ونكون شعبا «سعيدا» ، يستغل ما يحدث في كل بقاع العالم ، يبني العلاقات والتكتلات ، لعله يعيد أمجاد إمبراطورية ممزقة بفعل مصالح هؤلاء المسترزقين ....، ، لكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن، أصبح الحزن شبحا يطرق نوافذ بيوت المغاربة نتيجة الفقر ، والظلم، والفساد'.... ، وكما فعلت الأجهزة الأمنية في سيدي افني ، عندما اهانة حرمات الناس ودمرت أبواب بيوتهم بكل عنفوان...، الحزن اليوم قد يلاحق الفبرايريون وقد تكون عاصفته اشد وقد يتكسر الزجاج من نوافذهم ، وقد يؤدي بأجزائه المبعثرة أن قدر الله كل المارة في الشوارع ، إلا في حالة استثناء أو تبصرا حيث يغلب العقل على الأنا ، ورغم الفرق الشاسع بين أحداث افني وأحداث حركة عشرين فبراير من حيث هالتها وصيتها في العالم ، وبين استمرارها واحتمال فشلها...، إلا أن المشترك اليوم أن المغاربة يخرجون إلى الشوارع ، يجمعهم علم يحمل الأبيض والأسود يذكر هم بمأساة " الإثم" والتلفزة تتحرك، وبأعلام الموحدين والمرابطين ، وبين هذا وذاك باحتجاجات سيدي افني ، وبحركات نفوس المظلومين... ، من الممكن أن نتفادى مخاطر قد تعصف ببلدنا ، بكل بساطة عن طريق تكافئ الفرص في شتى الميادين بما فيها العمل السياسي ، فقد تجد في بلدتي أناس هرموا من لعب الوساطة والابتزاز السياسي باسم أحزاب أكل عليها الدهر وشرب ، ورغم ذالك لايبالي زعمائها بكل ما يحدث ، كأنهم أصيبوا بداء النسيان "الزهيمر" ، وتعتبر كل الأحداث والاحتجاجات وحتى عشرين فبراير أحداثا عابرة ... لتستمر في تعميق الفوارق عوض التغيير ، ولاشك أن إظهار حسن النية، تجعل كل المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، كان من الممكن وهو الأهم أن نجعل خيرات البلد للجميع والكرامة للجميع والمدرسة للجميع والثقافة للجميع.. أن نجعل الفرد مواطنا ، لافرق بينه وبين الفاسي والصحراوي .... وغيرهم من الأجناس درجة أولى بامتياز لاعتبار المركز و دوي القرار أو الانتماء إلى حزب مصنف في لوائح أحزاب المغرب النافع... ، وبذالك من حق الشباب اليوم ان يطرح أسئلة المواطنة ومن يخدم، ويستغل ثروات هذا البلد .. حينما أغمض عيني أتذكر أحلاما طائشة ، ترسم أجمل مدينة في العالم ، أجد أنها كانت فعلا جميلة إلى حد بعيد كما كان يصورها لي العجزة من ساكنتها ، وكما كان يروي عنها الاسبان في مذكراتهم حسرا على مغادرتها قسرا ، طبعا كان الباعمرانيون بأخطاء إيديولوجية بسيطة وخسارات كثيرة لمرافقها ومفاجآت موسمية لمستغلي خيراتها.... ، كان من الممكن فعلا ، أن تكون نموذج لمدينة عالمية أكدت أن التمدن بالتعايش ليس مستحيلا وأن السعادة ممكنة.. وان بالعلم والبحث والعطاء ولو على قلة مرافقيه في بلدتي، تشعر بنعم الدنيا وطعمها، وهناك كائنات سياسية بإيديولوجية قديمة دمرت مدينتنا المنسية تصارع للبقاء من اجل ذاتها ليس الا ، وغالبا ما تتمنى الصعود او التسلق ولو بإشارة بالأصبع لترتاح نفسيا، إنها النرجيسية وحب الذات لايهمها أن تقرر في شان المدينة وتطورها أو حتى جماليتها التي أفقدتها بسبب أمثال هؤلاء الانتهازيين من تجار وحرفيين ومتعلمين وأميين ... ، وبين جيل الأربعينات ماقبل أسطورة التجنيس وبعد ، مسافات من الألم والخوف والحاجة والضعف، بينهما سنوات طويلة قضاها الزعماء " امغارن" ، يتحكمون في جزء من عالمهم بمجده وخلوده .... كان من الممكن أن نتزعم الريادة بقيمنا وثقافتنا وحضارتنا وشبابنا، لكننا فضلنا أن نستورد بقايا ثقافات أخرى من الشرق ، فأصبحنا كالغراب الذي أراد تقليد مشية الحجلة ، فلا هو أتقنها ولا هو تذكر مشيته الأصلية.. بل الأصعب من كل ذالك أننا أصيبنا بمرض نفسي اسمه " السكيزوفرنيا" أو انفصام الشخصية. مدينتي ، بعد "البروفنسيا " الجديدة ، أصبحت ، " صونفيل" فهي منبر ما لامنبر له ، كل الأقوال والحديث عن الشجون أصبح ماركة مسجلة لدى " الحضايا" ، كان من الممكن رغم المحن ، والصعاب ، أن نتشبث بمفهوم الأسرة ونقوي تماسكها لا أن نسعى للبحث عن صدقات ونجعل الماديات، تضرب في عمق نخوتنا ، يتخيل أنها مكملة للسعادة والحقيقة ، أنها سببا للتشتت و الاسترزاق ولم تكن هدفا لوجودنا وقيمتنا.. كان من الأجدر أن نجعل الثقة في أنفوسنا أحرارا كما كان أجدادنا ، سواسية كأسنان المشط، فنعلمهم كيف يعتنوا بالمثل العليا .. فلا تفرقة ولا تشنج ولا تحقير ولا اضطهاد.. وهو ما جسده الشعب المغربي قاطبة وأحس به يوم أن جابت مسيرات شعبية بقاع العالم و حج المغاربة قاطبة سيدي علي افني، للتضامن جراء أحداث" السبت الأسود" الأليمة .كأن الأمر مستلهم من حضارتنا وتاريخنا العريق ، تجاوب ، وتفاهم متبادل من اجل كرامة مصونة ، وضد الكره و»الحكرة» الدائمة لبلاد ظلوا يلقبونها بأسماء لامعنى لها في قاموس الوطنية " بلاد السيبا" ، "مناطق التأديب"، كلما رددتها الشفاه تحس بالغبن و بذتها القلوب. يكفي أن نلتفت حولنا لنستوعب الدرس ممن تسبب في تراجعنا، من تملق وانتهاز للفرص ، وطمع ، وجشع ، فقد كان من الممكن لكل هؤلاء المهرولين بيادق الأحزاب ، المسجونين تحت ضغطهم ، أن يبحثوا عن الخلود في قلوب ساكنة بلدتهم بإنجازاتهم، عوض استغلالهم ، في كل لحظة سياسية عابرة ، كان من الممكن أن نكون دولة ديمقراطية وشعبا كامل الحقوق بتحقيق العدالة ونشر قيم المواطنة لا أن نخضع لتزكيات أحزاب لاتمثلنا ، ولاتخجل من نفسها في اعلان لوائح نسائية وشبابية من عائلاتها ، حتى نصوت عليها كأنهم الحكام إلى الأبد وانتم الخاضعون . كان بالإمكان ألا نكون في آخر القائمة.. لو استوعبنا درس النفاق السياسي ، وعلمنا عائلاتنا معنى الكرامة ، واستوعبنا قيمة خيراتنا و إمكانياتنا في كل الميادين ، أكيد أن قوائم العار التي شكلتها أحزاب المركز لن تعنينا و يندى لها جبين هذا الو طن... فإلى كل هؤلاء الطامعين في الكراسي ، والمحميين الجدد ، أن الأوان بعد ثورات شعوب شمال إفريقيا ، لإستعاب مفهوما جديدا للسلطة ، فلا سلطة تعد تنفع بعد اليوم ، وان المصالح الامبريالية بفضلكم ، لم تعد تقبل الوساطة ، إنها عولمة الاقتصاد ، وحيث أن هذه العولمة تخضع لها كل الشعوب بدون زعماء وأولياء'... أو قيود ، فحتما سترسم للوطن خريطة من اجل العدالة والمجد والتآزر.. ويطمئن أبناء بلدتي من حقهم في السردين ، والاخطبوط ، وكل أنواع الأسماك التي نجهل أسمائها ....