أشغل نفسي بأحلام تراود شباب اليوم ، بلقاءات ووقفات بل مسيرات يلقي بها القدر صدفة، دون ميعاد.. لو أنها كانت القاسم المشترك بين أهالي سيدي افني في المغرب وسيدي بوزيد بتونس أتت محملة بما يشتهيه الفرقاء وما لا يشتهيه رواد التسلط والاستبداد ، فرحا وشجنا، دمعة وبسمة كان شباب البوعزيزي زعزع الأركان ، بأسرار كثيرة عن المفسدين وعن الدائمين على الكراسي وأضواء بيضاء وأخرى ملونة كأنها لحظة غير مفهومة أو بالأحرى "تبويقة معجون " كما يسميها المغاربة، كل الأوراق اختلطت ،وكل تفاصيل الحياة البسيطة لم تعد تفيد في إقناع الشعوب ، ثورات تحقق سعادة للشباب ، يحس بها ويتلددها برضاه رغم الألم.. يسعى إليها بتلقائية دون تعقيد.. أحيانا نتأمل الحرية من اجل الحياة استعانة بالخارج طبعا شركاء الاستبداد في شمال إفريقيا لاتهمهم إلا مصالحهم ، كأن اغلب المقهورين من سياسية الاستبداد والمفسدين يجدون ضالتهم في الاتحاد الأوربي ملاذا لعلهم يسعدون داخل بلدانهم ، ينظرون إليه كأنه مجلس عصا سليمان .. والأنسب بعد فضيحة "إطاحة بالرؤساء"في شمال إفريقيا ليس إلا وسيلة ابتزاز الشعوب باسم ثقافة حقوق الإنسان..... ولأني جزء من حلم هدا الشباب أصبحت في رحيل دائم بحثا عن سعادة ما تنتظرنا، قد نصادفها في أي طريق أو ملتقى أحلام. لكن اصطدمنا بجنون الاستبداد ، وتطرفه ، وتغيرت أمزجته بين عشية وضحاها ، ربما كانت حادث" اركانة" المفجع إشارة لأساطير الأولين ، شاب ليس ككل الشباب الذي تحدث عنهم تاريخ الإرهاب كما يحلو ان يوصف لدى المختصين ، شاب يناقض مواصفات فيزيولوجية لا نصار القاعدة ، شاب هذه المرة في صورة شباب العصر بل في صورة مصغرة لشباب التغيير ، قد تكون أمزجة الكائنات الحية جامدة وقد تتغيير، كما لدهاليز القرار مزاج متقلب كمزاج الحرباء و الألبسة والأفئدة... الشوارع اليوم في المدن و " تسوكة" في القرى مزاجهما صعب، فقد تظلان موحشة وإن كان الشعب من اختار بكل تلقائية الطواف فيها سعيا إلى الحرية وبالأحرى الكرامة ، بينما كائنات أخرى من نفس طينة الإنسان ألبستها اللامعة تجعل الأماكن أكثر تقيدا وتوحشا ، والألبسة عند الإنسان مزاجها خائن تثور على جسدك كلما أهملته ، فقد تشعر بالخوف وأنت تعي أن الاختلاف بين الأزمنة ليس فارقا ، فالخوف من قوى الطبيعة مند الأزل كان من البديهيات، غير أن الخوف في زمننا الردئ بسبب الكائن البشري أكثر تعقيدا فقد ترتعد من أجهزة القمع بتلاوين ألبستها من ا الأزرق إلى البني... بل قد تختار هذه الكائنات ألبسة أخرى بغاية الأبهة... شاهدة على عصور الظلام ولم تتغيير من حقبة زمنية وعندما تراه العين قد تشك في نفسك وتتنبأ في كل الأحوال بما هو أسوء .. أكثر مما هو محتمل من صراع الطبيعة. أما مزاج أولئك الدين خلقوا" السبت الأسود" بسيدي افني ووشموه بوصمة عار على جبين الدولة المغربية فهم متسلطون جبابرة، بأفعالهم يرجع بك الزمان إلى عصور حقب واد البنات ، وأبي لهاب... و إلى روتين كل صباح ترى وتسمع صيحات المعطلين ومشاكل الحياة اليومية للأسر. آنذاك لاالمفر من أن تسبح نحو تيار يجذبك نحو الهموم والأوجاع مادام ، أن الحزن والأرق والشكوى، تسمم حياتك سوى بإرادتك أو بإرادة الأخريين من جنسك. حينما أختنق أبناء افني وساكنة ايت بعمران أثناء إحداث" السبت الأسود" أشعر الباعمرانيون بالقلق وبالحكرة ، لم يكن يتصور احد أن تكون آلة القمع متطرفة لهده الدرجة ، بكل بساطة لا ن الباعمرانيون مفخرة للمغاربة ولتاريخهم المجيد ، أطفال ونساء وعجزة ، لم يفهموا ما وقع واكتفوا بالصمت المريب علهم يفكرون في غدر الزمن ، بينما اكتفى المغاربة من طنجة الى الكويرة بالتنديد بالأحداث ، أنفض الغبار عن اكاديب و شعارات دولة الحق والقانون وعن جدوى تلك الكتب ذات التقارير المعيارية، بكل بساطة دواخل ساكنة افني والباعمرانيون،عامة قرحة ، من الصعب أن تشفى ، فكل مواليد السبت الأسود بسيدي افني يتذكرون عويل النساء ، ومداهمة البيوت ، وملاحقة الشباب في الجبال ، حتى طائر " عوا " فر هو الأخر بعيدا بفعل قلق الروح ، وتلوث الجو و دخان القنابل المسيلة للدموع ، كل الباعمرانيون انظموا لمدينتهم الصغيرة ،و بوحدتهم يحاولون طرد هواجس اليوم الأسود يشعرون بالارتياح حينما انتزعوا مطلبا ، اعتبروه مفخرة لانه كان يجسد عمق تاريخ الأجداد ، وثيقة أوقعها الاسبان مع المغاربة لكي تكون مدينة افني "بروفنسيا" الصحراء انتهى العد العكسي لا يقاف ساعة حائط البلدية ، وان كانت هده الساعة طبعا تخضع الى طقوس تخص المدينة المخضرمة في ترتيب الدهاليز المظلمة في جسد وروح ساكنة المدينة فهي مدينة تجمع الكنيسة والمسجد ، فالمسجد طقوس يمارسها الناس وبالإجماع يوم الجمعة ببساطة لانه يوم " إعداد طبق الكسكس" وفي الكنيسة قضاء وقدر ماتبقى من الطيور تحوم حول المبنى دون أن تكون من نوع البوم الذي يعكس الخراب ، رغم أن الكتاب المقدس" الإنجيل" عوض بالسجلات العدلية والبابا بالقاضي والرهبان بالموظفين ، ولأنه من الصعوبة تفسير الأحلام فان القطط تتربص بالمكان و بالآلام حتى يطردها احدهم تقاوم علّ الفرحة تنتصر رغم الدموع والانكسارات. لقد سلبتنا نحن أبناء المنطقة الأخبار السيئة عن كل صباح , والأحزان المتواصلة عن كل تأخير للوعود والصدمات المتكررة، عن كل تواطوء وتهاون والجراح الغائرة ، كلما تذكرنا لحظة اليوم الأسود، ابتسامة أطفال المدينة لم تعد عما كانت عليه ، لكنهم يصارعون لكي تظل السعادة تنبض بداخلهم علهم ينتظرون أن تكون مدينتهم أجمل مدينة في العالم ، يتشبثون بالأمل علّ الحظ يكون حليفهم وإن فشلت وخاب حدسي في الحكم على كل الاحتمالات فساعة البلدية توقفت مرة أخرى ، والقلوب تدمرت والكلمات موصدة والوعود زائفة .. مابعد السبت الأسود ، الافناويون اليوم يفتحون الأبواب الموصدة بعدما غيروها لحظة الغدر وتأكدوا أن الخشب لم يعد يصلح للبيوت بعد إن خرقت حرماتها ، و لأنهم يؤمنون بالتحدي وان سعادة ما تربصهم بمدينتهم الأبدية ولان طائر "عوا" مازال يسمع صوته وهو يتخطى بأجنحته سماء سيدي علي افني الضريح الى أن يستقر بالكنيسة فان الغم والهم سينسحب حتما من دواخل هؤلاء وان شيئا ما خارق العادة يتنباء، بغد أفضل طبعا سيكون جميلا، وبأننا لن نحزن ولن نغضب ولن نبكي.. كيف لنا أن نسعد والآلام تذكرنا بلحظة تعيسة في تاريخ الغدر تحاصرنا من كل جانب تلاحقنا كوابيس بلا رأس ولا فصل ، كيف لنا أن نفرح والمستقبل غامض وغير مفهوم، كيف لنا أن نثق بكائنات إنسانية تجد الطعن ، و الثرثرة وكلام كثير بلا معنى ولا مبادئ.. إنه صراع للبقاء وإبراز الذات، سجل التاريخ أن للباعمرانيون يدا وجهد مضنٍ بحثا عن سعادة ما ولو بسيطة تعيد الثقة في النفس ، ربما تستيقظ هواجسنا النائمة ، في انتظار غد لا اسم له ولا عنوان.