نجم ساطع في ليلي، يخبرني دائما بأن سعادة ما تنتظرني.. لا أحب أن تشبه أيامي بعضها، أن تصبح حياتي ميتة رتيبة ومملة، لست محكومة بمزاج الليالي وقسوة الزمن.. أغازله كي يلين وأحاول ما استطعت أن أطرد الكآبة والبغض والأسى والحزن كي لا يستبد بعمري الراكض نحو خط النهاية. أشغل نفسي بأحلامي، بلقاءات يلقي بها القدر في طريقي صدفة، دون ميعاد.. تأتي محملة بما أشتهيه وما لا أشتهيه، فرحا وشجنا، دمعة وبسمة، بأسرار كثيرة وأضواء وفراشات بيضاء وأخرى ملونة. تفاصيل الحياة البسيطة تحقق لي سعادة ما، أحسها وأستلذها برضى رغم الألم.. أسعى إليها بتلقائية دون تعقيد.. أحيانا أتأمل الحياة من الخارج كي أسعد بداخلها، أنظر إليها كأني أودعها.. وكأني في رحيل دائم بحثا عن سعادة ما تنتظرني، قد أصادفها في أي طريق أو ملتقى أحلام. أخاف استبداد الأمزجة وجنونها وتطرفها كيفما وجدت، أمزجة الكائنات الحية والجامدة، فللبيوت مزاج متقلب كمزاج الألبسة والمدن والشوارع والعيون والأحبة والأفئدة. البيوت مزاجها صعب، فقد تظل موحشة وإن كنت مالكها ومن اختار أثاثها وثرياتها اللامعة، والألبسة مزاجها خائن تثور على جسدك كلما أهملته ونكلت به، فقد تشعر بالبرد وأنت ترتدي معطفا شتويا وتلف عنقك بفرو ثعلب ثمين. أما مزاج الأيام فمتسلط جبار، يسحبك إلى روتين مشاكل الحياة اليومية فتفوتك تفاصيل قد تحقق لك سعادة ما كانت تنتظرك لتسبح بإرادتك نحو تيار يجذبك نحو الهموم والأوجاع والهزائم والخسارات، وقد ارتديت الحزن والأرق والشكوى، تسمم حياتك بإرادتك وتجتر آلامك لوحدك. حينما أختنق وأشعر بالقلق أرتب مكتبتي، أنفض الغبار عن الكتب وعن دواخلي، أنظم أفكاري وأطرد هواجسي وأشعر بالارتياح متى انتهيت، لي طقوس تخصني في ترتيب الدهاليز المظلمة في جسدي وروحي، أتربص بالآلام حتى أطردها وأقاوم علّ الفرحة تنتصر رغم الدموع والانكسارات. لقد سلبتني الأخبار السيئة والأحزان المتواصلة والصدمات المتكررة والجراح الغائرة ابتسامتي الطفولية، لكنني أصارع كي تظل السعادة تنبض بداخلي، أتشبث بالأمل علّ الحظ يكون حليفي وإن فشلت وخاب حدسي في الحكم على العيون والقلوب والكلمات والوعود.. أفتح الأبواب الموصدة لأنني أومن بأن سعادة ما تربض حولي أو بداخلي لتسحبني من حزني، وبأن الغد سيكون جميلا، وبأنني لن أحزن ولن أغضب ولن أبكي.. كيف لنا أن نسعد والآلام تحاصرنا من كل جانب، كيف لنا أن نفرح والمستقبل مخيف ومظلم، كيف لنا أن نثق بأصدقاء يطعنون وأحبة يخونون وأيام لا لون لها ولا رائحة ووجوه بلا ملامح وكلام كثير بلا معنى ولا مبادئ.. إنه صراع للبقاء وجهد مضنٍ بحثا عن سعادة ما ولو بسيطة، ربما تمر بمحاذاة حزننا وترقبنا وهواجسنا النائمة كالجمر تحت الرماد، في انتظار غد لا اسم له ولا عنوان.