إن عنوان هذه القراءة المتواضعة لسياسة الجيران، تفرض بعض التوضيحات الأولية. فاسمحوا لي إن قصدت استعمال كلمة «الجيران» وأعني بهم جيران المغرب الشرقيين، هداهم الله الى سوي السبيل، متجنبا ذكر الجزائر أو الجزائريين لما لهذين اللفظيين من وقع على إحساس كل مغربي، فالجزائر والجزائريون، سيظلون في وجدان المغرب والمغاربة مهما كان عبث العابثين، ومحاولاتهم الفاشلة في عرقلة المصير المشترك. كما أن هناك لفظا آخر يحتاج الى توضيح، وهو «التشرتيت». ففي ثقافة الجنوب الصحراوي من المغرب، «التشرتيت» يعني الهلع والنهم. وهو لفظ مشتق من «شرتات»، الاسم الفاعل للتشرتيت. و «شرتات» في الثقافة الصحراوية هو تقريبا نقيض «جحا» في الثقافة العربية، والمتسم بالمكر والبخل. والمفارقة بين الرمزين هي كون «شرتات» يتخذ أشكالا حسب اختلاف الدور المراد منه لعبه. فتارة يكون شخصا، وتارة أخرى يكون حيوانا، وفي كلتا الحالتين، على العكس من «جحا» فشرتات يتصف بالبلاهة والهلع. ومن أقرب حكايات «شرتات» الى «ساسة الجيران» و «من يجري في فلكهم» من الانفصاليين، حكايتان شهيرتان. إحداهما تعكس بلاهة «شرتات» الذي بلغ حدا صار معه ضحية لأكاذيبه الشخصية، والثانية تنم عن هلعه الذي بلغ به أن ارتأى أكل أمه. يحكي عن «شرتات» أنه كان عائدا من سفره الى «لفريك» [مخيم القبيلة أو المجموعة السكانية]. وتسابق الصغار إليه يسألونه عن «الفروح» وهي الهدايا التي تفرح الأطفال والتي كانت عادة حميدة في المجتمع الصحراوي، حيث لاينسى المسافر حق أطفال «الفريك» من الهدايا التي تدخل عليهم البهجة. ونظرا لبلاهة «شرتات» ، كذب على الأطفال بكونه ترك هداياهم وراء الكثبان المجاورة للمخيم. وببراءتهم الصادقة، راح الأطفال يعدون الى الجهة التي أدعى «شرتات» أنه أودع هداياهم بها. وبعد هنيهة، انطلق «شرتات» يعدو وراءهم مصدقا أنه ترك هدايا هناك. وتنطبق هذه الحالة على «ساسة الجيران» . فقد تمادوا في كذبهم إلى أن أصبحوا هم وأدوات إعلامهم، يصدقون كذبهم. ومن آخر تلك الأكاذيب، تحاليل هؤلاء الساسة لرسالة الرئيس الأمريكي أوباما للعاهل المغربي. فقد ذهبت تلك التحاليل الى تأويلات تناقضت حتى مع تزامن الأحداث، لتقول إن الرسالة أغضبت السلطات المغربية وبأن هذه الأخيرة استقبلت ببرودة شديدة، المبعوث الأممي الى الصحراء، الأمريكي كريستوفر روس، خلال زيارته الأخيرة الى المنطقة، في حين أن هذه الزيارة سبقت كرونولوجيا، الرسالة المذكورة للرئيس الأمريكي. وكذلك من بلاهة و«تشرتيت» «ساسة الجيران»، أن ذهبت صحيفتهم «لكسبرسيون» الناطقة بالفرنسية، إلى توصيف النهج الأمريكي الجديد في المنطقة، بالمطابق لسياستهم وذلك في مجالي «حقوق الإنسان» و«حق الشعوب في التحرير».. سبحان الله.. وقد لا تستغرب «تشرتيت» «ساسة الجيران»، إذ أصبحوا يقرأون ببلاهة تُشْفي «أحلامهم» الصغيرة.. والضيقة. بل إن تلك القراءة جعلتهم يستبدلون مصطلحات ببلاغات رسمية لبلدان مستقلة حتى تتلاءم مع «تشرتيتهم». فقد استبدلوا الأسبوع الماضي، مصطلح «الساكنة الصحراوية» ب «الشعب الصحراوي» في البيان الصادر عن وزارة الخارجية النرويجية (10 يوليو 2009)، ولتصحيح القراءة، دون الأمل في كون «شرتات» قد يفهم القراءة الصحيحة، نقول إن ما جاء في رسالة أوباما الموجهة لملك المغرب، قد لا يفرح تماما «ساسة الجيران»... فقد قال بالحرف: «إنني أدرك ما يعني موضوع الصحراء من أهمية قصوى لجلالتكم ولبلدكم وللشعب المغربي..» والعاقل يستنبط معنى الإدراك.. بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي، وفي خطابه الموجه مؤخراً إلى شعوب وساسة القارة الإفريقية، من العاصمة الغانية، أكرا، أغفل جملة وتفصيلا الصراع المفتعل في منطقة شمال غرب إفريقيا. وعودة إلى نص البيان الصادر عن الخارجية النرويجية، فقد افتتح بالإشارة إلى أن الخلاف حول الصحراء، هو قائم منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي، أي قبل نشوء «ساسة الجيران» وأذنابهم. كما أن البيان لم يشر قط، إلى «الشعب الصحراوي».. بل أفاض التحدث عن الوضعية الإنسانية المزرية في المخيمات وعن وضعية الفقر بين العائلات المتواجدة هناك، وضرورة استعجال حل للمشكل.. كما أن «شرتات» لن تسنح له فرصة اختلاس المساعدات الإنسانية، فقد حدد البيان القنوات التي سيمر عبرها ذلك الدعم. أما الحكاية المتعلقة في بلوغ الهلع حد أكل الأقارب، فإن تاريخ «ساسة الجيران» حافل بالانقلابات على «الأعزاء»... فقد سلموا الانفصالي الكناري «أنطونيو كوبيو»، من جزر الكناري الاسبانية قبالة المغرب، على كرسي متحرك، لسلطات الدكتاتور الاسباني «فرانكو»، بعد أن أحرزوا له على كرسي «مراقب» بمنظمة الوحدة الافريقية.. وذلك في صفقة متعلقة بالصحراء. كما أنهم قضوا على زعيم المنظمة الباسكية «إيتا» ، المدعو «توكسيمين» ومساعده الأول، في «حادثة سير» سنة 1986، وطردوا كل قادة تلك الحركة مقابل منع السلطات الإسبانية آنذاك، الرئيس الجزائري المنقلب ضده، من اللجوء إلى «قاديس» باسبانيا، ومن إصدار مجلة معارضة من هناك.. ولذلك فقد لايفرح «أعزاء» «ساسة الجيران».. فقد يأتي دورهم يوما ما، وربما أقرب مما يتصور المرء، لكي يسمعوا «يابني.. عينك عين النعجة».