بقلم : عبيد أعبيد في خضم هذه الرسالة، سأحاول إزالة الغموض واللبس عن خطاب رسمي لطالما شكل لي شخصيا وللكثيرين إستفزازا للفكر والذهن المهني، والمتعلق أساسا بنقاش الأخلاقيات المهنية، و كانت الشرارة في هذا الموضوع في حدثين ملفتين.
الحدث الاول، كان مع ضجة كتاب " الملك المفترس " لمؤلفه " إريك لورون" رفقة زميلته "كاثرين كارسييه"، الذي نشرت خبر إصداره مع بعض التعليقات بشأن محتواه صحيفتين واسعتي الإنتشار دوليا، الأولى هي "لوموند" الفرنسية، و الثانية هي "الباييس" الإسبانية، أين المشكل ؟
المشكل والملفت هنا هو مصادرة السلطات المغربية لأعداد صحيفة "الباييس" الإسبانية المتناولة لقصاصة خبرية عن كتاب " الملك المفترس" دون مصادرة الصحيفة الفرنسية التي تناولت هي الأخرى الخبر بنفس الحجم والقيمة والزاوية ( لأنها صحيفة اليسار المسيحي بفرنسا أقوى فاعل وشريك في الهولدينغ الملكي )، والحجة هذه المرة كما عممتها وكالة الأنباء الرسمية في بيان رسمي، الفكرة السيف فيه " ..خرق لأخلاقيات مهنة الصحافة المعمول بها وطنيا ودوليا ..".
والحدث الثاني، تناول خطيب مسجد باب الريان بالبيضاء في خطبة الجمعة وأمام الملك محمد السادس كأمير للمومنين، موضوع يعد في واقع الأمر رسالة موجهة من وزارة الأوقاف كنيابة عن الدولة ووزارة داخليتها إلى الصحفيين المناضلين والمزعجين بالمغرب خلال الأيام الأخيرة، ومفاد الخطبة التي نزلت بمقام فتوى "ان الله تعالى يحذر ويحرم الإستماع إلى الأخبار والأنباء التي من شأنها نشر الفتنة والفرقة بالمجتمع المطمئن، ووجب على ناقلي الخبر (الصحافيين) التروي والتريث والتثبت والتخلق والإلتزام بأخلاقيات المهنة "، بغض النظر عن مضمون الخطبة التي لم يكن إختيارها بشكل إعتباطي وحسن النية، فقد كانت بمثابة رسالة ممن حضر للمسجد للصلاة لتمرير رسالة سامية لصحافة مزعجة صبيحة كل يوم.
إذن، ففي الأمر نوع من الإستفزاز والإستهتار بالجسم الصحفي من جهة، وإستحمار ذهن وعقل وذكاء الرأي العام من جهة أخرى، وحتى إن كنا على قيد نقاش الأخلاقيات لمهنة الصحافة، فهل المقصود بها عدم السب والشتم ومس كرامة وحياة الأفراد، أم هي عندما يمس الصحافي بعض الخطوط الحمراء المزعجة والمربكة لمن يحتمي بالسلطة والسلطان؟
فلماذا بالضبط بالمغرب يحضر خطاب "أخلاقية المهنة والضمير المهني وحسن الأداء والمسؤولية والإلتزام والإحترام ..."، تحديدا وحصريا على طاولة نقاش العمل الصحفي والإعلامي ولا يحضر في ميادين مهنية أخرى أكثر تأثيرا ومصيرية بالرأي العام .
فلماذا يكثر الحديث عن أخلاقيات مهنة الصحافة، دون أن يكثر عن مهنة خطيب الجمعة، الذي أضحت خطبته بعيدة عن أي تأثير روحاني، بل أضحت عبارة عن خطبة سياسية حزبية مخزنية خبيثة تستحمر وتستغبي ذكاء الحاجين لملاقاة الخالق الباري، حتى أن بعض الخطباء شرف الله وجههم، لم نعد نفرق، هل هم رجالات دين ودعوة أم رجالات سلطة وأمن وجلادين أم مناضلين سياسيين منضوين تحت لواء حزبي ظاهر للقاصي والداني؟. بل والمضحك في الأمر هنا، أن بعض رجالات الدين أضحوا مظهرا لإنحطاط وهزالة مؤسسة "الفقيه" بالمغرب، تتيح لأعداء الدين والتدين فرصة الإستهتار بقيم المجتمع، فنكتة العصر المسماة ب" الزمزمي"، بعد أن أضحك العالم بفتوى " تحليل زنى الجثث"، هاهو مرة أخرى يحاول إصراف الرأي العام المغربي عن فضيحة "لاكريمة" بفتوى، لا بل بوصفة جديدة ومهينة "تحليل زنى الجزر".
فلماذا يكثر الحديث عن أخلاقيات مهنة الصحافة، دون أن يكثر عن القضاء المغربي المرتشي والغير عادل وجل أحكامه تبدو فادحة وسياسية لمن يحضر لأول مرة بقاعة المحكمة؟، أما قضاته فقد أضحوا أصحاب أرصدة بنكية ضخمة بعد عشية تعيينهم على محاكم الرباط و البيضاء وسلا والقنيطرة وطنجة ومراكش وأكادير، وهي ذات المحاكم التي أصدرت أحكام مرغت هبة السلطة القضائية بالمغرب في وحل الإهانة والفساد والمافيا، والشهادة هنا من تقارير منظمات دولية لمن يتهمنا بالعدمية والتحامل .
فلماذا يكثر الحديث عن أخلاقيات مهنة الصحافة، دون أن يكثر عن مهنة الأمن والشرطة كما هو الشأن في الدول التي تحرص على إحترام نفسها أمام مواطنيها؟، فهل هبة الدولة والأمن العام تكمن في حماية المواطن المقهور والمغلوب من مرارة زمانه وعيشه وإحقاق الكرامة والعزة له في بلده، أم تكمن في السطو والتسلط عليه أمام أبنائه وبناته وسبه وشتمه ونعته بنعوت قدحية وعنصرية ؟
فلماذا يكثر الحديث عن أخلاقيات مهنة الصحافة، دون أن يكثر عن مهنة التعليم، التي تمس حياة ومستقبل وشرف الأسر المغربية، ألا يستحق حادث إغتصاب رجل تعليم لتلميذة قاصرة من تلامذته بمدينة سيدي قاسم تعميق النقاش وإكثار الحديث عن أخلاقية مهنة التعليم ؟ ناهيك عن غطرسة رجال تعليم بمناطق نائية بالصحراء والتي شردت مستقبل أطفال وأبناء أسر فقيرة كانت تحلم أن تعيش لحضة من يعينها من مرارة المناخ والفقر والبطالة والأمية والإستغلال . بدل أن تلاحقهم في السجون، والسبب، هم بعض رجال التعليم .
فلماذا يكثر الحديث عن أخلاقيات مهنة الصحافة، دون أن يكثر عن مهنة البرلماني الذي تعاقد مع عباد الرب أمام الله ثم أمام القانون على أن يضرب الطاولة في وجه وزراء اليوم، ولا شي من ذاك قد حصل ؟ ألا تستحق نسبة 50 في المائة من البرلمانيين الغائبين والمغيبين في كل جلسة برلمانية بمجلس النواب، تعميق النقاش عن أخلاقية مهنة البرلماني في خطب الجمعة التي تصدرها وزارة الأوقاف ؟
فلماذا يكثر الحديث عن أخلاقيات مهنة الصحافة، دون أن يكثر عن مهنة الطب والتطبيب، خاصة عندما تلج سيدة لأول مرة في تاريخ عمرها مثقلة بجنينها إلى المستشفى ولا تجد من يعيرها إهتماما اللهم بعض القطط السمينة والمرعبة، فعادة ما تكون المستشفيات كئيبة بسبب حرمانها من عطل أيام الآحاد، لذلك تعذب كل أولئك المرضى الذين ينامون عندها، وأحيانا تبعث بهم إلى عائلاتهم داخل صناديق خشبية بأعضاء غير كاملة تقريبا، ناهيك عن ما يجدونه الأطباء من الكلمات المناسبة ليشرحوا أمامك أن حاجتك إلى الحياة ليست بأهم من حاجتهم إلى الراحة. وعادة ما يتبعون كلماتهم المهذبة بابتسامة تحير طويلا في مغزاها.
إذن، فالسؤال المؤرق والملفت هنا، لماذا يغيب أو يغيب خطاب الأخلاقيات المهنية في العمل القضائي والديني والأمني والحكومي و البرلماني والطبي و التعليمي-الأكاديمي والإداري، ويحضر بقوة في العمل الصحفي المهني والمزعج تحديدا وحصرا ؟؟ أليس في الأمر تكالبا وتحاملا عن قدسية حرية الرأي والتعبير بالمغرب ومحاولة لجلب عطف الرأي العام الوطني من أجل شرعنة عملية تكميم الأفواه المزعجة والمرعبة لمن يفسد وراء أسوار السلطة؟؟