لماذا لا تكتبون عن الأطباء؟ هل تخافونهم؟ لماذا لا تطالبون المجلس الأعلى للحسابات بالتدقيق في طريقة عملهم وأموالهم، ولماذا لا يجبرون على التصريح بممتلكاتهم؟ لماذا لا تكشفون عن هذه الأخطاء الطبية التي صارت هي القاعدة؟ لماذا لا تفضحون علاقات المصلحة والصداقة بين الأطباء والتي يذهب ضحيتها المرضى؟ لماذا لا تفضحون أطباء بلا ضمير، هدفهم الأول والأخير تكديس المال على حساب بؤس الآخرين؟ كان هذا كلام مواطن غاضب اتصل بي هاتفيا وهو يتساءل بحرقة لماذا لا نكتب عن الأطباء، وهفوات الأطباء، وأخطاء الأطباء، وأشياء كثيرة أخرى، فقررت أن أكتب شيئا عن كل هذا، لا لفضح أحد، بل كشكل من أشكال النصيحة، لأن صورة الطبيب في المغرب أصبحت تكتنفها الكثير من معالم التشوه، مع تأكيد أنه لا يجب وضع الأطباء كلهم في سلة واحدة، لأن هناك كثيرين لا يزالون يشتغلون بضمير متقد ويعرفون أن المريض ليس ضرع حليب بقدر ما هو حالة إنسانية. ليس هذا الرجل الغاضب وحده الذي لا يفهم كيف أن كثيرا من الأطباء لا يزالون يمارسون اليوم سياسة دعم بعضهم البعض وعصر المريض حتى آخر قطرة، فالمغاربة كلهم صاروا لا يفهمون كيف يربط أطباء كثيرون بين مهنتهم وبين جمع الثروة، وكيف أن كل طبيب يفحص مريضا يبعث به بعد ذلك إلى صديق آخر له، ويستمر المريض في «التنقاز» بين العيادات والمختبرات والصيدليات حتى يتمنى الموت فلا يدركه. من الصعب سرد حكايات عما يجري في العيادات والمستشفيات، لأن كل مواطن مغربي يمكنه أن يؤلف كتابا لو شاء أن يجمع حكاياته في هذا المجال، لكن قد تبدو بضع حكايات ضرورية، مثل ذلك الطبيب الذي وضع في عيادته لوحا خشبيا بمصباح يتحرك ليخدع به البسطاء، وضاعف سعر المعايدة لأنه قال إن ذلك جهاز كشف جديد اقتناه بأموال كثيرة، بينما هو في الحقيقة خدعة صنعها له نجار. هناك أطباء نساء يحتاجون إلى أطباء نفسانيين لكي يوقفوا التحرش بمريضاتهم. ولا يكفي هنا سوق مثال أو اثنين لحالات تحرش، لأنها كثيرة إلى درجة أن كل امرأة تقريبا يمكنها أن تحكي أكثر من حكاية مع أطباء لا تستيقظ فحولتهم إلا مع مريضاتهم. في طب الأطفال، يبدو الوضع مرعبا. وتحكي امرأة كيف أنها توجهت مؤخرا بطفلها، الذي لم يكمل الشهرين، إلى طبيب فكتب له لائحة طويلة من الدواء، مع أن الطفل لا يزال مجرد مضغة لحم ولا يرضع غير الحليب، والسبب هو أن الطبيب له يد في الصيدلية القريبة. هكذا يبدو الطفل المريض مجرد وسيلة لرفع أرباح الصيدلية. هناك كارثة أخرى تسمى «الشهادات الطبية» التي يمنحها أطباء في أي مكان ومقابل أي شيء. هناك أطباء يمنحون شهادات طبية من داخل سياراتهم، حتى إن هذه الشواهد أصبحت وسيلة ابتزاز قانونية، حيث يمكن أن يتشاجر شخصان، ويتوجه أحدهما إلى طبيب مرتش ويحصل على شهادة عجز مرضي تخول له مقاضاة الطرف الآخر، وأحيانا لا يتم التنازل إلا مقابل مبلغ مالي. ولا أحد يعرف لماذا لم يقرر وزير الداخلية ووزير العدل بعد فتح مكتب خاص في الكوميساريات والمحاكم للتدقيق في مصداقية الشهادات الطبية التي يأتي بها كثيرون. لقد أصبحت تجارة الشهادات الطبية قائمة الذات، وبسببها يوجد الكثير من الأبرياء في السجون. هناك أطباء لا يعرفون غير كلمة «عملية جراحية»، فيبدون مثل جزارين يقفون على باب مسلخ. وهناك أطباء يقدمون أو يؤخرون مواعيد العمليات الجراحية حسب الإغراء المقدم إليهم. الغريب أننا نكتب، في كثير من الحالات، عن شطحات طبيب معروف بنزواته، فيكون أول من يتصل هو زميل له للدفاع عنه. إنهم يمارسون لعبة «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما»، وهذا التضامن المهني، بقدر ما هو نبيل في مضمونه، فإنه في حقيقة الأمر سيئ جدا في مجتمع أصبح الناس يتحدثون فيه عن الأطباء بصورة فيها الكثير من السلبية. وعموما، فإن أطباءنا ليسوا سوى جزء من حالتنا العامة. فالقضية في البداية والنهاية قضية مجتمع ينخره الفساد... وكما تكونوا يكنْ أطباؤكم ومحاموكم وصحافيوكم وأشياؤكم الأخرى.