في هذا الجزء، سنتعرف على التوحد من وجهة نظر طبية، بعد استكمال الحوار الذي جرى مع رئيس جمعية "لييا لسامي" لماذا ليس هناك أطباء متخصصون في هذا المرض؟ هناك مشكل في المدرسة الفرنسية التي تدرس التحليل النفسي، حيث تعرف 50 سنة تأخر في الأبحاث المختصة بمرض التوحد، فتتعامل معه على أساس مرض نفسي، في حين أتبت في العالم بأسره أنه مرض ذو طبيعة نوروبيولوجية، أي عصبية بأسباب جينية. وبما أن أغلب الأطباء المغاربة المختصين في الطب النفسي للطفل درسوا بفرنسا، فإن هذا التأخر يسري على المغرب أيضا. إذا بما أن أسباب المرض جينية، فإن الطفل المتوحد يولد بهذا المرض، ولا يصاب به بعد الولادة، وبالتالي فسؤالي هو، أليس للقاح علاقة بالمرض؟ سأجيب بوضوح، ليس هناك دراسة في مركزنا أكدت أو نفت هذه العلاقة، خصوصا أن للمرض عوامل مختلفة ومرتبطة متسببة فيه. وبما أن اللقاح ضروري للطفل، فهو يقي من أمراض مميتة، فلا يمكن أن أجزم في الأمر، لعدم إحداث توتر لدى الآباء الذين سيلقحون أطفالهم حديثي الولادة. وعندا ستتطور الأبحاث، ستكشف عن هذه العلاقة. هل هناك أطفال طوروا قدراتهم مع العلاج النفسي؟ في الحقيقة هذا المرض إلى حد الآن ليس له علاج، لكن التدريبات التربوية التي نطمح إلى إدراجها في برامج تعليمة تساعد الطفل المتوحد على تطور قدراته اللغوية وإمكانياته في التواصل مع العالم الخارجي. ويجب أن أضيف أن مستويات التوحد تختلف من طفل لآخر. فهناك أطفال لديهم توحد حاد، يجب استمرار رعايتهم ومرافقتهم مدى الحياة، وآخرون بتوحد متوسط أو خفيف، يقدرون على التفاعل مع البرامج البيداغوجية بسرعة، ونلاحظ ردود فعل إيجابية كنتيجة لتلك البرامج. لماذا ترفض العائلات الإفصاح عن مرض أطفالهم؟ هذا قلة وعي من جهة الآباء، وأيضا من جهة المجتمع. حيث أن الآباء يعتبرون طفلهم مصابا بمرض عقلي، الذي يرفضه المجتمع بشكل قاطع. فيظل الطفل في عزلة قد تتسبب في زيادة في المرض. في حين تحرص الجمعية على إدماج الطفل في المجتمع.ج أنا أنصح الآباء بالمثابرة على مساعدة أطفالهم والصبر في رعايتهم، والوعي التام بأعراض هذا المرض الخطير ليتمكنوا من التعامل مع الطفل بالطريقة الملائمة. هل تجد الجمعية أي مساعدة من طرف الدولة؟ منذ سنة 2007 اقترحنا إنشاء أقسام في مدارس حكومية أو خاصة لتعليم الطفل المتوحد. واشتغلنا مع أعضاء وزارة التربية الوطنية السابقة مع الوزير المالكي في اتفاقية تنص بانضمام الأطفال المتوحدين إلى المدارس العمومية في أقسام خاصة. وكنا قد حضرنا جميع الوثائق اللازمة مع المصلحة القانونية وجميع مصالح الوزارة. وغبت شهرين، وبعد رجوعي مع الوزارة الجديدة لم أجد أي رد على مطالب الجمعية رغم محاولات الاتصال الدائمة حتى الآن. اختفت الاتفاقية بالمرة. ليس هناك أي نوع من أنواع الدعم من طرف الحكومة، وهذا مؤسف حقا، لأنه يضيع من حقوق الأطفال المصابين بمرض التوحد. من طنجة، أم تحكي قصة ابنها المصاب أم من طنجة، حكت عن معاناتها مع طفلها الوحيد المصاب بمرض التوحد، وعن عدم وجود أي متخصصين في هذا المرض، تحديدا بالمغرب، لكن هناك أطباء أطفال تخصصوا في علم النفس لمواجهة إضرابات السلوك وفحص نفسية الطفل المريض، وهم يقومون بمجهودات جبارة في هذا المجال؛ لكن المجتمع ككل لازال لم يتقبل هذا المرض كمرض نفسي، وينظر إليه كمرض عقلي. علمت الأم بإضراب السلوك لدى ابنها الذي أكمل سنته السادسة، حين لاحظت مديرة روض الأطفال الذي كان يذهب إليه أن لديه مشكل في اللغة والنطق والتواصل، وأنه مفرط النشاط، بالمقارنة مع أصدقائه، كما أنه يصبح عدائيا في بعض الأحيان. وبعد مدة، لاحظت المديرة أنه لا يستطيع اللعب مع باقي الصغار، وأنه لا يقوم بنشاطاته كما يجب، أي أن لديه نقص في التركيز. وبذلك، أخذته الأم إلى الدكتورة الصنهاجي، طبيبة أطفال بمستشفى الأطفال بسويسي، التي شخصت الحالة، وشرحت للأم أن أسباب المرض قد تكون وراثية، أي جينية، كما قد تحدث بعد الولادة. وكان ذلك سنة 2008، حين بلغ الطفل سنته الخمسة، وهذا، كما أخبرتنا الأم، دليل على انعدام التشخيص المبكر للمرض، الذي غالبا ما ينتج عن طمأنة الطبيب الدائمة للآباء عن ملاحظتهم أن طفلهم له سلوك غير عادي أو عند نقص في التعبير أو التركيز. وبذلك، اشتركت الأم في منظمة لييا لسامي"، وانطلقت في تدريبات مستمرة بمراقبة دكاترة الجمعية، كتدريب "أ، ب، أ" لمراقبة وضبط السلوك وقلق الطفل، كما توجهت إلى معالجة اضطرابات التواصل، أو ما يسمى ب"أورتوفونيست"، لتدريب الطفل على الكلام، وتطوير مهاراته اللغوية. لكن الأم أيضا تشكو من عدم وجود أقسام دراسية تسمح للأطفال المصابين بالتوحد من الدراسة والتعليم، ولو بوجود مرافقة، لمراقبته وضبط تصرفاته. وتعمل مع الجمعية لمشروع مدرسة مستقبلية لتمكين أطفال التوحد من الاستفادة من التعليم في سن مبكرة هكذا كان حواري مع الدكتور أمين بنجلون، أخصائي في الطب النفسي للأطفال: صورة الدكتور ما هو مرض التوحد؟ التوحد هو مرض نادر نسبيا، (10 من كل عشرة آلاف طفل، عكس ما تقول العديد من الجمعيات)، وهو مرض يؤثر على شخصية الطفل وقدرته على التعبير الرمزي، أي قدرته على التفكير وإيصال أفكاره، وأيضا على إمكانية أن ينقل للآخر حالة نفسية خاصة، أو فكرة مختلفة. ما هي أسبابه؟ أسباب مرض التوحد متعددة، هناك عوامل جينية، التي تفعل بعوامل بيئية واجتماعية، أي بعبارة أخرى، تخضع ل تأثيرات ناتجة عن عوامل طبيعية كنوعية العلاقات بين الأشخاص. وبأي حال من الأحوال، لا يمكن لمجموعة عوامل لوحدها أن تمنع هذا المرض، فهو نتيجة تداخل عدة مجموعات من المؤثرات. هل اللقاح له أي دخل في الإصابة بهذا المرض؟ لا، ليس للقاح الأطفال أي دخل في الإصابة بهذا المرض، بل إن هذه الأفكار ليست في مصلحة الطفل نهائيا. ما هي أعراض المرض؟ أهم الأعراض، هي مشاكل التواصل اللغوية، والحركية، إضافة إلى اضطرابات التواصل الاجتماعي، أو التنشئة الاجتماعية، واهتمام ضعيف بالأطفال الآخرين، مع صعوبات أو حتى انعدام في القدرة على اللعب كغيرهم من الصغار مع باقي الأطفال. ومن بين الأعراض أيضا، حركات نمطية متكررة، وغير مفهومة للأناس الغير واعين بهذا المرض، وإعاقة أو شذوذ في النظر. وهناك شيء مهم جدا، مثبت وموثق، ولكن يصعب للآخرين تقبله أو الإفصاح عنه، وهو وجود تخلف عقلي متوسط إلى عميق لدى الطفل المصاب، في أكثر من %70 من الحالات. تتمة... [email protected]