التوحد (الجزء 3) راسلني عدد من القراء ينوه بإثارتي للموضوع الذي قل ما يتحدث عنه في المجال الإعلامي. وببساطة الاستجوابات التي طرحت أو رتابتها عند بعض القراء واختصار البحث في المرض إلا أني راضية عن العدد القليل من القراء الذين استفادوا من اختياري للموضوع لمعاناتهم الدائمة مع المرض بوجود طفل مصاب في ذويهم أو محيطهم. وبذلك فهو موضوع يلقي الضوء على المرض ويذكر المعنيين بالأمر بوجوب الاهتمام بالأطفال المصابين بالتوحد وذلك بتخصيص مؤسسات أو على الأقل أقساما دراسية لهؤلاء الأطفال بمعلمين متخصصين في التعامل نفسيا معهم وفي كيفية تلقينهم لمواد التواصل. كان الهدف من استجواب رئيس جمعية وطبيب هو عرض وجهتي النظر التي غالبا ما تكونان متعارضتين بين تشخيص المرض كمرض عقلي يعالج بعقاقير أو نفسي يعالج بجلسات وبين أسبابه التي غلبا ما يشخصها الأطباء بكونها نوروبيولوجية وأخرى يصنفها أفراد الجمعيات بكونها أخطاء بشرية كطريقة توليد الطفل أو اللقاح .. إلخ. وبالتالي فإنما المغزى من الموضوع هو الطرح والإبراز والتذكير أيضا أكثر من كونه بحثا علميا لا يوجد له شبيه في الكتب أو على النت، وخصوصا أنه يمكن تناوله من الجهة الاجتماعية من حيث إهمال وتهميش الأطفال المصابين بالمرض وقلة رعاية الدولة لهم واهتمامها بهم. وآمل أن هذا ليس آخر موضوع صحي سأتطرق إليه. تتمة الموضوع كيف يمكن للآباء أن يعرفوا بإصابة الطفل في سن مبكرة؟ يمكن للتشخيص أن يبدأ عند الشهر 18. وقد بينت كل التجارب أن أفضل المشخصين الذين يمكنهم اكتشاف المرض لدى الطفل هم الآباء في السنة الأولى للطفل، وذلك عند قلقهم بانعدام الإجابات والردود من طرف الطفل، ليأخذوه مباشرة إلى طبيب مختص للكشف. بينما هناك ذاك النوع من الآباء الذين يتركون الأمر دون ردة فعل، بإجاباتهم الكلاسيكية " سيتحدث لاحقا، لا يعاني من شيء، ستمر هذه الحالة قريبا"، مما يؤدي إلى مضيعة للوقت، من ثم إلى ارتباك شديد، وسوء فهم. يمكن أن نثير التشخيص إذا كان الطفل لا يشير بأصابعه إلى ما يريد، وذلك بعد أن يكون قد أنشأ علاقة تبادل بصري قوية مع العالم الخارجي، التي تكتمل حوالي الشهرين السابع والثامن. وأيضا إذا كان الطفل لا يأخذ البالغين إلى الأشياء التي يرغب بها، بعد أن تكتمل عنده علاقة تعبيرية حقيقية مع البالغ، وذلك فور بدأه بالمشي خلال الشهر 14 تقريبا. وإذا كان لا يلعب مع البالغين بتمثيله الادعاء...(بالغضب، أو الضحك، أو النوم...) خلال الشهر 18 تقريبا. إذا انعدم الثلاثة في سلوك الطفل، يجدر بالآباء القلق حيال ذلك، والاستشارة المستعجلة. هل هناك أي وقاية يجب اتخاذها؟ قبل الزواج، على سبيل المثال، حيث أن الأسباب الجينية من مسببات المرض؟ في حقيقة الأمر، لا يجب أن نسقط في هذا المشكل، لأن وقوعنا في هذه المعضلة سيسبب مشاكل كثيرة في العلاقات. لكن في بعض الحالات، يمكن تقديم المشورة حول المشاكل الجينية التي تسببها العلاقات، كالزيجات من نفس العائلة مثلا. كيف التعامل مع الأطفال المصابين؟ التعامل أولا بعقلانية، وهو إنسانيا وأخلاقيا التعامل الأكثر احتراما، بتواز مع التربية. يجب أولا وقبل كل شيء على الآباء أن يفهموا هذا المرض المبهم من الداخل، حتى يتمكنوا من الدخول إلى العالم المضطرب لطفلهم المصاب. ما هي الأبحاث العلمية الجديدة حول هذا المرض؟ هناك أبحاث في مسارات مختلفة، وكلها غنية مكملة لبعضها. هناك أبحاث في التحليل النفسي، إضافة إلى أبحاث في السلوكيات، وأخرى تدريبية مكملة، من نوع أ.ب.أ. كما أن هناك دراسات بيولوجية، وراثية، وبيئية تتمحور حول أسباب المرض. هل تنصح آباء الأطفال المصابين بالتوجه إلى جمعيات؟ نعم، للأسف، لأن هذا ناتج عن فشل في الهياكل الدولة. بالنسبة لي، جمعية "لا باسوريل" بالرباط، هي مثال للجمعية النموذجية، وأنصح كل الآباء بالتوجه إليها. حيث لديها باع طويل من الخبرة، والبحث، وأسس نظرية وعلمية متينة، إضافة إلى منهج في احترام العائلات والمرضى. هناك أيضا جمعيات في الدرا البيضاء تعمل بشكل جيد، وأئتمن لديهم مرضاي الصغار في كامل ثقة. ************************************************************* أسامة من الجديدة، والمعاناة الدائمة للأبوين أسامة، طفل في السنة الثامنة من عمره، يعيش في عالمه الخاص. بين حركاته المضطربة الكثيرة، وكلامه المتقطع، يعاني والديه ياسر نور الدين، رجل تعليم، وفتيحة ربة بيت، الأمرين ليحاولوا جاهدين إيجاد وسط اجتماعي يتقبل مرض ابنهما، لتعليمه بإدماجه في مجتمع لازال يعرف القليل عن هذا المرض الذي ينتشر ويلمس من كل ألف طفل ستة أطفال، حسب الإحصاءات العالمية. ولد أسامة ولادة قيصرية، وكان شكله عاديا، لا يوحي بأي اضطراب عقلي أو علامة إعاقة، أو مشكل نفسي. لكنه تأخر في الكلام، وبدأت الشكوك تراود والديه، رغم طمأنة الدكتور لهما باستمرار. وعلى سن تناهز السنتين ونصف، أدخله والداه إلى روض الأطفال، فلاحظت المربية أنه لا يتجاوب مع باقي الأطفال، ثم حولاه إلى روض آخر، لتأكد لهما المربية مرة أخرى شكوكهما. وبذلك، عرضاه على دكتورة الأطفال " لوافا فاطمة"، المتخصصة في مرض التوحد، حيث شخصت الحالة، بعد تركيزها على أعراض المرض المتلخصة في ضعف القدرة على التجاوب والتواصل، وتشتت الفكر، وكثرة الحركة، وتكرارها بطريقة غير قابلة للسيطرة، وفي بعض الأحيان، عدوانية في السلوك. فأخبرت الدكتورة ياسر وزوجته فتيحة أن هذا المرض لازال مجهولا في أوساطنا المغربية، وأن لحد الآن ليس له دواء، عدى الدورات التدريبية المكثفة والمراقبة المستمرة،. كما تحدث ياسر عن عدم وجود أي مدرسة في مدينة الجديدة لكفل الأطفال المرضى بالتوحد، وللنظر في أمر إحداث قسم مخصص لهؤلاء الأطفال، لكي لا يفوتهم سن التعلم دون أن يحصلوا على أي اهتمام أو إدماج في الدراسة الابتدائية. أم ياسر، السيدة فتيحة، اختارت أن تكون ربة بيت لرعاية ابنها ولمراقبته باستمرار، فهو يحتاج إلى عناية دائمة ومكثفة، حيث أنه يعاني من مرض الصرع، الذي غالبا ما يكون عرضا من أعراض مرض التوحد عند الكثير من الأطفال المصابين، وبالتالي يحتاج لأخذ الدواء بصفة منتظمة طوال اليوم. كما صرح الأستاذ ياسر أنه يأمل في إحداث مركز وطني للتوحد، بفرع في مدينة الجديدة، ليخفف ولو بقليل من معاناة الوالدين والطفل اليومية. ************************************************************** ************************************************************* تصريحات "جيني ماكارتني" الممثلة الأمريكية التوحد هو اضطراب في النمو العقلي، وهو نوع من الأمراض التي تنطوي على التأخر في تطوير العديد من المهارات الأساسية. أبرز أعراض مرض التوحد هو عدم القدرة على ربط أي شكل من أشكال العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، إضافة إلى تأخير في القدرة على التواصل واستخدام الخيال. في حين أن كل مرضى التوحد لديهم هذه المشاكل المتعلقة بالتواصل واللغة، لكن التشخيص والعلاج المبكر ساعد العديد من الناس المصابين بهذا المرض من العيش باستقلالية كبالغين. لكن لازال هناك غموض كثير محيط بهذا المرض، وأشياء تطرق لها الأطباء المختصون في الخارج، ولازالت لم تذكر هنا بالمغرب، ومن بينها اللقاح، الذي كما أشارت إليه الممثلة "جيني ماكارتني"، الذي شخص ابنها الوحيد بمرض التوحد سنة 2004، ومنذ ذاك الوقت أصبحت تناضل من أجل اكتشاف أسباب هذا المرض وإحداث جمعيات لمساندة البحث العلمي للكشف عن ظواهر وعلاج التوحد. وتحدثت في كتابها "الأمهات المحاربات"، الذين يتحدث عن مناضلتها من أجل ابنها المصاب "إيفان"، عن أن لقاح الأطفال قد يكون من بين مسببات هذا المرض، حيث يحتمل أن هناك أطفال لايتحملون بعض أنواع اللقاحات التي يتحملها آخرون، وقد تحدث خللا في النمو العقلي للطفل. وقد لقي تصريحها هذا معارضة كبيرة من طرف الأطباء، ورفض من طرف العديد من الآباء، مبررين ذلك بأن اللقاح ضروري ولا يمكن أن يضر بالصحة العقيلة لأي طفل. وقد حاولت جيني وجود حلول أخرى لمعالجة ابنها، مثل تغيير عاداته الغذائية، بتجنيبه للمأكولات التي تحتوي على مواد كيماوية، وتعويضها بالأغذية العضوية، والألبان والخبز المتكامل. كما حاولت مع ابنها لتعليمه كيفية اللعب نهج النماذج البصرية، لتقريبه من ألعابه ومحاولة إخراجه من عالمه الخاص. **************************************************************** أبحاث جديدة أعلن باحثون في مجلة "الطبيعة والوراثة" الأمريكية، عن المراحل الأولية للمشروع الذي يبحث العوامل الوراثية المسببة في مرض التوحد. كشف الباحثون عن المواد الجينية لأكثر من 1500 أسرة، ولكل منها أكثر من فردين مصابين بمرض التوحد، للبحث عن العوامل المشتركة بينهم؛ وقد وجد التحليل بعد الإطلاع الدقيق على أن مورث الاضطراب موجود في منطقة بالصبغي 11، الذي، كما يبدو، يشترك فيه العديد من العناصر المدروسة. هذا المرض الذي يؤثر على حوالي 6 من كل 1000 طفل عالميا. ****************************************************************