مهما سعينا في البحث عن وصف ملائم للمجتمع في حالة غياب القراءة لدى أفراده فلن نجد أفضل من نعته بكونه ينحو نحو الموت . ذلك أن القراءة من حيث كونها انفتاحا دائما على فكر الاخر لمعرفة ما يحمله من رؤى تجاه الوجود ، فهي أيضا اكتشاف لأغوار الذات من خلال ردود فعلها تجاه المقروء، ولذلك كلما انعدمت القراءة أو قلت كلما ضعفت معرفة المرء بالاخر مثلما تضعف معرفته بذاته ، ليغدو كل نشاط صادر عنه نوعا من الفعل التلقائي الذي لا يستطيع أن يعطيه معنى ، وتصبح من ثم علاقته بذاته ومحيطه علاقة أقرب إلى البدائية التي تتسم بالسذاجة وردود الفعل التلقائية التي لا يمكنها أن تنتج ثقافة ولا حضارة ، لا سيما في عصر أهم سماته الصراع الثقافي والتسابق المعرفي ، اللذين على أساسهما تحدد المواقع ، وانطلاقا منهما ترسم العلاقات . والمغرب بما يعرفه من وضع مترد للقراءة ، يدفعنا إلى طرح أسئلة حول إمكانياته للفعل في الثقافة الإنسانية غدا ، وعن أي دور يمكن أن ينهض به في مجتمع كوني ضاقت فيه المسافات وانمحت الحواجز بفضل الثورة المعلوماتية ، وما تحقق على صعيد الإعلام والاتصال . غير أن الصلة الواضحة للثورة المعلوماتية بعصر العولمة الكاسح ، جعل الهوة تتسع بين الكيانات الضعيفة الشبيهة بالأسماك الصغيرة والكيانات الكبرى المحيطة بها والشبيهة بالكيانات الأخطبوطية التي لا تبقي ولا تذر . إن الوضع الذي تعرفه القراءة في المغرب من حيث كونه مترديا ومأساويا بكل المقاييس، يفرض علينا أن نبحث في العوامل والأسباب المؤدية إليه ، مثلما يفرض أن نبحث عن السبل الكفيلة بتجاوزه ، بغية تحقيق قراءة منتجة لوعي نوعي من شأنه فسح المجال لمواطنينا للمساهمة بفعالية في صنع الفكر الإنساني النبيل ، لإعطاء قيمة لوجودنا أولا ، ولتحقيق السعادة التي تظل في النهاية مطمحا وهدفا لكل إنسان . لن يكون مخجلا أومن باب الابتذال أن نعود ولو للمرة الألف لنعتمد طرحا إبستمولوجيا في نقد مفهوم القراءة ، لما في ذلك من سؤال للماهية والوظيفة وكذا الآليات ، حيث الكثير من الممارسات التي تسمي نفسها قراءة لا تعدو أن تكون مجرد علاقات آلية وسطحية مع المقروء ، وهو ما لا يدخل في صلب الموضوع الذي نحن بصدده ، إذ القراءة التي نعني هنا هي تلك التي تستهدف المعنى في المقروء باختلاف أبعاده ، فتبحث عن كل العناصر المساهمة في تشكله ، كاشفة عن شكل انبنائها ، محددة موقفها من هذا المقروء تحليلا وفهما وتفسيرا، مرتبة إياه ضمن سلسلة المقروءات ، بما يجعلها تعيد إنتاجه بصيغة أخرى مخالفة لوضع النشوء . إنها بهذا المعنى القراءة التفاعلية التي تحقق التواصل والتفاعل . إن النتائج المؤسفة التي انتهت إليها مختلف الدراسات التي تصدت لموضوع القراءة في المغرب ، بالرغم من أهمية الأسباب التي أرجعت إليها ضعف القراءة لم تكن حاسمة ولا قطعية ، بل ظلت أحكامها نسبية قابلة للمراجعة في كل مرة ، نتيجة ما يحدثه اختلاف العوامل من اختلاف في النتائج ، ونتيجة المفارقة القائمة بين تراجع القراءة وتطور وسائل الإعلام والاتصال وما صاحبها من تنوع في المنشورات والإصدارات . إن المتتبع لوضع القراءة في المغرب ، وهي حالة لا تشذ كثيرا عما هو موجود في المشرق ، يلاحظ أن التغير حاصل في مستوى القراءة وشكلها وأهدافها ونتائجها ، وهو أمر ذو صلة بطبيعة المقروء من جهة ، وبالتحولات التي الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المجتمع من جهة أخرى ، كما أنه ذو صلة بالوضع البيداغوجي العام للقراءة والذي يفرض إعادة النظر في مستوى مسؤولية الأطراف الفاعلة في هذا الوضع . لقد دأبت كل الدراسات المتحدثة عن القراءة وسبل اكتسابها وتطويرها ، وغاياتها ومردوديتها، أن تربطها بالمدرسة كمجال واحد ووحيد للاكتساب ، ومن ثم باتت تنحي باللائمة على وزارة التربية ومناهجها المعتمدة في حالة وجود أي خلل في الوضع القرائي بالمغرب ، وهي رؤية مهما صدقت ، تظل في نظري ، قاصرة ، فضلا عن افتقادها للشمولية في التصور وللنسقية في التفكير، حيث الحديث عن ازدهار القراءة أو تراجعها ، لايعني فقط من هم في سن التمدرس ، كما أنه لا يهم المجتمع في لحظة سكونية وثابتة ، بل يتعلق الأمر بسلوك متغير وبتطور في بنية المجتمع ، وهذا ما يجعل القراءة مهمة مجتمعية تستدعي شحذ جميع الطاقات واستنفار جميع القطاعات للنهوض بها وتدبيرها تشاركيا وبشكل إيجابي . عوامل تردي القراءة تتعدد العوامل المساهمة في ضعف مستوى القراءة وترديها ، مما يجعل حصرها والإحاطة بها أمرا صعبا لا يمكن أن ندعيه في مقالة مثل هاته . فقد تداخل فيها عوامل تاريخية وسوسيوثقافية ، فضلا عن اقتصادية ونفسية . غير أن الممارسة البيداغوجية والانفتاح على الواقع الثقافي للمجتمع يسمحان برصد أهمها ، ويتجلى في ما يلي : - النظرة العامة التي يملكها المجتمع حول القراءة والتي لم تكن لتتغير بالرغم مما حصل من تطور في أساليب الحياة والوعي المرافق لها . فقد ظلت القراءة فعلا متميزا وسلوكا تمارسه الخاصة دون العامة ، ولم تستقطب عامة الناس إليها لتصبح ممارسة أو طقسا عاما لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بها ، مثل الأكل واللباس والكلام والتجانس والتعبد والإخلاص لمنظومة القيم . وهكذا فالقارئ ظل متميزا مثلما ظل مكان القراءة كذلك ووقتها ، ولهذا كله أثر على المقروء أيضا . - ثقافة المجتمع التي يحتل فيها الشفوي الحيز الأكبر ،وهو أمر كان مقبولا زمن الجهل بالكتابة وقلة انتشارها ، أما اليوم فالمكتوب أكثر تعبيرا عن الميل للضبط والتوثيق ،فضلا عن اشتراطه لنوع من التركيز والوعي . غير أن الميل للشفوي يوحي بالكسل ويمنع من تنمية الذاكرة . كما أن ثقافة المجتمع جعلته ينظر للكتاب والقراءة على أنهما نوع من الترف ، أو الممارسة المتميزة الخاصة بفئات معينة من الناس ، هي فئة المثقفين الذين يميزهم رأسمالهم الرمزي وتميزهم المهنة وعلاقاتها . ولعل هذه الثقافة نفسها هي ما يجعل كثيرا من المثقفين يملكون تمثلات خاطئة عن أدوارهم ومجالات تحركهم وممارساتهم للقراءة . فهم لا يقرؤون في أي مكان وليس للكتاب أن يحتل حيزا في أي وقت من أوقاتهم ، بل أوقاته معلومة مثلما أمكنته معلومة كذلك .إن هذا الوضع هو ما جعل القراءة لا ترقى لتكون سلوكا عاما وشأنا مجتمعيا يستوجب الحرص عليه كمقوم من مقومات الشخصية وكعنصر من عناصر المواطنة السليمة التي يعتبر كل تقصير فيها من الفرد أو المجتمع تقصيرا في بناء الوطن وتمتين أسسه . - الأمية وهي أهم عامل ، باعتبارها سببا ونتيجة في نفس الوقت . هي سبب لأن الأمي لا يمكن أن يقرأ لأنه في وضعية صعبة قياسا إلى غيره من أفراد المجتمع ، فهو لا يقيم علاقة مع الوجود على أساس من المعرفة والثقافة ، بل يعتمد على الطبيعة وما تحصل لديه في السياق الاجتماعي . إن علاقته بمحيطه أقرب إلى البدائية ، مما يجعله يثقل كاهل مجتمعه بما يصدر عنه من سلوكات يعتبر مفعول الفكر فيها ضعيفا . والأمية نتيجة لأن الذي لا يقرأ مهما يمكن أن يكون متعلما ، يؤول بفعل الزمان وتطور أساليب العيش والحياة إلى الأمية . فهو لا يواكب التطور التاريخي ولا يساير التقدم الإنساني بما يحملانه من جديد على صعيد المعرفة وسبل إنتاجها، وهذا ما يجعل ما تعلمه متقادما وعملة لا تقبل الرواج . - سيادة تصور سلبي وخاطئ في المجتمع يربط فعل القراءة والعلاقة مع الكتاب بالمدرسة ، مما يتسبب في إبعاد الصغار والكبار على حد سواء عن القراءة . - غياب التشجيع والتحفيز على القراءة وعدم تكوين عادات قرائية في المجتمع . - أزمة النموذج ، بحيث لا يجد الأطفال أمامهم قراء يحذون حذوهم ويهتدون بهم . فالمدرسة بما تعتمده من قوالب بيداغوجية غير قادرة على تثبيت عادات القراءة أو تكريسها في كل من ارتادها ، مثلما أن الأسرة ومختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية لم تعمل على ذلك . وبذلك تبقى القراءة خارج دائرة اهتمام كثير من الناس ، وتبقى علاقاتهم بالكتاب لا تتسم بالألفة ، بل هي علاقة شاذة ، لا تقوم على أسس واضحة ، مما يجعلها غير قارة ولا معروفة . ووضع مثل هذا لا يمكن أن يسمح بمد الجسور بين قنوات المعرفة وروافدها المعرفيّة والثقافية والإبداعية وبين عموم الناس ، بل يجعل الرقعة تتسع بين مجتمعنا وبين التقدم الإنساني ، ليزداد كياننا ضعفا وظلاما ، ونصبح عالة على غيرنا . وربما أفضى بنا هذا الوضع إلى التقهقر والاندثار. - الدور السلبي للأسرة في تعليم القراءة وتعويد أبنائها وبناتها عليها ، حيث لا تشجع عليها ولا تساهم في توفير المناخ الملائم لها . فالطفل الذي تنمو لديه قابلية القراءة كلما لاحظ ميلا من والديه إليها ، باعتباره يتعلم في البداية عن طريق التقليد ، والذي يمتلك غريزة الاستطلاع والفضول ، يسعى إلى الكشف عن عوالم الكتب والمجلات إذا وجدها في وسطه . غير أن انعدام القراءة وانعدام الطقوس المرتبطة بها ، يسبب له ركودا في المواهب ويعطل لديه قابلية القراءة . بيد أن الأسر التي وعت جيدا أهمية دور الأسرة في تعليم الأسرة ، وأهمية القراءة في اكتساب الكثير من القيم والسلوكات المرغوبة في التربية ، حرصت على خلق بيئة نشيطة وسليمة يتعلم فيها الطفل القراءة ويتعود عليها . - غياب استراتيجية وطنية لتكريس فعل القراءة ، من خلال إنشاء المكتبات العمومية ودعم الخاصة ، وخلق فضاءات للقراءة ، وأنشطة ذات صلة بها ، واعتماد سياسة ناجعة في نشر الكتاب ، بدعمه وتحديد سعره وربطه بالمدرسة ، والقيام بمعارض دائمة من شأنها خلق ألفة بين المواطن صغيرا أو كبيرا والكتاب ، واعتماد سياسة حمائية لمحاربة المنشورات المفسدة للقيم والملوثة للثقافة ، وتشجيع الترجمة للانفتاح على الثقافات الإنسانية وعلى كل جديد في مجال المعرفة .. - الوضع الاقتصادي العام للمجتمع المغربي الذي لم يكن قادرا على تحقيق تحسن بين في مستوى عيش الكثير من السكان ، بحيث كل تغير عرفه إلا وواكبه تنامي المطالب الحيوية للإنسان التي يستوجبها الحد الأدنى للعيش والحياة . أما القراءة والبحث عن المعرفة وتطوير الحياة ، فتلك أمور ليست في متناول غالبية المواطنين ، مما يجعلها تدخل في إطار الكماليات والحاجات الزائدة . فالكتاب ينازع في المطالب الإنسانية للمغربي الكسوة والدواء ، وقد ينازع الخبز أيضا . وهذا ما يجعله يتراجع باستمرار في قائمة المطالب . إن المجهودات المحترمة التي تبذلها الدولة ، لم تستطع تخليص المجتمع المغربي من آفة الأمية ، لأنها مجهودات لم تقم على تقييم علمي أو قراءة نقدية علمية للتجارب السابقة في محو الأمية ، مثلما أنها لم تقم على تصور بيداغوجي سليم يدقق في كل عناصر العملية التعليمية بدءا بالمنهاج المعتمد وصولا إلى مختلف العناصر الفاعلة فيه ، وبذلك ظلت هذه المجهودات المبذولة تسير بمتوالية حسابية في حين يسير التقدم الإنساني بمتوالية هندسية وتبقى الأمية هي الأمية . مظاهر تردي القراءة -عدد نسخ الكتب المنشورة ووقوف كثير من الكتب الجادة عند الطبعة الأولى القراءة النفعية الضيقة : قراءة المنتمين للتربية للكتب بحس نفعي ضيق (كتب تتناول مواضيع وقضايا يحتمل الاستفادة منها في اجتياز الامتحانات والمباريات) قراءات النساء لكتب تهم المدونة والتوعية القانونية ، وقراءات بعض كتب الطبخ والتجميل وأخبار الفن السوقي . - قراءات الكتب التي تدعي التنوير الديني الفاقدة للمرجعية الفقهية الصادقة والعلمية (ثقافة ضحلة) - قراءات الصحف التي تعتمد الشائعات والمهتمة بالأحوال الشخصية للشخصيات العمومية معتمدة التشهير والقذف والنقد الاجتماعي الزائف . - قراءات الكلمات المتقاطعة في شكل شبكات مصورة - قراءات الصحف الرياضية - كتلة القراء تتوزع وتضعف كلما ازدادت المنشورات السلبية ... من أجل نهج مجتمعي للنهوض بالقراءة القراءة بما هي فعل بيداغوجي ينصب حول السبل الكفيلة بالبحث عن المعرفة واكتساب القيم وتنميتها تهم وزارة الأوقاف تبعا لمسؤوليتها في تدبير الحقل الديني الذي لا يمكن أن يعرف النظام ويربي على التنظيم إذا كان الفرد منا لا يطلع على مختلف العناصر الفاعلة فيه ، ولا يقرأ من أجل فهم مصادر التراث وتوجهاتها ، وهذا ما يفرض أن تضع الوزارة من خلال المجالس العلمية ومختلف أجهزتها استراتيجية واضحة للتربية على القراءة وتكريسها في المساجد أولا وكسلوك عام يستجيب المسلم فيه للأمر الإلهي الصريح الداعي للقراءة (سورة العلق) . فالمسجد مكان للعبادة يتلو فيه المسلم القرآن ، لكن ذلك لا يمنعه من قراءة كل ما يعمق ثقافته الدينية ،من كتب تسهر الوزارة على وضعها رهن إشارة رواد المساجد ، ومن ثم تمنع عنهم شر الدجل الذي يروج له بعض باعة الكتب غير الموثقة ومنشورات أدعياء الدين في غير حجة . والقراءة تعني وزارة الصحة من حيث ما هي معنية بتربية الجمهور وتوعيته بشؤون صحته ، حيث المريض والمعافى على حد سواء معنيان بمعرفة الأمراض وكيفية حدوثها وتطورها وأساليب العلاج والوقاية منها ، وهذا ما يستوجب أن تعمل الوزارة على التربية على القراءة من خلال عرض نماذج من المقروءات في قاعات الانتظار أو في غرف الاستشفاء ، أو أن تعهد لبعض المؤلفين بإنتاج كتب تربوية من شأنها أن ترفع من مستوى الوعي الصحي للمواطنين ، فضلا عما يمكن لذلك أن يساهم في تهذيب الطباع ويربي على القراءة .ووزارة الثقافة معنية بالقراءة كغيرها أو أكثر ، مما يفرض عليها أن تسعى لتوفير فرص القراءة لكل المواطنين ، ليس من خلال تهيئ المنتديات الخاصة بالقراءة فقط ، بل من خلال التفكير في دعم الكتاب والمساهمة في نشره وإشاعة ثقافة القراءة والاهتمام بعامة الناس وليس فئة المثقفين فقط . فالتجارب على قلتها أظهرت أن كثيرا من العاملين في القطاع الخاص من محامين وأطباء ومحاسبين ، وحلاقين ، يعرضون منشورات في قاعات الانتظار تستهوي الزبناء فيدمنون على قراءتها ، رغم فقدانها للقيمة المعرفية المطلوبة ، ورغم قدمها كمجلات وجرائد ، مما يبرز أن الرغبة في القراءة قائمة عند عامة الناس أحيانا ، لكنها تحتاج إلى من يذكيها . كما أن وزارة الاقتصاد معنية بالتربية على القراءة من خلال تربيتها للناس على تدبير معاشهم وتنظيم أحوالهم الاقتصادية ، وقد أبانت التجارب أن كثيرا من المنتوجات الاقتصادية لا يقف أثرها عند استهلاكها بل يتعداه إلى الخطاب الإشهاري المرافق لها، وكل ما يتعلق به من معارف أو توجيهات ، حيث رغم الخط الباهت الذي يوجد على ظهر هذه البضاعة أو تلك ، فإن المستهلك يمعن في قراءة المنتوج بشكل فضولي باحثا عن كل ما ينير فكره حوله ، ووزارة النقل معنية بالقراءة ، بحيث تطلع الجمهور باستمرار على جديدها وتساهم في تربيته على المواطنة ، من خلال ما يصدر عنها من توجيهات . لهذا فهي مدعوة لخلق فرص القراءة في فضاءات الانتظار ، في الحافلات والقطارات ومختلف وسائل النقل ، ووزارة الشبيبة والرياضة ، والصناعة والتجارة ، وكل القطاعات الحكومية وغير الحكومية إلا ولها صلة ودور في القراءة ، مما يستدعي أن تكون للدولة بمختلف هياكلها استراتيجية في تعليم القراءة وتكريسها انطلاقا من استغلال كل االآليات المساعدة على ذلك ، وأن تنشئ مرصدا للقراءة يتم من خلاله معرفة مستوى القراءة ومكامن الخلل فيها ،والعمل على درئها لجعل المجتمع معني برمته بالقراءة مثلما هو معني بالديمقراطية والتنمية ، والعدالة ، والمسؤولية ، وحماية الهوية ، وصيانة التراث ... إن القراءة انطلاقا من هذا التصور الذي أشرنا إليه واجبة وفرض عين ، وكل تقصير فيها يترك أثره على مستوى التمتع بكل الحقوق التي أقرها الدستور الوطني ومختلف المواثيق الدولية ، كما أن عدم القيام بها يلحق ضررا بالواجبات ويجعل الفرد المعني مقصرا فيها . هذا فضلا عن أن السباق الكوني المحموم حول امتلاك المعرفة والتحكم فيها يجعل المجتمع الذي لا يقرأ لا ينال نصيبه من هذه المعرفة ، فكيف به أن يساهم في إنتاجها . وقد بينت الوقائع الراهنة في كثير من مظاهرها أن الأمم التي لا تقرأ تشكل عبئا على الآخرين بما يتهددها من أمراض وأوبئة ، فتحتاج إلى غيرها وتقف عاجزة عن تدبير مختلف شؤونها السياسية والاقتصادية وغيرها .القراءة إذن وعلى الرغم من صواب كثير من التفسيرات التي حاولت أن تقف عند أسباب ضعفها ، تقتضي الالتفات للجانب البيداغوجي الذي لن تنهض به وزارة التربية الوطنية وحدها ، فهو صلب الداء وعلاجه مرهون بالإرادة الصادقة للدولة ، لتتحمل كل القطاعات نصيبا من البحث عن العلاج ، فهل هي فاعلة ، ذاك هو المطمح والمراد .