حسب إحصائيات المنظمة العالمية للصحة، فإن طفلا واحدا من بين 160 طفلا في العالم يعاني مرض التوحد، في حين لا توجد في المغرب أي إحصائيات حول عددهم ولا ظروف عيشهم. وفي غياب اهتمام حكومي بهذه الفئة تبقى الجمعيات هي الجهة الوحيدة بعد الأسرة التي تفكر في هؤلاء الأطفال، وهي جمعيات لا تتعدى رؤوس الأصابع بالمغرب وتتمركز في المدن الكبرى كالدارالبيضاء وطنجة وأكادير. « s.o.s autisme» أو كما تعرف نفسها بالعربية «جمعية إغاثة الأطفال المعاقين ذهنيا» فكرت في هذه الشريحة، انطلاقا من تجربة ذاتية لمؤسسيها، كانت انطلاقتها الفعلية سنة 2001، تجربة متواضعة اعتبارا لعدد الأطفال، حيث لا يتجاوز عددهم لحد الآن 20 طفلا، وهو العدد الذي تسعى الجمعية إلى الرفع منه من خلال مقر جديد لها، سيفتح في وجه التوحديين ابتداء من شتنبر المقبل، وسيحمل المركز نفس الاسم « aurore» أو «مركز الفجر» الذي يبقى تجربة «مهمة - بداية نريد نبذة عن «جمعية إغاثة الأطفال المعاقين ذهنيا»؟ < »جمعية إغاثة الأطفال المعاقين ذهنيا» أو «sos autisme» هي جمعية تهتم بالأطفال المرضى بمرض التوحد، تأسست سنة 1996، وكانت انطلاقتها الفعلية سنة 2001، ومقرها بالدارالبيضاء. - لكن مرض التوحد يختلف عن الإعاقة الذهنية. < بالفعل هناك فرق بين الاثنين، غير أن هذا الإسم أطلق على الجمعية قبل أن يعرف بالتوحد، وحتى الآن، وللأسف، فالدول العربية لم تحدد مفهوما معينا يوحد مصطلح « autisme» ، الذي يختلف تماما عن الإعاقة الذهنية التي هي « تخلف عقلي»، ووجود مصطلح محدد وموحد لهذا المرض كان سيقدم الكثير للأطفال المرضى وعائلاتهم. - مثل ماذا؟ < على الأقل سيتم التعريف بهذا المرض، نظرا لأن أغلب العائلات تختلط عليها الأمور، وهي تتعامل مع أطفالها المتوحدين على أنهم متخلفون عقليا، بل هناك من الأسر من تلجأ إلى الخرافات والشعوذة، وتعتبر ابنها « مسكون وضاربو جن»، فتكون الوجهة إلى الفقهاء والأضرحة والتشبث بحبال الأوهام التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تزيد من تأزم وضعية الطفل. - ماذا يمثل «مركز الشروق» بالنسبة إلى مونيا بنيحيى، وإلى أي حد نجحت في بلورة مشروعها الإنساني؟ < مركز الشروق بالنسبة إلي هو حلم تحقق جزء منه، ومازلنا نطمح إلى المزيد، ليس حلم يخصني فقط بل هو يخص كل الأطفال المرضى، الذين أظن أن لهم كامل الحق في أن يتلقوا رعاية خاصة، وكل العائلات أيضا التي لها طفل يعاني مرض التوحد كي تتمكن من اكتساب طرق التعامل مع ابنها. وأهم نجاح بالنسبة إلي أراه بأم عيني عندما أرى هؤلاء الأطفال يعتمدون على أنفسهم لقضاء بعض الضروريات، حيث إن الحالات التي يحتضنها المركز حاليا تخلصت من مجموعة من العادات، مثل التبول و.. وفي المقابل اكتسبت الكثير كاعتمادها على نفسها في تناول الوجبات، ومثل هذه الأمور رغم بساطتها بالنسبة للشخص العادي إلا أنها تشكل عبئا ثقيلا على أسر لها أطفال آخرين غير الطفل المصاب بالتوحد. - قلت إن الأسر اكتسبت طرق التعامل مع ابنها المصاب، هل نفهم من هذا أنكم تؤطرونهم بهذا الخصوص؟ < ليس بالضبط، لكننا نواظب على تنظيم اجتماعات في هذا الإطار، في البداية كان الآباء يتهربون من الاجتماعات غير أن تحسن حالات أطفالهم نسبيا جعلهم مفعمون بالحماس. - لماذا قلت نسبيا، فهل هذا دليل على أنكم تواجهون تحديات ذات صلة؟ < لا يمكن في هذا المرض أن نتحدث عن علاج مطلق، أولا لأنه مرض مزمن، ولا يحتاج إلى مسكنات أو وصفات علاجية بقر ما هو بحاجة إلى وصفات معنوية، فطريقة التعامل مع الطفل المتوحد قد تغير من طبعه الانطوائي. وأهم تحديات نواجهها هي ارتفاع التكاليف التي تفوق طاقة الجمعية التي مازالت فتية. - ما طبيعة هذه الكاليف؟ < سبق أن قلت لكم إن المصاب بالتوحد ليس بحاجة إلى أدوية بقدر ما هو بحاجة إلى طريقة عيش معينة، وأقصد هنا توفير جو ملائم يراعي نفسيته وطباعه وقدراته، وهنا لا بد من متخصصين في هذا الميدان، وهؤلاء المتخصصين طبعا ليسوا موجودين في المغرب، لذلك فجمعيتنا تواظب على استقدامهم من كندا، حيث يقومون بدورات تكوينية لأطر الجمعية، وهذه الزيارات تكون جد مكلفة إضاقة إلى بعض التجهيزات التي تبقى ذات أثمان باهظة.8 كم طفلا يوجد في جمعية إغاثة الأطفال المعاقين ذهنيا؟ - بالمناسبة كم عدد الأطفال الذين تحتضنهم جمعيتكم؟ < تتحدث بأسف. فقط 20 طفلا، وهو عدد قليل جدا نعلم ذلك، لكننا نطمح إلى المزيد، ونحن على وشك تجربة أكبر. - هل لنا أن نعرف هذه التجربة التي تبدين متفائلة بشأنها؟ < نعم، نحن الآن نضع آخر اللمسات للمقر الجديد للجمعية، المقر الحالي لا يسمح باستيعاب عدد كبير من الأطفال المتوحدين، ومن هنا جاءت فكرة ضرورة تغيير المقر بمقر آخر يكون أوسع. وللإشارة فالمقر الجديد يوجد بمنطقة بوسكورة بنواحي الدارالبيضاء، وقد وهبته لنا الدولة في إطار مساهمتها في هذا العمل الإنساني. - هل لك أن تحدثينا عن المركز الجديد، طاقته الاستيعابية، مساحته، مرافقه؟ < مساحته الإجمالية 11176مترا مربعا، والمساحة المبنية 2124 متر ا مربعا، وهبتها لنا الدولة كمساهمة منها لهؤلاء الأطفال. سيضم المركز في البداية، وبشكل تدريجي، 100 طفل، وسيتم توزيع كل عشرة في قسم واحد. يجب أن أشير إلى أن المركز صمم وفق معايير تراعي إعاقة الأطفال وتسهم في تقويم سلوكاتهم، وبطرق بيداغوجية من شأنها أن تؤثر فيهم، وهو يضم جناحين، أحدهما خاص بالأطفال من 3 سنوات إلى 11 سنة، والآخر من 12 سنة إلى 13 سنة، وفي ما يخص المرافق فهناك مرفق للترويض الحركي، وآخر للترويض اللغوي، وحدات للتكوين المهني» كالنجارة وغيرها»، وحدة للتمريض، وغيرها.. - لماذا هذا التصنيف العمري؟ وماذا عن الأطفال الذين يتجاوز سنهم 13 سنة؟ وماذا ع الفئات الشابة؟ < يجب أن أقول إن المركز يراهن على الفئات الصغرى، لأن حظوظها في الاستفادة وافرة، فكلما تقدم الطفل في السن كلما تقلصت حظوظه في الاستفادة أكثر مما يقدمه المركز، لأنه يكون في مرحلة عمرية جديدة، وهذا شيء لامسناه من خلال التجربة ولا ننطق عن الهوا. أما 20 سنة فما فوق فالمركز لا يمكنه أن يحتضنهم. - ماهي نوعية هذه البرامج وما هي نسبة استفادة الأطفال منها؟ < هذه البرامج ليست من نسج خيالنا، وليست برامج بيداغوجية عادية، لأننا لسنا اختصاصيين في الميدان، وسبق أن أشرت إلى أننا نلجأ إلى استقدام متخصصين من كندا، لأن لهم تجربة مهمة في هذا الميدان، وهم يملكون آخر الطرق في ما يخص مرض التوحد، وأذكر هنا على سبيل المثال برنامج « بكس»، وهو يعني التعبير عبر الصور. - هل الجمعية اعتمدت على إمكانياتها الذاتية لبناء المقر الجديد؟ < دعيني أقول لك إن الجمعية وحدها أبدا لن تكون لها القدرة على تحمل كل التكاليف لأنها باهظة جدا، إذ إن تكلفته التقريبية 15 مليون درهم، فالمركز يضم إدارة ومسؤولين ومساعدين وطباخين و.. ويستحيل على الجمعية أن تفعل كل ذلك، هناك بعض الحرفيين ساهموا معنا مجانا، بالإضافة إلى الشراكات التي تجمع الجمعية مع مؤسسات أخرى مؤسسة محمد السادس، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والبنك السياحي والعقاري و الشركة الوطنية للفوسفاط، وسي دي جي.. - ما هو تاريخ الافتتاح الرسمي ل» مركز الشروق» الجديد؟ < نتمنى أن تتم الأشغال في وقت قريب حتى يكون الافتتاح في الوقت الذي حددناه وهو شتنبر المقبل. غير أن العائق الآن هو أننا مازلنا بحاجة إلى المزيد من الأموال ولذلك قررنا أن ننظم حفلا موسيقيا سنستضيف فيه «وائل كفوري» وسيستغل ريعه لإتمام الأشغال واقتناء التجهيزات، وينتظر أن يكون هذا الحفل في 12 من يونيو المقبل بسينما» ميغاراما»بالدارالبيضاء. - نعود إلى مرض التوحد، كيف للأم أن تعلم بأن طفلها توحديا؟ < في السنتين والنصف لا يمكنها أن تعلم ذلك، وفي ما بعد سيتبين له الأمر بوضوح. - كيف؟ < الطفل التوحدي يميل إلى العزلة، لا ينخرط في اللعب مع أطفال من سنه، ينظر نظرات فاحصة، غير أنها لن تجده ينظر في عيني أي أحد، حتى في عيني الأم، لا يتحدث بشكل طبيعي، تجده يتلعتم، وكثيرا ما يكرر حروفا وكلمات بعينها. - وبماذا تنصحين الأمهات، خصوصا وأنك أم لطفل توحدي؟ < أنصحها بأن تتوجه إلى الطبيب إذا لاحظت أشياء مما ذكرتها لطرد كل الشكوك، لأن وجود طفل بهذه المواصفات لا يعني حتميا أنه توحدي. - لا يملك المغرب أي إحصائيات مدققة بخصوص هذا المرض، فقط هناك إحصائيات المنظمة العالمية للصحة التي تقول إن طفلا من بين 160 عبر العالم هو توحدي، ألا ترون أن وزارة الصحة مقصرة في حق هذه الفئة؟ < نعم، أرى أن من حق هذه الفئة الاجتماعية أن يكون لها نصيبها من الاهتمام، فقط لتحسين وضعها، من خلال التعريف بهذا المرض، فمادامت وزارة الصحة لا تتحدث عنه فالناس سيجهلونه، خصوصا أن الأطباء أيضا يعتبرونه تخلفا عقليا، وهذا وقع معي شخصيا، وأظن أن هذا دور تلعب فيه وسائل الإعلام أيضا له دور حاسم. أظن أنه من الضروري إنشاء مراكز حكومية حتى تطعم المراكز - كلمة لعائلات الأطفال التوحديين. < « الله يطول في عمر والديهم» لأن مصير الأطفال التوحديين سيبقى مجهولا بعد وفاتهم، خصوصا في ظل غياب مراكز حكومية متخصصة ستتحمل من بعدهم عبء الاعتناء بهؤلاء الأطفال. - كلمة لوزارة الصحة. < أتمنى صادقة أن تقوم بمبادرة في هذا الاتجاه، مادية ومعنوية، لأن هؤلاء الأطفال هم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، وهم بحاجة إلى العناية والاهتمام « دواهم هو المقابلة المزيانة».