كما انتصر الثوار العرب في تونس ومصر وليبيا واليمن بنصر الله ورحمته , وكما أبطال ليبيا على الطاغية المقبور بالسلاح , في ما نسميه بالمرحلة الدموية للثورة , حيث يسقط الشهداء من اجل إزالة الطاغية , وفتح باب الحرية والكرامة للوطن والمواطن . نصلي لله صادقين أن ينتصروا في معركة الفكر والتطبيق , في معركة بناء وطن الحرية . و في أي معركة , فإن تحديد العدو الذي يحارب هو من أولويات المعركة , فلا يمكن أن نحارب مجهولا , أو أن نحارب طواحين الهواء .. ونحتاج إلى ثوار في هذه المرحلة إذ إن لكل مرحلة ثوارها وأبطالها . دون أن ننسى حقوق ثوار المرحلة الأولى من الثورة , فهم من فتح هذه المرحلة من ثورة الأمة . الحرب الآن ليس بين أشخاص وليس بين سلاح , بل بين أفكار , بين فكر الحرية وفكر الدكتاتورية . قد يعتقد البعض أن كل من يظهر على الساحة الآن , ومن ناصبوا أنظمة الطغيان والبغي العداء , ومن كانوا في المعارضة لهذه الأنظمة هم من دعاة الحرية . ولكن للأسف هذا ليس صحيحا , فكم من ثورة سرقت , وكم من محاولة للتحرر فشلت بسبب هذا الخطأ القاتل , حيث تبدأ الثورة في أكل أبنائها , ويتصارعون فيما بينهم للصعود والاستيلاء على المقعد الشاغر , مقعد الدكتاتور . ولمعرفة الفكر الذي يجب محاربته , يجب أن نحدده , ونبين أعراضه . ونقارنه بفكر الحرية . فكر الحرية لا يدّعي احتكار الحقيقة , ويفسح المجال لكل الأفكار للنمو والظهور , سواء ما كان يتماشى مع فكر القيادة والمسئول أو يعارضه , بينما فكر الدكتاتورية يحتكر الحقيقة ، فلا حقيقة إلا ما يؤمن به المسئول . فكر الحرية يحترم الجميع كأشخاص , ويحارب ظواهر خاطئة , يحارب ظواهر الفساد والإفساد والاحتكار والسرقة والرشوة , بينما فكر الدكتاتورية يتبنى التهجم على الأشخاص ويستسهل إطلاق الاتهامات جزافا بدون تقديم أدلة وإثباتات . فكر الحرية يؤكد على أن الجميع مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات , ولا يحتكر الوطنية في أفراد بعينهم بينما فكر الدكتاتورية يتبنى تخوين الآخرين من المخالفين . فكر الحرية يتبنى شعارات مثل الحرية والشفافية والديمقراطية لتطبيقها على أرض الواقع , ويتمتع الثائر عندما يراها تطبق على المسئول قبل المواطن , عليه هو قبل الآخرين , بينما فكر الدكتاتورية يقوم على تفريغ الشعارات من المضمون , تجدهم ينادون بها ولكن لا يقبلون بتطبيقها إذا طالتهم أو تعرضت لهم أو لمن يهمهم أمره . فهم يستخدمون الشعارات لكسب ود الرأي العام وإثارة المشاعر والأحاسيس وليس للتطبيق على أرض الواقع . هذا الفكر يقوم على المتاجرة بالمبادئ والشعارات للحصول على المكاسب والمناصب . فكر الحرية يتبنى القانون وسيادته على الجميع كوسيلة لضمان المجتمع لحريته وكرامته , فلا احد فوق القانون وفوق المسائلة , بينما فكر الدكتاتورية يقوم على الدعوة إلى الفوضى وعدم احترام القوانين ، ويفسح المجال للغرائز السيئة في الإنسان للخروج إلى العلن ، غرائز الثأر والانتقام والطمع والأحقاد والفوضى وعدم الاحتكام للقضاء في حل النزاعات . فكر الحرية يتبنى مصلحة الوطن أولا , ولا يدخل الحسابات الشخصية في حساباته , بينما فكر الدكتاتورية يقوم على تصفية الحسابات الشخصية على حساب مصلحة الوطن , يقوم على إقصاء المخالف شخصيا , وتنصيب الموالي , فالولاء لديه أهم من الكفاءة . فمن كان مواليا للقيادة فله كل المناصب والحقوق والامتيازات بينما يحرم منها المعارضين , ولا قيمة لمصلحة الوطن لديهم . فلديهم نهم غريب لتحقيق المكاسب الشخصية بكل الطرق والوسائل حتى لو كانت منافية للأخلاق أو مخالفة للقانون . فكر الحرية يتبنى طمأنة الناس , وبث روح التآلف والوحدة , من خلال رؤية واقعية للمستقبل , ودارسة الخطط والآراء , دراسة بالمنطق والعقل , بينما فكر الدكتاتورية يقوم على تخويف الشعب من المستقبل وتصنيف المعارضين سياسيا ومحاولة تهديدهم بمختلف الوسائل . إنه فكر يعتمد على العقلية التآمرية وأساليب إقصاء الآخر. فكر الحرية لا يحتكر الثورية والوطنية , بل يعمل عن أن يكون الجميع له نفس الاحترام المتبادل للرأي والفكر سواء الموافق أو المخالف , بينما الرأي الدكتاتوري يحمل صكوك الوطنية يصدرها ويمنحها لمن يشاء وفقا لمزاجهم ولمصالحهم. فكر الحرية يرى إن المناصب تكليف ومسئولية , تجعله يعمل ليل نهار في سبيل أن يؤدي مسئوليات المنصب , يحاول التقدم للأمام , يعترف بالخطأ ويحاول إصلاحه , بينما فكر الدكتاتورية يحس بنهم ورغبة شديدة في الصعود على حساب الآخرين . يرى في المنصب تشريف ومميزات , يحكم فيه كالحاكم بأمره بدون أي إستراتيجية إلا المصلحة الشخصية سواء مصلحة مادية أو معنوية له ولحاشيته . فكر الحرية يطلق العنان للنقد ويرحب به , يحب أن يقرأ ويسمع للمنتقد أكثر من حبه لسماع المديح والإطراء , لأنه يعلم إن النقد هو أفضل الوسائل للوصول إلى الكمال , بينما الفكر الدكتاتوري يعتمد على شراء سكوت وتأييد الإعلام , يكره النقد ويرى في المنتقد عدوا , يجب القضاء عليه إن لم يمكن شراءه . ويسعى جاهدا لمنع الانتقاد لمن هم في مراكز السلطة ويعتبر انتقادهم خيانة , وكشف أخطائهم جريمة . فكر الحرية يحب رؤية منظمات المجتمع المدني تعمل , يحب أن يرى الأحزاب تؤسس , يحب أن يرى اجتماع المجموعات لتدارس ما يهم المجتمع ونقد المرحلة , بينما الفكر الدكتاتوري يرى إن من تحزب خان , ولا يحب أن يرى إلا الاجتماعات التي تمجده , أو تمجد المسئولين والقيادات . فإن كان الثائر في المرحلة الأولى للثورة هو من حمل روحه على كفه وحارب الطغاة , فإننا نقول الآن , وفي هذه المرحلة , فان الثائر هو من يحمل فكر الحرية ويحارب فكر الدكتاتورية . إنها حرب فكر وليست حرب أشخاص , فكل من يحمل فكر الدكتاتورية , سواء كان سابقا ثائرا أو معارضا , أو سجينا , هو عدو في هذه المرحلة , يجب أن يسود فكر الحرية . بالطبع شرحنا فكر الحرية , وهو ضد فكر الغوغائية , ضد فكر الفوضى , وإن حاول البعض أن يرسخ في الأذهان أن فكر الحرية هو فكر الغوغائية والفوضى , ولكن هذا اتهام باطل , فلا حرية مع الفوضى والغوغائية . نستطيع أن نسمي فكر الحرية بأنه ثقافة المستقبل وتطوير الأمة ودفعها إلى الأمام , بينما فكر الدكتاتورية يعمل على ترسيخ ثقافة الغوغائية والفوضى . وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي