بقلم : د.عبد الرحيم بوعيدة * أدرك جيدا أن الإشتغال على قضة الصحراء أمر ليس سهلا للغاية لأنه حينما يكون موضوع الإشتغال يحمل بصيصا من المصداقية و الجدية يواجه بعراقيل عديدة على الأقل من الناحية المادية،هذا ما لمسته من خلال تجربة متواضعة وضعتني وجها لوجه أمام مسؤولين عن الشأن المحلي في مدينة مراكش،ربما من كثرة الجمعيات و الحركات التي استغلت موضوع الصحراء و جعلته مجالا للإرتزاق المادي و السياسي أصبح هناك توجس لدى السلطات المغربية حيت أنها لا تدعم و بسخاء إلا أصحاب القوافل الشتائية و الصيفية و الذين لا ينتمون للصحراء و لا يربطهم بها سوى رابط وطنية يوظفونها لتمثيل الصحراويين في الداخل و الخارج،لذا حين تقف أمام أبواب المسؤولين تشعر و كأنك تستجدي صدقات من الدولة لدعم مشروع علمي يرمي إلى فتح حوار حقيقي حول قضية الصحراء و أسئلة المرحلة،لن أعود لمطبات هذا التعاطي السلطوي مع هذا الملف و لعل عمدة مراكش التي كتبنا حولها مقالا تعد أروع و أجمل مثال على جهل بعض شرائح المنتخبين الذين لم ينتخبهم أحد و إنما ركبوا جرارا حمل معه كل شيء و حصد الأخضر و اليابس في مغرب توزع فيه عموديات المدن كما توزع حلويات الشكولاته في أعياد الميلاد، لذا ليس غريبا حين تعد قضية الصحراء في نظرهم مجرد ترف فكري لأشخاص يريدون ارتزاقا أو ظهورا مجانيا،لكن الذي غاب عن أذهانهم هذه المرة هو أن الأمر يتعلق بصحراويين حقيقيين يحملون الملف في قلوبهم و عقولهم و مستعدين لقراءة كل أوراقه إلى النهاية. الأمر لا يتعلق بالسقراطيين الذين أتخمونا جمعيات و لقاءات حول الصحراء و في النهاية اكتشفنا أن الدولة كانت توظف نصابين و مرتزقين كونوا جمعيات دولية للدفاع عن حكم ذاتي لا يهمهم و ليسوا طرفا فيه،لكنهم نظروا فيه أكثر من الصحراويين و حشدوا له كل الإمكانيات المادية التي ذهبت مع الريح دون أن تقدم لقضية الصحراء أي شيء يذكر و الآن هناك من يستعد للقيام بجولات عبر قوافل كبيرة تجوب أوربا لإقناع هؤلاء بأهمية المقترح المغربي مع أن من يجب إقناعهم أولا هم من يوجدون فوق الأرض نفسها و ليس الأوربيين أو الأمريكان الذين يتعاملون مع القضية وفق مصالح و استراتجيات تجعل من شعوبهم أصواتا داعمة لموقف الجبهة نظرا لأنها تشتغل بكوادر صحراوية شابة مؤمنة بقضيتها و مشروعها و ما فضيحة السنغال و جنوب إفريقيا إلا أمثلة واضحة على نوع المقاربة التي يقدمها المغرب للآخرين حول قضية الصحراء. منذ خمس و ثلاثين سنة تحدث الريفي و الأمازيغي و الفاسي و غيرهم عن ملف الصحراء داخليا و خارجيا و في المقابل لم نتحدث نحن يوما كصحراويين لا عن المسألة الأمازيغية أو الريفية حتى و إن اعتبرناهما مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية،هؤلاء مشكورين يتحدثون عن جهل بملف لا يدركون تشعباته و لا تمفصلاته القبلية أو الثقافية،لقد كان السيد إلياس العماري و هو أحد أبر ز وجوه المرحلة الحالية التي تصنع كل شيء في المغرب إبان أزمة مخيم اكديم إزيك يتجول في العيون و يتحدث مع الصحراويين في أزمة هو من بين صناعها و لا أدري و هو إبن الريف بأي صفة كان يتحدث وباسم أي جهة،لكنه العبث بعينه الذي جعلنا نتفرج على قضايا تهمنا و نعطي الوكالة للآخرين للحديث نيابة عنا في الأمر جانب من الغبن و كثير من المكر. في الأسبوع الماضي و بالضبط في مدينة مراكش اجتمع أكثر من 300 مائة صحراوي في مناظرة علمية لمناقشة قضاياهم المتعلقة براهن المرحلة و قد تخوف البعض ممن لا يدرك ثقافة الصحراويين من هذا الإجتماع الذي ضم مختلف أطياف المجتمع الصحراوي و قد كان النقاش متنوعا و صريحا عبر عن طموح الصحراويين في تجاوز هذا الوضع الستاتيكو الذي طرحتهم فيه السياسة المغربية و سوء مقاربتها لهذا الملف الشائك و أدرك الكل أن المشكل لا يكمن في عقلية الصحراويين أو توجهاتهم بقدرما يكمن في طريقة توظيفهم سواء من هذا الطرف أو ذاك و فقدان الثقة فيهم من طرف الدولة المغربية التي أخطأت الطريق إلى قلوبهم و حولتهم إلى أرقام بقع و بطاقات إنعاش، فكان أن تحدث الكل باسمهم دون أن يتم التشاور معهم أو الرجوع إليهم في مسألة من صميم اختصاصهم و تعني إقليمهم الجغرافي،و ظهر لنا جليا أن هناك أشخاصا لا يعجبهم أن يتحرك الصحراويون أو يبادروا إلى مناقشة قضاياهم بصفة مستقلة و دون وصاية لذا بدءوا في المزايدة علينا في الوطنية و كأننا بمناقشة علمية صريحة و جادة نخرج من عباءة هذه المواطنة التي يضعها الآخر كل مرة موضع شك، مع أن الأمر ليس كذلك،الذي أحرج هؤلاء هو أنهم أدركوا أن تحرك الصحراويين و مطالبتهم بأن يتوقف الكل عن توظيف قضاياهم في مصالح شخصية هو الذي أزعجهم لأنهم إغتنوا باسم الصحراء داخليا و خارجيا و مدتهم الدولة بكل أنواع الدعم المادي الكبير لأنها تتق فيهم و هذا مكمن الأزمة أما حين يتحرك الصحراويون لطرح قضاياهم على طاولة النقاش يجدون صعوبة في الحصول على ثلث ما حصل عليه هؤلاء لأن الدولة نفسها لا تريد إلا عينة من الصحراويين الذين بادلوها الإرتزاق على حساب مصالح أبناء عمومتهم لأنها تدرك أن اشتغالهم محكوم بآليات قديمة توظف الشعارات و الأعلام و الزغاريد و كأن الأمر يتعلق بمهرجان للفرجة. قضية الصحراء تحتاج لنقاش علمي مفتوح لكل مكونات المجتمع الصحراوي و على النخبة الصحراوية المثقفة أن تستعيد زمام المبادرة لقطع الطريق على أمثال هؤلاء و أن تنخرط في بلورة نقاش عمومي صريح و بناء يروم تغيير آليات الإشتغال و الأشخاص المشتغلين،لأنه من الصعب أن ينجح المغرب في أية مبادرة يقدمها للإقليم بنخب من صنعه تقاوم رياح التغيير و الثورة التي تهب من الشرق كما من الغرب،كيف سيستقيم الظل و العود أعوج ؟ لن تنجح أية مجالس في الصحراء مادام المال هو المطية التي تركبها نفس الوجوه و العقليات،الذي يغير الآن في العالم العربي هم الشباب و نحن في الصحراء يريدون لنا أن نعود إلى أوتاد الخيام نبحث عن قبائلنا لنلوذ بها و كأننا عدنا لحرب داحس و الغبراء لذا يبحثوا لنا الآن أو نبحث نحن للآسف عن مطب قبلي نتقوقع فيه لأننا لسنا أهلا للديمقراطية و لبناء المؤسسات القادرة على تجاوز هذا الفخ القبلي الذي تبحث فيه كل قبيلة عن منصب أو امتياز في حين ستغيب الكفاءات لصالح الولاءات المخزنية و القبلية،إنها حرب أخرى تعودت عليها الصحراء تاريخيا لكن حين ننخرط كنخب مثقفة في تكريس هذا الواقع القبلي و في تحديد الجغرافيا السياسية للصحراء و تصنيف من هو الصحراوي من عدمه فإننا بذلك ندق آخر مسمار في نعش ديموقراطية بعيدة عن تخومنا و الأجدر بنا و الحالة هاته أن نتوقف عن هذا العبث القبلي الذي يلعب لصالح جهات معينة تتفرج على النخب الصحراوية كيف تفصل خرائطها القبيلة و تخلع عباءة الثقافة و الفكر و تحن إلى ماض لا ننكره لكننا حتما لا نحن إليه. يبدوا أن الصحراويين في حاجة أولا إلى مصالحة مع الذات ثم إلى مصالحة فيما بينهم لكي يستطيعوا رسم خطاهم نحو المستقبل قبل أن يظل الآخرون هم الذين يرسمون لهم هذه الخطى التي تعثرت أكثر من خمس و ثلاثين سنة و قسمتهم إلى شيع و خوارج يناصرون تارة علي و تارة معاوية.