قرب تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية هل تجر الجزائر المغرب إلى مستنقع الصراع العسكري بالصحراء؟ هل تجر الجزائر المغرب إلى مستنقع الصراع العسكري بالصحراء؟ سؤال بات مطروحا بحدة على الأوساط العسكرية والسياسية المغربية في الوقت الراهن. مؤشرات عديدة تفيد أن الجزائر ماضية في تعبيد الطريق نحو عودة النزاع المسلح في الصحراء أو على الأقل خلق واقع غير مستقر في العمق المغربي. يقول ضابط مغربي متقاعد "نجح المغرب منذ إقامة الجدار العازل في الصحراء في شل القدرات العسكرية للبوليساريو،وبالمقابل صعد المغرب من حربه الديبلوماسية".هذه الوضعية جعلت المغرب ينجح في أكثر من محطة في توجيه ضربات موجعة للنظام الجزائري وللبوليساريو. ووصلت قوة هذه الضربات أوجها حينما انتقل المغرب من ديبلوماسية الدفاع إلى ديبلوماسية الهجوم. لكن خلف هذا النجاح تخوض البوليساريو ومعها الجزائر حربا استخباراتية لاستثمارعودة بعض الصحراويين إلى المغرب لدس عملاء يمكن تحريكهم كلما استدعى الأمر لنقل المعركة إلى العمق المغربي. فهل تكون البوليساريو بأحداث مخيم أكديم أكدز قد دشنت أولى خطواتها لنقل الحرب إلى العمق المغربي خوفا من تطور أوضاعها الداخلية إلى عصيان مدني. وهل تنجح في ضرباتها الاستباقية المدعومة بالجزائرمن أجل لفت الانتباه وتحويله عن ما يجري داخل المخيمات؟. أمينتو حيدر وولد سلمى : سياسة عض الأصابع بأحداث العيون يكون الصراع بين المغرب والجزائر قد وصل حدا غير مسبوق منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه الأممالمتحدة. ففي الآونة الأخيرة، سخرت الأطراف المتصارعة كل الوسائل المدنية والعسكرية والاستخباراتية لإحراج الخصم وتسجيل نقاط ديبلوماسية واستخباراتية. وهكذا أخرجت الجزائر بإحكام شديد " قضية أميناتو حيدر" . وانطلت الحيلة على الأجهزة المغربية قبل أن يكتشف المسؤولون المغاربة أنهم ابتلعوا الطعم في شراك نصبه قصر المرادية بإحكام شديد. وظفت في قصة حيدر الآلة لإعلامية الإسبانية بشكل أحرج المغرب أمام المنتظم الدولي اضطر معه إلى التراجع عن منع حيدر من العودة إلى المغرب رغم عدم اعتذارها. وقت قصير على الحدث، رد المغرب الصاع صاعين من خلال ملف ولد سلمى الذي تبنى قضية الحكم الذاتي. أزعج هذا الخروج غير المسبوق قيادي البوليساريو وخلط جميع الأوراق معلنا بداية التململ الداخلي في صفوف البوليساريو . ويعود تخوف البوليساريو من حالة الركود التي يعرفها الملف إلى بداية التململ داخل مخيمات تندوف وظهور تيار معارض، "خاصة مع استفادة جزء كبير من الصحراويين العائدين من امتيازات الدولة المغربية » يقول مصدر حزبي من الصحراء. كما أن التخوف ناتج عن "تزايد اهتمام المغرب بالوضع الداخلي للبوليساريو، ومحاولةخلق اختراق يؤدي في النهاية إلى نشوء حركة مضادة لتوجهات ولدعبدالعزيز » يضيف ذات المصدر. .وفي اتصال هاتفي بعبد الحق الجناتي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الأول بوجدة أكد الأمر مشيرا إلى" أن قيادة البوليساريو ومعهم حكام الجزائر أدركوا أن استمرار حالة اللاسلم واللاحرب ليس في صالحهم". استثمر المغرب قضية ولد مولود التي لاتزال فصولها مستمرة حتى الآن. ولم يستبعد أكثر من مصدر أن تكون أحداث العيون ناتجة عن محاولة البوليساريو التغطية على قضية ولد مولود. لقد خلقت هذه القضية ولأول مرة تصدعا في صفوف المنظمات الحقوقية الدولية. وفي سابقة هي الأولى من نوعها، نددت يومان رايت ووش، المعروفة بشدة انتقادها للمغرب، باختطاف ولد سلمى وطالبت من البوليساريو الإفراج عنه. أحدثت هذه الرجة إحساسا بالتفاف حبل الاضطرابات الداخلية حول عنق قيادة البوليساريو، وصار نقل المعركة إلى التراب المغربي مسألة حيوية لجنرالات الجزائر للتخفيف عن حلفائهم. وفي هذا الصدد يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس أحمد مفيد"كل المؤشرات تفيد أن يد الجزائر متورطة في أحداث العيون، لأن طبيعة الخيام وشكلها والعتاد المستعمل في المخيم يتجاوز إمكانيات العمل الجمعوي، بل حتى إمكانيات البوليساريو نفسها". لكن المتحدث استبعد العودة إلى الخيار العسكري وأجاب عن سؤال المشعل حول دخول أحداث العيون في إطار محاولات زعزعة استقرار المغرب أو العودة إلى النزاع المسلح قائلا"العودة إلى النزاع العسكري كما كان سابقا مستبعد في الوقت الراهن لكن حدوث مناوشات من حين لآخر يبقى محتملا". البوليساريو ...من حركة تحررية إلى منظمة إرهابية انزعج قادة البوليساريو منذ مدة ومعهم المتحكمون في قصر المرادية بالجزائر بشدة من خوض الأجهزة الاستخباراتية المغربية حربا ضد الساعة في محاولة للكشف عن خيوط التقاطع بين البوليساريو ومنظمة القاعدة الإرهابية. وتوالت في الآونة الأخيرة تسريبات صحفية لعلاقة محتملة بين البوليساريو والقاعدة ومافيا تهريب المخدرات ببلدان الساحل وجنوب الصحراء. وكان الصحفي الإسباني "شيما خيل" قد كشف في غشت الماضي في مقال مطول "عن ارتباط "البوليساريو" بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". مقال الكاتب الإسباني والذي استعادته أكثر من وسيلة إعلامية إسبانية ودولية شكل ناقوس الخطر بالنسبة لقيادة البوليساريو، ل"أن تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية على غرار منظمة إيتا الباسكية يعني مزيدا من تضييق الخناق على القيادة الشائخة للبوليساريو والتي عمرت كثيرا"يقول مصدر أمني مغربي. المصدر ذاته أضاف أن " المؤشر المثير للانتباه في سياق توالي إشارات ارتباط البوليساريو بالقاعدة ما كشفته اعترافات عمر ولد سي أحمد ولد حامد المعروف باسم عمر الصحراوي ومحمد سالم ولد احمودة ولد محمد الذي اعترف أمام محكمة نواكشوط بأنه عسكري في جبهة "البوليساريو" وبأنه عمل كمرشد للخاطفين لتسهيل فرارهم إلى مالي ». ورغم أن محاولات المغرب للربط بين التنظيم الانفصالي والإرهاب لا تزال تواجه عقبات كثيرة إلا أن لعب المغرب دوليا على هذه الورقة، وفضح البوليساريو ككيان إرهابي يتعارض مع التوجهات الأممية يهدد الأمن والاستقرار بمنطقة شمال إفريقيا والصحراء، يمكن أن يكون ورقة رابحة ومزعجة لمحمد عبد العزيز وداعميه في قصر المرادية.فهل تتجه الجزائر والبوليساريو لإعادة خلط الأوراق بالمنطقة والعودة إلى حمل السلاح؟ الخيار العسكري وإعادة خلط الأوراق يستبعد أستاذ القانون الخاص بجامعة القاضي عياض عبد الرحيم بوعيدة عودة البوليساريو إلى حمل السلاح. ويعتبر أن السياقات الدولية لا تسمح بذلك وأن تهديد البوليساريو بالعودة إلى الحرب مجرد ورقة ضغط يقول "العودة للحرب مسألة مرفوضة دوليا ولا أظن أن القوى العظمى ستسمح بهذا الخيار. وقال بوعيدة المنتمي إلى الأقاليم الجنوبية"منطقة الصحراء منطقة شاسعة وفي حالة الحرب يخشى اختلاط الأوراق ودخول فلول الإرهاب إلى الإقليم،والبوليساريو تلوح بالعودة للضغط على المغرب،لكنها مدركة أن الخيار صعب". وزاد المتحدث الذي سبق وان نشر مئات المقالات حول قضية الصحراء" المعركة ستحسم داخليا فوق الإقليم إن هي نجحت في تصدير أبناءها للمغرب الذي بلع الطعم واستقبل شباب لا يوجد لديهم أي التزام سوى تفجير الوضع". وهنا تساءل بوعيدة عن سوء تدبير ملفات العائدين ومتابعتهم و التأكد من هوياتهم،" كما حذر من "توظيف المغرب للموضوع خارجيا،في حين يخسر أوراقه داخليا».لكن هل حققت احداث مخيم أكديم أكدز المطلوب منها؟ يقول مصدر من المكتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بالعيون"لم تحقق أحداث العيون ذلك الزخم الإعلامي والسياسي المرجو منها، ولم يحصل تنديد أممي وسياسي وحقوقي واسع ضدالمغرب. وفشلت كل الضغوطات التي مورست على جبهة البوليساريو من أجل مقاطعة جلسة المفاوضات، لغاية أن يصدر تنديد و لو شبه رسمي من الهيئة الأممية يدين التصرف المغربي » . وأضاف "رغم الخسائر الكبيرة التي خلفتها الأحداث فإنها بالمعنى السياسي ظلت نتائجها محدودة" لقد نأت الأمم المتتحدة بنفسها عن الحادث، وعبر ناطقها الرسمي عن عدم وضوح الرؤيا و الدافع والمحرك الأساسي للأحداث، وهي إشارة ضمنية إلى وجود طرف ثالث في القضية » يقول نفس المصدر . وفي سياق ربط الأحداث بعضها ببعض ربط المسؤول الإسلامي بين ما وقع في العيون وتحركات المواطنين المغاربة في سبتة ومليلية وقال" إذا استحضرنا الاحتجاجات التي شهدتها مدن سبتة ومليلية وتململ السكان الاصليين بالمدينتين يمكن أن نفهم التحالف الجزائري الإسباني فيما يخص الدعم الإعلامي وشبه الرسمي الذي تقدمه الأوساط الإسبانية للبوليساريو » . استراتيجية الحرب السرية في الصحراء اكتشفت جبهة البوليساريو مع مرور الأيام أن حالة اللاحرب واللاسلم تهددها بالتآكل. وكان ظهور معارضي الداخل جزءا من إشارات فهمها قياديو البوليساريو. وبنصيحة من بوتفليقة صار الرهان هو تحريك الجبهة الداخلية في مدن الصحراء. وانتقلت جبهة البوليساريو لتدشن حربا سرية وقودها العائدون إلى المغرب. يقول مصدر امني مغربي ان العديد من العائدين إلى المغرب تم اكتشاف استفادتهم من تدريبات على العمل الاستخباراتي في كل من كوباوالجزائر. وهذا يطرح مخاوف كبيرة عبر عنها بشكل واضح الأكاديمي المغربي المنحدر من الصحراء الدكتور عبد الرحيم بوعيدة حيث قال في اتصال بالمشعل" وجهة نظري تتمثل في أن الخطر الحقيقي لا يوجد في تيندوف وإنما يوجد هنا بالعيون، لأن تيندوف وجبهة البوليساريو معروفة كخصم». وأكد أيضا أن جبهة البوليساريو "تدرك أن رهانها الحقيقي يوجد في ضمان حلفاء لها في المناطق الصحراوية"وهنا ذكر بوعيدة بأن بوتفليقة قال في وقت سابق لبعض قادة البوليساريو" لن تستطيعوا تحقيق الاستقلال ولوساندتكم كل دول العالم، إذا لم تحولوا الصراع إلى داخل المغرب". وهكذا سعت البوليساريو، من خلال العائدين الذين تكونوا بشكل جيد في الجزائروكوبا، أن تضمن لها موطئ قدم في مدن الصحراء. وهنا أكد بوعيدة بأن "هولاء العائدين يجب التعامل معهم بحذر من أجل إدماجهم لأنهم لن يتخلوا بسهولة عن توجهاتهم وتعاطفهم بالسهولة التي نعتقد". بوعيدة الذي وصف نفسه بأنه صحراوي "لكني لست مدافعا عن البوليساريو ولاتربطني بهم أي علاقة لأنني مواطن مغربي ولا أدافع عن المقاربة الرسمية بل أدافع عن الحقيقة والتي لا يمكن إلا أن تصب في مصلحة المغرب " قدم ما وصفه وجهة نظر مخالفة نوعا ما لما هو متداول هنافي المغرب. وفي هذا الصدد يقول « العائدون هم وقود المنطقة الذي يمكن أن يخلق متاعب للمغرب" لذلك على "المغرب أن يعتمد على الوطنيين الصحراويين الذين يشكلون صمام الأمان الحقيقي لملف الصحراء » .وأضاف المتحدث "يجب أن يتم مقاربة الملف بطريقة ديمقراطية حتى لا يتحول البووليساريو إلى الممثل الوحيد لمطالب السكان فأنا كصحراوي لا أعتقد أن الكوركاس يمكن أن يمثلني كما أن الاعتماد على شيوخ القبائل أبان عن فشله ». وأكد في الوقت ذاته على ضرورة «الانتباه إلى وجود وطنيين صحراويين يمكن أن يشكلوا صمام الأمان الأساسي في مل الصحراء بعيدا عن الارتزاق والابتزاز لأن ذلك ليس حلا. كما أن الاهتمام بقضايا الشباب والقضايا الاجتماعية بالمنطقة يجب ان تكون من خلال الإدماج في الوظائف العمومية والاهتمام بقضايا التشغيل، لأن هولاء هم الذين يمكن أن يقفوا الند للند في مواجهة كل المناورات". ويوافق الدكتور أحمد مفيد على ضرورة وضع مشكل الصحراء في سياقه الداخلي والخارجي حيث" أن للجزائر أطماع كبيرة في المنطقة بدليل أن ميزانيتها العسكرية تقارب الأربعين مليار دولار سنويا علما بأن لا تهديد يواجهها" يقول مفيد. وأضاف في السياق ذاته" الدولة المغربية ارتكبت مجموعة من الأخطاء في تدبير الملف خاصة من الناحية الاجتماعية، فالصحراء وكغيرها من مناطق المغربية يجب أن تحظى بسياسة اجتماعية استراتيجية وليست مرتبطة بأحداث ظرفية" يقول مفيد.