يحُكى أن عاملاً كان يبني له منزلاً ، فبينما هو مشغول في عمله ،مر من جانبه رجل ولديه بعض العلم في موضوع البناء ، فشاهد الرجل طريقة البناء معوجة قليلاً ولديها اثار سلبية على المبنى بأكمله ، فتقدم لصاحب المنزل ، وبدأ في النقاش معه في الآثار السلبية جراء هذا البناء وأعطاه معلومات كافية ، وطال النقاش دون فائدة فصاحب المنزل مُتعلق برأيه ومُتعصب ، ولا يرى أن الرأي الأخر مُقنعًا له ،بل أنه مُقتنع برأيه .. وظل الرجل يحاور صاحب المبنى حتى يوضح له حقيقة البناء ، ومازال صاحب المنزل مُتمسك برأيه ، ويقول في نفسه "من أنت حتى تعلمني طريقة البناء فلدي باع طويل في البناء" ، مرت الأيام ثم مرت الشهور ، فوقع المنزل فوق صاحبه .(قصة منقولة) في القصة اعلاه كثير من العبر والمعاني،وقراءتها بتمعن من طرف انصار بن كيران ومعارضيه يبدو واجبا قبل أن يسحبونا إلى مرحلة يسقط فيها البيت فوق رؤوسنا جميعا. المطلوب مني، والمفروض فيك قبول الرأي الآخر، المختلف معك، المضاد لأفكارك ،ضرورة بدونها لا يكتمل تأسيس دولة قوية، لذا فالنقد حق، والاختلاف حق، والاعتراض حق، وطرح وجهات نظر مختلفة حق.. ولكن هذا الحق كيف تستخدمه وتمارسه، تلك هى المشكلة! قطاع عريض من اتباع بن كيران ومعهم بعض السياسيين أعلنوا غضبهم أكثر من مرة ورفضهم المتكرر لما يفعله نشطاء مواقع السوشيال ميديا وإعلاميون وسياسيون من هجوم على بن كيران وحكومته، كثير من اعضاء حزب عبد الكريم الخطيب أعلنوا كرههم للديمقراطية وقيّمها التي اوصلتهم لسدّة الحكم حينما نشر بعض خصومهم صورا شخصية، وحينما خاض البعض الاخر فى حياة برلماني وعلاقاته الغرامية،وكان موقف منخرطي حزب العدالة والتنمية واضحا من رفضهم محاولات السخرية من رموزهم، ومن اختياراتهم السياسية.. وكل هذا حق، أو بمعنى أصح وجهة نظر تحترم.
ثم تتوالى الوقائع بعد فشل بن كيران في تشكيل حكومته، لكن لتفضح المشكلة وطبيعتها، نفس النشطاء الذين يرفضون توجيه الاتهامات ، ويكرهون السخرية من بن كيران وشلته ، ويشمئزون من انتهاك الحياة الشخصية لبعضهم، ارتكبوا خطيئة النهى عن الفعل والإتيان بمثله، نفس النشطاء الذين كرهوا ما سبق،هم أنفسهم الذين ينصبون منصات توزيع اتهامات الفساد والتخوين على بعض خصومهم من حلفاء الامس المضادين لهم فى تشكيل الحكومة، نفس النشطاء الذين رفضوا السخرية من حزب العدالة والتنمية ورموزه هم الذين يسخرون من حزب التجمع الوطني والبام ..ورموزهم ومن نشطاء مواقع السوشيال ميديا ، نفس النشطاء الذين يرفضون توزيع تهم النفاق والانتهازية على قيادتهم هم أنفسهم يفترشون صفحات الفيس بوك والمواقع الالكترونية لتوزيع صكوك الشرف والنضال على بن كيران ومن لفّ لفّه، ونفس النشطاء الذين يرفضون غضب رجل الشارع العادى من تبجح بن كيران واستأسده على المواطن البسيط هم أنفسهم يتهمون أخنوش بالخيانة والتّحكم ،ويتهمون غريمهم العماري بحماية تجار المخدرات، ويوزعون التّهم يمنة ويسرة على النشطاء الاعلاميين وكافة المعارضين بأنهم يتلقّون تمويل من جهات مشبوهة ،ولا يتورّعون في الغمز واللمز لكل من سوّلت له نفسه الجهر بكلمة حق.
ذلك هو المرض وتلك هى آفة من يتصدرون المشهد الآن ، فكيف يقتنع الناس بأن اتباع حزب فاشل في اختياراته ولا يقبل النقد قادر على تقويم وتخليق الحياة السياسية إذا كان هو نفسه يعانى من ميل أخلاقى ومنهجى وفكرى يصل فى بعض الأحيان إلى مرض، مرض يعمى بعضهم عن رؤية الفرق بين الخصومة السياسية والخصومة مع الشعب، مرض يدفع قلوبهم لأن تشتبك بقلة أدب مع كل صوت معارض لهم بغض النظر عن الحجج والبراهين التي يقدمها، وأن يشمتوا فى تعنيف فئة من المجتمع، كيف لرجل الشارع العادى أن يأتمن مراهقا على مستقبل وطنه السياسى، كيف يمكن لرجل الشارع العادى أن يثق فى اعضاء حزب سياسي يرون أن من حق قادتهم فعل كل وأي شيء دون حرج من اجل الحفاظ على الكراسي ،بينما يجتهدون لكشف أي زلة مهما كانت بسيطة لإهانة خصومهم واحراجهم وتحوير أي خطوة مهما كانت في مصلحة الشعب،ولو أنهم كانوا أكثر اجتهادا فى دراسة حالة أو تقديم رؤية لكان خيرا لنا ولهم. ختاماً، كثيرون يهووّن حصر وتعداد أخطاء حكومة بن كيران والقريبين منها وشرحها وعرضها فى بيانات وعناوين براقة طمعا فى "لايكات الفيس بوك" أو حتى يظهروا في مظهر المناضلين، ويخشى الكثيرون أو على الاقل يمتنعون عن حصر وتعداد أخطاء المعارضة وشرحها للناس خوفا من أن يتم اتهامهم بنفاق الحكومة وتملّقها، بينما واحدة من أبرز حقائق الديمقراطية أن نفاق الرأى العام، ومحاباة المعارضة، أخطر بكثير على المسار الديمقراطى من نفاق الحكومة.. أفلا تعقلون؟! اخر الكلام :نتمنى من الاخوان في حزب العدالة والتنمية أن يتحلّوا بكثير من سعة الصدر،وأن يدركوا حجم مسؤولياتهم ويعلموا أنهم مثل الطالب في مختبر الكيمياء،إذا فشلت تجربته لن تنفجر في وجهه فقط..بل تحرق معه المحيطين به.