عن أية امرأة تتحدثون ؟ .. بصيغة المفرد أم بصيغة التعدد ؟ .. ذلك هو الإشكال .. إعلام كاذب ، فقهاء منافقون ، سياسيون يتاجرون بسقف مطالب النساء .. ومثقفون يكتبون عن حقوق وحرية المرأة وهم أول من يضع على فمها قفلا ويحولها إلى حريم .. هاهو اليوم العالمي للمرأة يسألنا جميعا ، ما معنى الاحتفال يا سادة ؟ .. ماذا أصاب الكائن البشري ؟ .. هل يُعقل أن نحتفل بالمرأة بمعزل عن الرجل ؟ .. وهل يُعقل أن نحتفل بالرجل بمعزل عن المرأة ؟ .. قد يكون ذلك جائزا في مجتمعات غير طبيعية تقوم على الفصل بين المرأةُ والرجل .. لكن راهن المرأة يقودنا اليوم إلى تساؤل مشروع ، هل هناك امرأة بصيغة المفرد أم هناك نساء بصيغة التعدد ؟ .. لماذا حوَّل هذا اليوم المرأة إلى رقم من الأرقام ، وجعلها عيدا عالميا ، مع العلم أن العالم قسمه الأقوياء إلى عوالم متعددة ؟ .. هل أصبحت المرأة في ظل هذا التصور العالمي صورة مثالية لما هو سائد على أرض الواقع ؟ .. إن من يتمعن في حياة المجتمعات المعاصرة سيصاب اليوم بالدهشة وهو يرى المرأة في ظل الشروط الراهنة قد تحولت إلى أداة بيد أنظمة الاستغلال دون مراعاة ظروفها الاستثنائية ، ومكانتها الاجتماعية التي جعلتها عنصرا أساسيا في الحفاظ على تماسك الأسرة والمجتمع .. موت المرأة كإنسان أو كفكرة على مستوى النظام الرأسمالي تزكيه عصابات الاستغلال التي ترى في المرأة مجرد عرض رخيص لتنمية ثرواتها ، بل أكثر من ذلك وضعت لها قوانين صورية في دساتيرها ، وعلى صفحات مدوناتها ، وقوانينها التي تتغنى بالمناصفة والمساواة ، لكنها في العمق مجرد استدراج ماكر لاستغلالها بشكل فاحش .. واقع الحال يقول ، ليست هناك امرأة واحدة ، بل هناك نساء ونساء ، وكل محاولة لترويج صورة وردية للمرأة هي ضرب من الوهم والخيال .. الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ، من منظورنا ، هو أجمل أكذوبة في تاريخ البشرية ، لأنه لعبة يائسة لطمس الفوارق في مجتمع الطبقات ، هو سياق إيديولوجي عام لوضع مساحيق الزينة على قضية المرأة التي تخفي وراءها قضايا المجتمع الكبرى .. لم يتهاون إعلامنا العربي المتخلف في مواكبة ضجيج يوم العالمي للمرأة الذي حوَّلَه إلى فلكلور سياسي ، ورغم التضليل اللغوي الذي صيغت به قضية " المرأة " فإن ظاهر العبارة يشي بأن من فكروا في تخليد هذا اليوم هم على صواب لأن المقصود هنا بالمرأة بصيغة التعريف هي طبقة النساء المحظوظات ، أي " نساؤهم " ، أما باقي نساء العالم اللواتي يعشن تحت سقف الدونية والقهر فهن مجرد كومبارس داخل أوهام الاحتفال .. منذ زمن طويل ، والرجل والمرأة يناضلان من أجل البحث عن هوية تجسد الاختلاف وعن مجتمع إنساني متحرر من الرقمية والتشابه ، لم يقف المجتمع الإنساني عند هذه الحدود ، بل ظل عبر تاريخه الطويل يخوض صراعا من أجل جعل قضية المرأة منطلقا نحو الثورة والتحرر .. ليست المرأة مشكلة ، بل المشكلة هم السياسيون ، وبعض تجار خمسة نجوم الذين حولوا جزء منها إلى استثمار لمشاريعهم السياحية ، وجعلوها بضاعة لطلاب المتعة العابرة ، ومحورا أساسيا لتنشيط اقتصاد الليل .. المشكلة ، أيضا ، هي المدرسة نفسها بمناهجها التقليدية ، والنظام التربوي بسياسته الطبقية الذي يناور باسم المناصفة العادلة في توزيع نسق التربية والتكوين كحق أساسي من حقوق الإنسان ، وبالتالي يفرق بين المواطنين انطلاقا من موقعهم الاجتماعي في طلب التربية .. ومادام هذا الواقع التمييزي قائما في بلادنا العربية ، فإن الاحتفال بعيد المرأة هو احتفال باغتيال الحقوق في مهدها .. والمشكلة تكبر ، كذلك ، عندما تصبح المرأة جسدا لتلبية الغريزة ، و" شهرزاد " العقل الذي استحلى الخرافة والأساطير ، وتغدو ليلى وعبلة حديثنا اليومي ، وإشكالية الوعي الباطني لبعض مثقفي المرحلة .. على باقي النساء الكادحات ، إذن ، أن يدركن أن الاحتفال بعيد المرأة هو محطة للتأمل في واقعهن الاجتماعي ، وأن النضال هو حركة دؤوبة لا تتوقف عند يوم أو شهر من أجل تحقيق الحرية والعدالة والكرامة .. أما من يريد الاحتفال بهذا العيد بطريقته الكرنفالية فعليه أن يدرك بأنه يصطف في خندق نساء الطبقات المستفيدة من امتيازات السلطة والثروة تحت سقف يوم مظلل .. ما الفائدة ، إذن ، من احتفال إنشائي ممل تتحرك فيه العلب الصوتية لتوضيب المديح والكذب على صفحات يوم ملغوم ؟ .. ما الفائدة من احتفال امرأة كادحة بشعارات مخدومة تصب في مصلحة جهات معينة ؟ .. لماذا تحولت محطة هذا المنعطف إلى خطاب للتطرية والتسييس ؟ .. ملايين النساء خادمات تحت أعتاب المذلة ، وغيرهن مشردات في بيوت الرذيلة والدعارة وأخريات ناء بهن الحمل في غياهب القرى والمداشر ، وكثير منهن يتسولن في الطرقات والشوارع بدون حق في العيش والكرامة ، هل هذه الفئة تعتبر جزء من هذا الرقم الصعب أم أنها مجرد جمهور غفير مطلوب منه أن يتفرج ويصفق لعرض مسرحي بنكهة مسرح العبث ؟ ..