أسرة متآكلة يعلوها الصدأ ورائحتها تزكم الأنوف، أفرشة وأغطية تملؤها الثقوب، جدران فعلت بها الرطوبة ما فعلت، نوافذ زجاج أغلبها مكسر وأصبحت لا تقي من الحر والقر، وجبات غذائية يشهد الجميع بأنها لا تكفي، قاعات تأوي نزلاء تشبه إلى حد ما أكواخا، صنابير جافة وماء بارد للاغتسال، ومراحيض نثنة، وفوق ذلك تهديدات و أوامر عليا، ومن تكلم عن شيء اسمه المعاناة سيكون مصيره أوخم … أهلا بكم إلى السجن الإختياري بأيت الرخاء. إعداد: محمد بحراني
المؤسسة " الإسم " فقط: تعيش المؤسسة الإجتماعية دار الطالب والطالبة بأيت الرخاء إقليمسيدي إفني أوضاعا وصفت بالكارثية والمأساوية على مختلف الأصعدة، ما جعل الرأي العام المحلي يضع علامات استفهام كبيرة حول كيفية تسيير هذا المرفق الإجتماعي، وهل هو فعلا يؤدي خدماته على أحسن وجه أم أنه لا يحمل إلا الإسم. زيارة فريق تيزبريس للمؤسسة بداية هذا الأسبوع، جعلته يقف على عدد من الشهادات الصادمة والصور الكارثية من قلب " دار الطالب والطالبة " بجماعة أيت الرخاء، كما سيأتي في هذا الربورتاج، وأيضا من خلال الربورطاج المصور. الكلاب وحق الجوار: كتب للمؤسسة أن ترى النور ذات يوم وسط السوق الأسبوعي مركز أيت الرخاء، كما كتب لبنايتها أيضا أن تجاور المربد الخاص بالدواب هناك، وهو المكان المفضل أيضا لأرباب المقاهي والمحلات التجارية والحلاقين وأصحاب الورشات وغيرهم – المكان المفضل – لإفراغ أزبالهم بشتى أصنافها، وإن كانت مخلفات الجزارين هي التي تنال حصة الأسد من هذه الأزبال، الأمر الذي جعل المكان محجا للكلاب الضالة التي تقضي وقتها هناك، وتقبع ليل نهار دون حسيب ولا رقيب، تقتات وتتوالد وتتكاثر وتفعل ما تشاء، وحسب عدد من الشهادات فهي تعيش جنبا إلى جنب مع النزلاء، حتى وإن كانت بالخارج إلا نباحها ورائحة فضلاتها يأبى إلا أن يقتحم الأبواب والنوافذ، إن كانت هناك نوافذ أصلا. تفاحة لأربع نزيلات : صرحت مجموعة من نزيلات دار الطالبة للجريدة أنهن يعشن الأمرين داخل المؤسسة، إذ يفتقدن لثلة من شروط العيش الكريم، كتلك المتعلقة بالنظافة والتغذية وغيرها. لكن وإن كان ما ذكر يحز في النفس، إلا أن ما صرحت به هؤلاء الفتيات خلال زيارتنا للمؤسسة كانت أقسى، خصوصا عندما اعترفن بأن كل أربعة منهن يقتسمن تفاحة واحدة، وهي شهادة تحيل على أن ما خفي أعظم، وما يحاك وينسج بين أروقة المؤسسة يكتنفه الغموض، سيما تؤكد مصادر للجريدة أن عددا من المستخدمين لا يغادرون أسوار المؤسسة إلا وحقائبهم ملأى بأصناف المواد الغذائية. موظف يعمق الجراح: صادف تواجد الجريدة بأيت الرخاء وزيارة لجنة إقليمية لتفقد الأوضاع بالمؤسسة الإجتماعية دار الطالب والطالبة، بمعية عدد من المسؤولين المحليين، لكن الذي وقع لم يكن أحد ينتظره، موظف بالقسم الإقتصادي لعمالة سيدي إفني يسأل نزيلة عن حاجيات المؤسسة، نظرت الطفلة حولها وحملقت في المسؤول الأكبر منها سنا وشأنا، فقالت له بابتسامة يملؤها الإحترام " الصباغة " بعد أن اكتشفت أن الجدران الداخلية تقشرت وفعلت بها الرطوبة ما أرادت، لكن الموظف السالف الذكر أجاب الطفلة ببرودة أعصاب " الصباغة ديال الفم ؟؟ ". جواب الموظف "القاسي"، لم يحرك أحدا من المسؤولين، وهو الأمر الذي استغرب له الجميع، إذ اعتبر عدد من النزلاء والنزلاء أن سكوت هؤلاء هو مباركة لما وصفوه ب " الإهانة " المقصودة التي تعرضت لها زميلتهم. ضرب وتعنيف ومخاطر محدقة: يحكي عدد من النزلاء قصصا درامية عاشوها، كانوا فيها ضحايا لأناس يحكمونهم، لكنهم صبروا لفصول المعاناة لظروف عديدة يتقدمها الخوف من الطرد وبالتالي تفاقم الوضعية. في حديثنا مع هؤلاء تحدثوا عن الضرب الذي تعرض له عدد منهم فقط لأنهم طالبوا بتحسين وضعهم المعيشي داخل أسوار المؤسسة التي تحتلف كثيرا عن المؤسسة السجنية. " نزيل " يتحدث كيف فقد " غطاءه " الوحيد ذات ليلة بادرة، فعندما شكى أمره للمسؤول قابله الأخير بالضرب ليعود أدراجه وينام في جلبابه مقاوما شدة القر حتى الصباح. ويحكي آخرون أن الأسرة التي ينامون عليها أكل الدهر عليها وشرب، بل فيها ما هو مكسر من قوة تآكلها بفعل الصدأ، ما يشكل خطر حقيقا خصوصا على النزلاء الذين ينامون في الأسرة المتواجدة في الطابق السفلي، باعتبار أن الطابق العلوي قد يسقط عليهم في كل لحظة كما يعترف بذلك عدد من هؤلاء. النزلاء .. الفريسة السهلة: عندما تغيب المراقبة اليومية، وتغيب فرص المطالعة التي تكون عادة في كل دور الطلبة، وتغيب فرص الأكل والشرب والمبيت، تغيب شروط البقاء بين جدران المؤسسة، حينها نزلاء كثر يغادرونها من أجل كراء بيوت صغيرة في مختلف أزقة السوق الأسبوعي، ما يعرض حياة هؤلاء للخطر، خصوصا تؤكد مصادرنا أن ثمة أشخاصا غرباء يستغلون هؤلاء التلاميذ من أجل قضاء حاجتهم وإفراغ مكبوتاتهم الجنسية مقابل دراهم معدودات، وهو الأمر يستوجب بحسب ذات المصدر من السلطات المحلية أن تتحرك للحد دون تفاقم الوضع، من جهته يؤكد طالب جامعي ابن المنطقة أن عددا من التلاميذ نزلاء دار الطالب والطالبة سبق وأن تعرضوا لاغتصابات، لكنهم فضلوا التكتم عن الأمر. أب تلميذ سبق وأن كان نزيلا بالمؤسسة كشف لتيزبريس كيف أن ابنه أصيب بمرض التبول اللا إرادي، وقال في حديثه للجريدة أن المرض كان بسبب الأوضاع المتدهورة بالمؤسسة، مضيفا أن ابنه كان يغتسل بالماء البارد، ما أثر على جهازه التناسلي، شأنه شأن الكثيرين من أقرانه هناك. من المسؤول ؟ من المسؤول عما آلت إليه الأوضاع داخل المؤسسة الإجتماعية دار الطالب والطالبة، سؤال عريض يطرح نفسه بقوة اليوم في أيت الرخاء بجماعتيها المحليتين، قبل أن يطرحه الرأي العام المحلي، ثم كيف تسري الأمور في الداخل، وبداخل الداخل، هل تخضع لمعايير معينة أم أن المسؤولين على المؤسسة يفعلون ما يشاؤون وليس ما أنيط إليهم ليفعلوه، ثم كيف تصرف ميزانية المؤسسة التي تعرف فائضا سنويا، يقدر بالملايين ونزلاء يلهثون وراء فتات خبز وقشور فواكه وقليل من الكرامة، مع العلم أن المؤسسة تستفيد سنويا من منح تقدر بملايين السنتيمات سواءا من جماعتي أيت الرخاء المركز وسيدي عبد الله أوبلعيد وأيضا من مؤسسة التعاون الوطني، أسئلة وأخرى ننتظر الإجابة عنها في قادم الأيام.