اعتقدت في لحظة انتشاء، وأنا أخاطب الجماهير المحتفلة بكلمات عقب إعلان النتائج التي أسفرت عن فوز ساحق لمرشحينا، أن المدينة مقبلة على مرحلة جديدة سترسم صورة مشرقة وغير مسبوقة حول تسيير الشأن العام. إلا أن مفاجآت غير متوقعة كانت في انتظاري على طريق تحمل المسؤولية، وحتمت علي توقفا إجباريا، معرجا بعد ذلك في اتجاه معاكس منحني، على الأقل، استقلالية في الموقف ووضوح رؤية، لأعيد النظر في تصور بأكمله، والبحث بعد ذلك عن بوصلة تقودني في حذر وتقيني شر مسار يدعونني إليه. وجوه دارت 180درجة انكشفت الوجوه التي نجحت في إخفاء ملامحها الحقيقية في حمأة الحراك الاجتماعي، الذي عرفته المدينة، والتي طالما ادعت وفاءها للخط الجماهيري، الذي رسمته الجماهير بتضحياتها الجسيمة، وسارعت إلى الانقلاب بمجرد جلوسها على كرسي المسؤولية، محققة بذلك الرقم القياسي العالمي في الدوران 180 درجة، وهو الرقم الذي يخول لها ، ودون منازع، الدخول إلى سجل مزبلة التاريخ. سيفشل حزب "أركانة"، الذي وعد باستمرارية النضال من أجل التغيير الشامل، في إعطاء الدليل الملموس على أن كتابته الاقليمية، التي امتلأت كراسييها بالعائلة والاقربين، تملك القدرة والشجاعة على تأسيس تجربة حزبية حقيقية تسهر على احترام مستشاريها لمؤسسة المجلس البلدي المعبرة عن الإرادة الشعبية والمنبثقة عن صناديق الاقتراع. وإذا كان لابد من التذكير أن الانتصار المدوي لحزب "أركانة" هو بالأساس نتيجة مباشرة لتزكية جماهيرية لمرشحي السكرتارية المحلية الذين اختاروا لونه، عقب المعركة الحاسمة التي انطلقت عقب أحداث السبت الاسود، والذين قادوا معركة غير مسبوقة على كافة الأصعدة، ميدانيا وإعلاميا وسياسيا لمواجهة الهجمة المخزنية الشرسة التي كانت تستهدف تدمير قلعة الدفاع عن الكرامة بسيدي إفني، واستطاعوا على إثر ذلك كسب ثقة مفقودة أفضت الى جلوسهم المريح على كراسي تسيير البلدية بعد انتزاع أغلبية ساحقة. إلا أن المزايدات التي لم تغب عن قاموس الأنا المتضخم، الذي عجل بحدوث ثغرات خطيرة تسربت من خلالها كل عوامل الانهيار والتخريب، التي ما فتئت أن أتت على كيان الكتابة الاقليمية، الفاقدة أصلا لحصانة ديمقراطية لم تكن لتتوفر بوجود أشخاص لايؤمنون إلا بالولاءات العمياء التي ترضي غرورهم المتأصل، لتنهار على إثر عجزها في مقاومة تحديات المرحلة. إنه الفشل الذريع الذي جرته "أركانة" وراء سلوك سياسي أقل ما يقال عنه أنه استئصالي ومتخلف، يسير دون وجود تصور واضح وبوصلة تضمن القيادة على طريق المسؤولية الوعر. ولعل إحدى الخطوات الأكثر فداحة التي أقدمت عليها الكتابة الاقليمية للحزب الاشتراكي، إلى جانب أخرى تمثلت في تشكيل مكتبها على مقاس ضيق لا يتناسب و حجم المكاسب الكبيرة المحققة، التي تستلزم وجود قيادات حزبية قادرة على حمايتها وتحصينها والمشاركة الفعالة في صناعة القرار عوض تعيينات لأسماء جُبلت على الصمت وتلقي الأوامر، هي منحها تزكية لأشخاص تسبقهم سمعتهم الملوثة، دفعت ب"أركانة" الى تجرع أولى انكساراتها المرة في انتخابات الغرف والمجلس الاقليمي رغم العدد الكافي للمستشارين الذي يضمن عبورا سلسا لمرشحيها نحو التمثيلية. العبث داخل المجلس البلدي سيستمر العبث داخل المجلس البلدي ولايزال ، وستعجر عَين الكتابة الاقليمية عن رؤية الحقائق، فيما ظل لسانها يُسَبح بإنجازات لرئيس لم يرى بدا من تأليف سيناريو تافه عله يتمكن من تحييد الصوت المزعج كي يخلو له المجال لتوجيه "الأوركسترا" على إيقاعه الخاص. ومن أجل الوصول الى ذلك تكلفت الكتابة الاقليمية لحزب "أركانة" بمهمة توفير الغطاء والاشراف على إخراج السيناريو، المعد سلفا من وراء الكواليس، والذي لم يفلح في انتزاع إعجاب وتصفيق من دُعوا للتفرج على مسرحية هزلية بامتياز. لقد باءت تجربة "أركانة" بالفشل في مختبر الممارسة ، لتسفر عن امتعاض واستهجان كبيرين لدى ساكنة سيدي افني، التي لم تتوقع أن يتحول أبطال "الأمس" إلى خارجين عن تغطية وفرتها لهم الجماهير، ليعجزوا بذلك عن تسلم رسائلها الواضحة في أكثر من مناسبة، وإلى "انتحال صفة" وحدة أمنية سخرت سيارات الخدمة ليوم كامل في مواجهة وقفة احتجاجية تافهة، إن كنا نختلف مع أصحابها، إلا أننا لا نملك الحق ولا المبرر للعمل على نسفها. هكذا اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن مؤسسة المجلس البلدي التي يفترض أن تنحاز إلى هموم المواطن وتسهر على إيجاد الحلول لمشاكله ستتحول إلى اقامة للسكنى و مقرا "للبلطجية"، حيث ترسم الخطط السخيفة لمواجهة الخصوم. ولعل الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان هي أن المجلس البلدي الحالي لم يواجه الإكراهات والصعاب التي عانت منها المجالس السابقة، حيث لم تكن لا عمالة ولا برامج حكومية ولا منح استثنائية، إلا أنه، وللأسف، لم يستطع الاستفادة من هذه الظروف الايجابية واختار تفكيك أسس الوحدة التي بنيت على جسر الثقة الذي ينهار يوما بعد يوم على أيدي معاول مجلس الظل المشكل من حفنة من "ذوي السوابق" و"أدواتهم التنفيذية الطيعة". يأس وأمل صحيح أننا أصبنا ب"داء فقدان الثقة المكتسبة"، نتيجة لهذا التواصل غير الحذر ، و بعد أن تسللت إلينا كل أشكال اليأس ممن اعتقدنا في لحظة جنون أنهم تخلوا عن عاداتهم القديمة، إلا أننا سنظل نحصن أنفسنا بالأمل في قدوم ربيع آخر غير ذاك الذي وعدت به "أركانة"، والتي انتزعت رياح الحقيقة جذورها المترهلة من حقل سياسي أصبح اليوم أكثر نضوجا. و لعمري ما كنت لأصرخ من على المنصة، خلال الحملة الانتخابية، مطالبا بالتصويت لهكذا مستشارين... لو أني عرفت أنهم سينتحلون الصفة ويتحولون في سرعة البرق إلى مستعارين!!! بقلم: محمد سالم الطالبي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته