علي مغازي يختار الدخول مع حبيباته في مغامرة نص رائي مفتوح لا ينتهش بل يغوي المعنى. صدر حديثاً للشاعر الجزائري علي مغازي عن "دار ميم للنشر" ديوانه الثاني "حبيباتي" في 84 صفحة، ويتضمن 12 قصيدة أغلبها نثرية، يفتتحها الشاعر بمدخل يؤكد خصوصية هذه التجربة المختلفة جذريا عن سابقتها "في جهة الظل"، ذلك أن علي مغازي اختار هذه المرة الدخول مع حبيباته في مغامرة نص "رائي مفتوح" لا ينتهش، بل يغوي المعنى، لا ينشد الوصول بل يتقوقع في العاصفة، يستكين في جريانه، يتمرد، ينسف ويغالط حتى دلالاته، إنه يبلغ أقصى حالات الكشف بالمراودة. "حبيباتي" إذن ثورة حبّ أزرق، تدعو العالم إلى استعادة بكارته. حيث المعنى يؤسّس للشّكل وينكسر الشكل في المعنى. حيث التخريبُ يبْتهجَ واللغة تتأتى من الانقلاب. "حبيباتي" مجموعة تعلن عن أكثر من دافع قوي لإخراجها إلى القارئ العربي لتكون بمثابة الصدمة التي تعيدنا إلى طفولة العالم حيث إمكانات مراجعة ما يفرض من قيم جديدة على الإنسان المعاصر، العاجز عن التصالح مع ذاته بعدما أهمل الجانب الحِبّي من حياته الداخلية وربما السرية أيضا. هي قصائد تختصر، دون تعال، أسئلة الحياة التي طالما غابت عنا في وحدتنا الممزقة في اليومي والشاردة في تفاصيل تزيّفُ معطياتِها الإرغاماتُ على السكوت واللجوء إلى التعبير المريض عن حياة صارت مسيّجة ببعدها المادي. من أجواء المجموعة لا تزال الحياة في الأزرق حجرا كان عمري.. فلما طوّقتْني ذراعاكِ صارَ عمري غابةً في شجرةٍ كلُّ غصن منها.. كلُّ برعم يقتلعُ الرّيح من الجذور.. *** هل لماءٍ أن يمتلئ بدلو..!.. هل لثمْرةٍ أن تتلذّذَ بآكلها ..!.. تقدّمتِ النحلةَُ على الوردةِ.. ومالتْ على الغصنِ النافذةُ.. وابْتهج التخريبُ الباردُ الصامتُ في الأرجاء.. *** أخيرا.. إنّك هنا... كلّ التّقبيلِ يدُكِ.. *** تلفُّني نعومتُك المراوغةُ بينما النّغم الحالم في الدّاخل يتعقَّبُ حزنيَ القديم.. *** السّماء.. السماء السّماويّة تهطلُ في عينيكِ وأنا مستسلم للضّوء العنبري يتوهّج عبر المسامات.. للأنفاس.. تضبطُ الوقت على إيقاع الرّغبة المحتشدة.. للأوراق التّويجية.. تؤيّد الرّياح ضدي. للأحلام تغمضُ كحلَها... كحلَها الكحليّ على طفلٍ في البالِ لم يتعدّ عمْرَه. *** يااااااه... أريد أن تبلغَ القمةُ ذاتي وأشعر أنني قريبٌ منكِ، أنكِ داخلي.. أنكِ قريبةٌ وأنّني داخلُك أخرجُ إليّ.. ولا أعرفُ أين كنتُ وأيّ نهايةٍ منها أبدأُ.. *** تذكّري: يكفيني انتشاركِ الواسع فيَّ.. *** حقنْتكِ بعرْقي فانْتشيتُ.. رأيتُ الشّمس ترتدّ من بقعة ضوء على كتفكِ المنمّش.. رأيتُ.. يا حبيبتي يا التي أنا حبيبُك أنّ كلّ ما دونك.. ذبابٌ على جناح نسر وكلّ "ما" دوني خصيان يحرسون أبوابَ الحريم. *** منذ سكنْتِني صار لي بيت وصار للكلمة ألوان.. صار للون أشكال.. وللشّكل روائحُ ينتشرُ فيها الهواء.. الهواء الذي يتقاذفُه شعرُكِ.. شعرك ما زالَ رطْبا في الرّقبةِ مِنْ غسْله.. والمنضدة أمام ركبتك العارمة... المنضدة تنزفُ لونا يُحَفّز زرقةَ الخلفيةِ على كَشْف كُلّ طيّة فاخرةٍ تُنجزَ في هذا الشّتاءِ الوافر تخيلاتَي الأكثر وحشية.. تخيلاتي التي على شكل بجعةٍ تُدوّرُ عنقَها المثالي.. *** بَعْض الطيور المتأنّقة المناقير يستحيلُ تصويرها.. *** أيتها الغمامية كعبارة هامسة في الأذن.. أحبّكِ.. ... ... ... ... ولْيبدأْ تدفّقُ البلاغة في حالة كهذه الشّفاه عادةً تبالغُ في اللّين وهذا القلب.. هذا القلب عادةً لا يستريحُ من الخفقان حتى تشبعَ منه النّار.