" كل كتابة في السياسة هي كتابة سياسية متحيزة ، و نحن متحيزون للديمقراطية " 1 - نصدر في تعاطينا مع المنجز السياسي الوطني و العربي و الدولي عن هذه القاعدة الذهبية ، التي صاغها فقيد العقلانية العربية المفكر محمد عابد الجابري . هكذا و في ظل حراك الشارع العربي و مناداة الشعوب العربية بالإصلاحات الحقيقية و الملموسة ، بعد أن عاشت عقودا من السنين تحت إمرة الحاكم الفرد الأحد ، و بعد أن استفاقت من مفعول مخدر شعارات" الوحدة و الاشتراكية و تحرير فلسطين " ، تمكنت من خلع حاكمين عربيين ( مصر – تونس ) اشتهرا بالاستبداد و كتم الأنفاس و إهدار المال العام .. و ظل " زعماء " آخرون في ليبيا و اليمن و سوريا يتفننون في قتل المتظاهرين العزل ، و يتنافسون حول من سيسقط شعبه ب" الضربة القاضية"، أما الجزائر فقد استطابت نهجها العسكري الأبدي المتمثل في تطويق الشارع و منع أية إمكانية للتعبير السلمي عن المطالب الإصلاحية .. في المقابل نجد المملكة المغربية قد نهجت طريقا مخالفا و متميزا عما عايناه في العالم العربي ؛ طريق الحوار السياسي بين القمة و القاعدة. فلئن كانت الشعوب في البلدان العربية قد خرجت تفجر غضبها في وجه الجمهوريات الوراثية ، دون أن يكون لديها أي تصور عن بناء نظام مجتمعي عصري ، مما أثر على نتائج " الثورة " ، فإن المغرب شهد نفسه خروج شباب مسؤول و منظم و في مختلف المدن و القرى المغربية للمناداة بإسقاط الفساد و محاربة المتلاعبين و المقامرين بمصير البلاد و العباد . 2 - و لم تذهب صيحات الشباب المغربي التواق إلى جيل جديد من الإصلاحات سدى ، بل وصلت رسالتها بسرعة رقمية إلى أصحاب القرار . و كان الرد مدويا : حيث تقدم الملك بخطاب غير مسبوق وطنيا و عربيا ، أعلن فيه عن ورقة طريق بإمكانها أن تساهم في تقوية مناعة النموذج المغربي ، و جعله أكثر فعالية و إشعاعا . خاصة و أن الخطاب تضمن جل الآليات الدستورية و السياسية القادرة على جعل التجربة السياسية المغربية تندرج في إطار نظام ملكي ديمقراطي حديث ، إذا صفت النوايا و انخرطت كل القوى الحية من هيآت و أحزاب سياسية و منظمات و هياكل المجتمع المدني و المنابر الإعلامية الرسمية و المستقلة .. بل إن التجاوب مع الحركات الشبابية تبلور على أرض الواقع من خلال إنشاء مجالس و تفعيل مؤسسات و العفو عن المعتقلين السياسيين ، على الرغم من أن جيوب المقاومة بالمرصاد لكل إجراء وطني جاد ، و ما توقيف الصحفي المغربي رشيد نيني في هذه اللحظة بالذات إلا دليل على ضلوع بعض " أصحاب النوايا السيئة " في عرقلة المسار الديمقراطي و العمل من أجل إفشال التجربة السياسية الوطنية لأنهم لا يرضون عن السباحة في المياه العكرة بديلا ؛ حيث الصفقات المشبوهة و اقتصاد الريع و المحسوبية و امتهان الرشوة و ما في معناها .. فمهما كانت جودة مواد الدستور الجديد و شفافية الانتخابات المقبلة فإن الأمر يستدعي مزيدا من الحذر و الانتباه لحماية الاستثناء المغربي من أدعياء السياسة و بعض " الحقوقيين " . 3 - و في مضمار هذه الفاعلية السياسية المغربية الإيجابية ، يوجه للمملكة إنذار غاية في الخطورة و الوحشية ، تمظهر في التفجير الإرهابي الذي ضرب مدينة مراكش / رمز الاقتصاد السياحي. و كأن صانعي الموت و ممتهني القتل المجاني يقولون للمغاربة : لا يمكنكم أن تقرروا مصيركم الديمقراطي و التنموي بطريقة حضارية و سلمية . و كأنهم يودون لو أن دماء المغاربة تدفقت أنهارا ، و دخلوا في صراعات دموية عقيمة على غرار ما نعاينه في " أنظمة الصمود و التحدي " . بعدا لهم ! لقد راكم المغاربة أصنافا من التجارب السياسية السارة و المؤلمة ، و انفتحوا على مختلف النظم العالمية و مارسوا التعددية رغم علاتها و الانتخابات الدورية في غياب النزاهة المطلوبة .. لذلك أيقنوا أن الحل الأنسب لحماية المكتسبات و المضي قدما نحو مزيد من الإصلاحات ، هو التشبت بالديمقراطية كخيار استراتيجي ، و ليس مجرد تكتيك انتخابوي و ديكور للإستهلاك الخارجي ، إنها وحدها الديمقراطية كآلية لمأسسة المجتمع و عقلنة الفعل السياسي ، و نموذج حياة بإمكانها أن تكون ردا مفحما على الأعمال الإرهابية العمياء ، و أن أي إجراء غير ديمقراطي تقوم به الدولة كرد فعل على هذا السلوك الإرهابي الدموي سيكون بمثابة هدية على طبق من ذهب ينتظرها القتلة على أحر من الجمر .إن بناء دولة الحق و القانون و احترام المواثيق الدولية ، و تقوية الجبهة الداخلية بإصلاحات اقتصادية و اجتماعية و سياسية صادقة .. من شأن كل ذلك أن " يضرب عصفورين بحجر واحد " : دحر الإرهاب البغيض وربح رهان البناء الديمقراطي و ما ذلك على المغاربة ببعيد ! [email protected]