لا يمكن أن يحدث مصاب جلل مثل وفاة المفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري، صاحب المسيرة الفكرية الحافلة بالعطاءخصوصا في دراسة التراث ونقد العقل العربي، دون تعزية مؤسسات فكرية وثقافية وطنية ودولية، ومفكرين مغاربة وعرب، أجمعوا على أن المغرب والعالم العربي فقدا بوفاة محمد عابد الجابري شخصية متكاملة ومفكرا متميزا، باعتباره من المفكرين العرب الكبار القلائل، الذين تمتعوا بالنزاهة والتواضع الأخلاقي، ونجحوا في المزج بين التراث والحداثة، لاسيما في ثلاثيته الشهيرة حول العقل العربي. مفكر وفيلسوف عربي يصعب تعويضه وفي هذا السياق، نعى أعضاء اتحاد كتاب المغرب، المفكر المغربي محمد عابد الجابري، الذي التحق بالاتحاد، منذ سنة 1961، في بلاغ لهم، وقالوا إنهم "تلقوا بأسى بالغ الرحيل المفاجيء للمفكر العربي الكبير وعضو اتحاد كتاب المغرب محمد عابد الجابري"، مضيفين أنه "في رحيله المأسوف عليه تكون الأمة العربية الإسلامية والأسرة الثقافية والفكرية العربية، فقدت فيه مفكرا وفيلسوفا عربيا كبيرا يصعب تعويضه". وأضافوا في البلاغ ذاته أنه "كان أحد مؤسسي الدرس الفلسفي في جامعتنا، كما ساهم، منذ عقود خلت، في تحديث الحقل الفكري والفلسفي، وتطويره، والإضافة إليه، سواء في المغرب أو في العالم العربي، عبر مصنفاته ومؤلفاته وآرائه وطروحاته المؤثرة والمضيئة. وأيضا، عبر قراءاته العديدة في التراث الفلسفي، والفكر الخلدوني، ونقد العقل العربي، والنص القرآني، وحضوره الوازن في الحقل الفكري والفلسفي العربي والإسلامي والعالمي" معتبرين أنه "يرجع الفضل الكبير إليه في تخريج العديد من المفكرين والفلاسفة الجدد في بلادنا وخارجها". وذكر البلاغ أن الراحل "كان مشاركا باستمرار بآرائه وأفكاره الرصينة في معضلات الثقافة والفكر والفلسفة في العالم العربي، وهو أيضا، من الكتاب الأوائل، الذين بصموا تاريخ اتحاد كتاب المغرب، منذ التحاقه بهذه المنظمة عام 1961 " مشيرا إلى أن "مفكرنا ظل حريصا على حضوره مؤتمرات الاتحاد الأولى، ومساهما بكتاباته المضيئة في مجلة (آفاق) ومشاركا في ندوات الاتحاد وأنشطته على امتداد سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي". خسارة كبيرة للفكر والفلسفة وفي المنحى ذاته، اعتبرت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، وفاة المفكر والفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري ذي الصيت والسمعة الطيبين "خسارة كبيرة بالنسبة للمغرب ولعالم الفكر والفلسفة". وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال، خلال ندوة صحفية، أن فرنسا تقدر عاليا هذا المفكر والفيلسوف الكبير، الذي لقيت أعماله نجاحا جماهيريا داخل فرنسا وخارجها. وأضاف "لقد تلقينا نبأ وفاة محمد عابد الجابري بحزن بالغ. إنها خسارة كبيرة بالنسبة للمغرب ولعالم الفكر والفلسفة". وأبرز ندال أن مؤلفات المفكر محمد عابد الجابري، تكتسي "أهمية بالغة، إذ ساهمت في إشعاع الفكر العربي-الإسلامي خارج حدود المغرب". وقال "إننا نعرب عن تعازينا لأقاربه وأسرته وأيضا، للشعب المغربي، ونقدر عاليا مناقب هذا المفكر والفيلسوف الكبير، الذي لقيت مؤلفاته نجاحا جماهيريا بفرنسا، وامتد صيتها بعيدا خارجها". من عظماء الفكر العربي والإسلامي من جهته، قال محمد عيد نائب رئيس "اتحاد كتاب مصر" إن رحيل المفكر والفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري، يمثل "خسارة كبيرة" للفكر العربي والإسلامي المعاصر، الذي يعد من عظمائه، و"نرجو أن يرزقنا الله مفكرين يرسمون الطريق خلف هؤلاء العظماء لكي يرسموا المستقبل أمامنا حتى لا نظل مجرد متفرجين". وأبرز عيد أن الراحل كان أحد المفكرين، الذين "تعتز بهم الثقافة العربية ونعتز بهم في مصر" لأنه كان من ضمن دائرة مفكري النهضة في الفترة الأخيرة. وأضاف أن "عزاءنا هو أن الإبداع الذي قدمه لنا، الجابري، سيجري تداوله ولن يتوقف أبدا برحيله .. لأنه إبداع نظر إلى واقعنا وحاول أن يقدم رؤية مستقبلية لهذا الواقع المؤلم والمعقد"، من خلال مساهمته بأفكار إيجابية "تثير النقاش والجدل". وقال محمد عيد إن مشروع محمد عابد الجابري في التراث "مهم جدا لأن التراث أحد المواضيع الخطيرة التي نتعامل معها وتتجدد مناقشته بشكل دائم "، مضيفا أنه "من حسن الحظ" أن الجابري كان أحد كبار المهتمين بهذا الموضوع الذين قدموا "إضافة مهمة" لهذا النقاش. وتكمن أهمية النظرة، التي ألقاها الراحل محمد عابد الجابري على التراث، حسب عيد، في كون الجدل حول هذا الموضوع ظل مثارا، منذ بداية العصر الحديث ولم يحسم لحد الآن، وكان بالتالي يحتاج إلى مزيد من الاجتهادات. وأوضح أن هذه الاجتهادات تميزت بكونها أتت من مفكرين مثل محمد عابد الجابري "انفتحوا على الغرب وتخلصوا من أي عقدة في التعامل مع التراث، إذ أصبحوا قادرين على التطلع إليه دون شوفينية ودون استهانة". أول من فتح طريق الماضي من جهته، قال الشاعر المغربي صلاح بوسريف، مات الجابري. هكذا وصلني خبر رحيل المفكر محمد عابد الجابري، لم أستسغ الخبر، رغم أنه جاءني من صحافي، فسعيت للتأكد من صحة الخبر، أو من بطلانه، في الحقيقة، لأنني، أرى في رحيل بعض من استأنست بمعرفتهم، أو بقراءتهم، خسارةً فادحة ليس لي، بل لكل الذين يواظبون على قلق الأسئلة، وعلى خوض المعرفة، بكل احتمالاتِها. مات الجابري. هذا ما أصبح حقيقة، وليس مجرد خبر، يقبل الصدق، كما قد يكون كاذبا. مات الجابري الذي كان أول من وضعني في مواجهة الفلسفة. لم أكن من طلبته، بشعبة الفلسفة، بكلية الآداب بالرباط، لكن كتاب "دروس الفلسفة لطلاب الباكالوريا المغربية"، الذي كان تأليفا مشتركاً بينه وبين الراحل أحمد السطاتي، ومصطفى العمري، الصادر في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كان بالنسبة لي، لحظة اللقاء الأولى، بنوع جديد من التفكير، وبأسئلة، لم أكن تعودت على سماعها. كان الجابري، بالنسبة لي واحدا من الذين فتحوا لي طريق الماضي، وهو ما حدث لي مع حسين مروة وأدونيس، وغيرهما، ممن خاضوا في هذا الماضي البعيد، ولعل أهم هؤلاء، كان الدكتور طه حسين، الذي كان أول الضِوء. أعتقد، اليوم، أننا في حاجة لإعادة قراءة الجابري، بعد رحيل الرجل، أو توقف مشروعه الفكري، عند حدود ما أنجزه من أعمال، وتقييم مشروعه، دون حسابات، مست الشخص أكثر مما مست العمل. ما أنجزه الراحل يستحق الدراسة من جانبه، قال الجامعي محمد وقيدي، إن رحيل الجابري يعتبر خسارة كبرى للثقافة والفكر بالمغرب والعالم العربي، مشيرا إلى أن الراحل ترك تراثا كبيرا، فضلا عن انخراطه لسنوات طوال في ميدان التدريس وإشرافه على العديد من البحوث الجامعية. وأضاف أن تراث الراحل يشكل أمانة بين أيدي زملائه وتلاميذه في الفلسفة، لأن ما أنجزه الجابري يستحق أن يكون موضع دراسة. مجدد الثقافة العربية والمغربية من جهته، قال المفكر محمد سبيلا، إن الراحل جدد الثقافة العربية والمغربية وخصص للقضايا الكونية كالعولمة والحداثة حيزا كبيرا في دراساته، مضيفا أنه سيظل علامة فارقة في تاريخ الفكر العربي، وفي تاريخ الثقافة المغربية . وأكد سبيلا أن إسهامات الفقيد شكلت تحولا نوعيا في الفكر المغربي، الذي ظل تقليديا مرتبطا بالدين والفقه والنحو وبمنظومته التقليدية في موادها ورؤيتها، كما شكلت تحولا نوعيا نحو آفاق الثقافة الحديثة موضعا ومنهجا. وأوضح سبيلا، أن الجابري "اهتم بالتعريف بمقومات الثقافة الغربية في العديد من المجالات كعلم الاجتماع وعلم النفس واللسانيات إلى التيارات الفكرية الكبرى مثل الوجودية والوضعية والماركسية والعقلانية والتجريبية والبنيوية"، مبرزا أن تدخل الجابري لم يقتصر على عرض مكونات الثقافة الحديثة والتعريف بها، بل استعملها من الزاوية المنهجية في دراسة التراث العربي الإسلامي. ووفقا لسبيلا، نتج عن احتكاك محمد عابد الجابري بالثقافة الغربية وتملكه لها من انتقاء مفاهيم ومصطلحات ومناهج استعملها في دراسة التراث العربي الإسلامي، معتبرا أن أبرز اجتهاداته في هذا الباب دراسة العقل العربي، أي الطريقة التي فكر بها العرب في العديد من القضايا، من خلال بنيات ثلاث تؤطر الفكر العربي وتوجهه، وهي "البيان والبرهان والعرفان أي البنية الأدبية والبرهانية والصوفية". وأشار سبيلا إلى أنه "سواء اتفقنا مع الراحل كليا أو جزئيا في هذه الاجتهادات، فإن ذلك لا يلغي أبدا الإسهام المتميز لهذا المفكر في تشريح مكونات الفكر العربي الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية على وجه العموم "، مشيرا إلى أن "اجتهادات الراحل وتجديداته المنهجية والإبستيمواجية الفكرية عامة، لم تجد الصدى نفسه في كل الأقطار العربية"، ففي الوقت الذي استقبلت بحماس في بلدان المغرب العربي، جرت بلورة ردود فعل سلبية تجاه هذه الاجتهادات في بعض الساحات الثقافية العربية، خاصة من بعض المثقفين من أمثال الطيب تيزيني وجورج طرابيشي وأدونيس وآخرين. قراءة جديدة في مقاربة الظواهر التراثية بدوره، قال الكاتب المغربي كمال عبداللطيف، فقد المغرب برحيل الجابري عالما امتاز بحضوره المتنوع والمتعدد في فضاء الفكر والسياسة والبحث العلمي داخل المغرب وخارجه. وأضاف أن الجابري تميز بحضوره التنويري طيلة أربعة عقود من الزمن، ومارس الحضور دورا بارزا في المجتمع وداخل رحاب الجامعة المغربية، وامتد إشعاعه إلى أقصى العالم. وأوضح عبد اللطيف أن عطاء الجابري تميز بعنايته بالفكر الفلسفي، إذ يعتبر دون جدال واحدا من الذين أسهموا في ترسيخ قيم الفلسفة، وأسهمت مصنفاته في تقديم ومناقشة الكثير من المذاهب والتيارات والمفاهيم الفلسفية. وتميز الراحل ايضا، بأطروحاته المثيرة للجدل ومواقفه من التراث، مشيرا إلى أن الجابري كان قارئا نهما لكتب التراث، وشكلت أطروحته "نقد العقل العربي" مناسبة لبلورة قراءة جديدة في مقاربة الظواهر التراثية، لأزيد من نصف قرن. مفكر ساهم في تحديث العمل السياسي من جهة أخرى، عبرت العديد من الفعاليات السياسية المغربية والعربية، عن بالغ حزنها لرحيل المفكر محمد عابد الجابري، الذي كان أحد أهم المثقفين، الذين ساهموا في تحديث العمل السياسي بالمغرب وفي بلورة خط سياسي واضح مرتبط بالنضال من أجل الديمقراطية. وفي هذا السياق، قال أعضاء الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في بلاغ لهم، "ودع عالمنا المفكر العربي المغربي محمد عابد الجابري، إحدى القيادات التاريخية البارزة في حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي شغل ولفترة طويلة عضوية مكتبه السياسي، قبل أن يعتزل ليتفرغ لتطوير الفلسفة عربيا، ولمشاغله النهضوية الأكاديمية والفكرية". وأضاف البلاغ، "ودعنا الجابري وترك لنا الحزن العميق والألم الكبير، عزاؤنا أنه سيبقى يمارس حضوره عبر أعماله الكبيرة، وعبر منهجه وعقله المفكر، وساهم بالتأسيس النقدي لمرحلة عربية ينبغي تجاوزها في الواقع العربي الراهن، متناولا إمكانيات تجاوزها، دون أن يدعي امتلاكه الحقيقة، واقترن مشروعه النهضوي العربي بسيرة حياته، وبالموقف الأخلاقي النبيل، موضع إيمانه بالعقل النقدي، ودوره في تجاوز أزمة العقل العربي، وإيمانه بقدرات وبقيمة الأمة العربية ونهوضها، وتمثل ذلك في رباعيته حول "نقد العقل العربي"، وكتبه ودراساته عن التراث". واختتم أعضاء الجبهة بلاغهم بالقول "عزاؤنا أن تكون أبحاثه وإنجازاته في الفكر والتراث حافزا للمثقفين والعقلانيين العرب على مواصلة الدرب، بالإثراء والأبحاث الحيوية في أزمة العقل العربي، نحو التجاوز .. نحو النهضة، والخروج من تاريخ المهيمنات المديدة، وعقدها البنيوية العربية، مبعث جمود العقل السياسي وموروثه الاجتماعي". مثقف تجاوز بفكره حدود بلده من جانبه قال خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن الوطن العربي من المحيط إلى الخليج يشارك المغرب حزنه على فقدان رجل من وزن محمد عابد الجابري، الذي تجاوز بإبداعه الفكري العظيم حدود البلد الذي نشأ فيه. وأضاف الناصري أن الفكر العربي سيظل يذكر الفقيد، كمعلمة شامخة ساهمت في إشعاع الدور الفكري للمغرب، وكذلك المفكر، الذي أكد أن "المغرب قادر على إنتاج الفطاحل والإسهام في الفكر العربي، الذي يلامس القضايا المؤرقة والصعبة جدا". وقال المناضل محمد بن سعيد أيت يدر، إن الجابري، الذي جمعته به علاقات وطيدة، اضطلع بأدوار مهمة في أكثر من محطة، مشيرا بشكل خاص إلى الدور الذي لعبه في المجال الإعلامي، خاصة في جريدة (التحرير)، التي كانت شرعت في الصدور خلال خمسينيات القرن الماضي. وأبرز أهمية منجزات المفكر الراحل في الميدان الثقافي والفكري، خاصة من خلال تناول الجانب المتعلق بنقد العقل العربي، مبرزا أن الجابري، الذي يعتبر أحد الأسماء المثقفة المرتبطة بالحياة السياسية، يعد من الوجوه، التي ولجت الحقل الفكري لتحرير العقل العربي من جوانب متخلفة. من جهتها، أبرزت رشيدة بن مسعود عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن الجابري يعد علامة بارزة ومضيئة في المشهد الثقافي المغربي والعربي والعالمي، ومفكرا ذا شخصية متعددة الأبعاد، مضيفة أن الفقيد كان رجلا وطنيا بامتياز ومؤسسا للجامعة المغربية. وبعد أن أشارت إلى أن الجابري سيظل الغائب الحاضر بين المثقفين، أضافت أن الراحل ترك مجموعة مهمة من المؤلفات يفخر بها المغرب والمثقفون. من جهته، أبرز محمد الأشعري وزير الثقافة الأسبق، أن المغرب فقد في شخص محمد عابد الجابري رجلا أثر بعمق في الحركة السياسية والحركة الثقافية على حد سواء، مشيرا إلى أن الفقيد كان أحد أهم المثقفين الذين ساهموا في تحديث العمل السياسي بالمغرب وفي بلورة خط سياسي واضح مرتبط بالنضال من أجل الديمقراطية. وأضاف أن الراحل كان له دور حاسم في التطورات، التي عرفها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عدد من المحطات المهمة في مساره السياسي، كما ساهم في التفكير حول المدرسة المغربية وقضايا التعليم، داعيا إلى فهم الحاضر من خلال فهم الرصيد الثقافي ككل.