لم يكن احد في اوربا يعرف هيرمان فان رومبي رئيس الوزراء البلجيكي الذي اختير للتو كأول رئيس لاوربا. السياسي والشاعر البلجيكي ضئيل الحجم الاصلع ذي الطباع الهادئة الذي غالبا ما ينزوي للريف البلجيكي الذي يستمتع فيه بحياته. قبل اسابيع قليلة فقط بدأ اسمه يتردد كمرشح محتمل في الدوائر الاوربية كمرشح محتمل لوظيفة "رئيس المجلس الاوربي". لكن الكثير من المواطنين البلجيك يعتبرون رئيس وزرائهم المحدود الصيت كبطل وطني انقذ بلاده من خطر التمزق وابعدها من حافة الإنهيار. المنقذ المجهول كان هيرمان فان رومبوي الذي يبلغ الثانية والستين من العمر يستعد لتقاعد مريح وهادئ عندما انتزع من مقعده النيابي في البرلمان البلجيكي وعين رئيسا للوزراء العام الماضي، وسط ازمة سياسية خانقة تهدد بتمزيق البلاد بين الفلامس (الناطقين بالهولندية) والوالون (الناطقين بالفرنسية). منذ البداية لم يخف فان رمبوي تردده في القبول بالمهمة شبه المستحيلة التي استدعي لها وهي الحفاظ على وحدة بلجيكا والفصل بين ساسة بلاده الذين كانوا يمسكون بخناق بعضهم البعض في قضايا مختلفة وكثيرة منها الموازنة العامة والهجرة. خلال اسابيع قليلة تمكن الساحر فان رومبوي من اطفاء الحرائق السياسية التي كانت تهدد البلاد مفاوضا ومتنقلا بحذق وبلاغة بين لغته الام الهولندية والفرنسية ليجسر الهوة بين الناطقين باللغتين في بلاده. تقول ليسبث فان امبي رئيس تحرير احدي الصحف البلجيكية الكبيرة: "كانت البلاد في حالة يرثى لها، لكنه تمكن أعادة الوئام والاستقرار لها" وتضيف "لم يعد احد يتحدث الان عن احتمال تمزق بلجيكا. لكن بعضهم يعرب عن قلقه الآن حول ما سيجدث إذا ترك منصبه" الرئيس الشاعر لا تكف الصحف البلجيكية عن اطراء منقذ البلاد، ومع ذلك يبقى فان رومبوي شخصا قليل الصخب يفضل ان يبقى بعيدا عن الاضواء متكتما على حياته الخاصة. الرئيس الوربي الجديد فان رومبوي متزوج واب لثلاثة ابناء، درس الاقتصاد في جامعة لوفن المرموقة. بدأ حياته العملية مصرفيا في البنك المركزي البلجيكي قبل ان ينتقل ليصبح واحدا من اقدم نواب البرلمان البلجيكي. لكن الكثير من البلجيك يحبونه لسبب اخر تماما وهو عشقه وحذقه لشعر الهايكو الذي ينظمه بلغة الفلامس (الهولندية) والمقتبس من تقنيات الشعر الياباني. وبالرغم من الجهود المضنية لاجهزة الاعلام لاستخلاص معان سياسية لاشعار فان رومبوي، فإنها تبقى مقاطع شعرية قصيرة تحتفي بالطبيعة، فاشعاره غالبا ما تصور الطيور السابحة في السماء الزرقاء وغروب الشمس في الريف البلجيكي ومن اخر مقطوعاته الشعرية واحدة اختتمها بقوله " انني اتنفس بسهولة" رؤية جزويتية يقول هيرمان فان رومبي انه تشبع بحس اوربي قوي منذ صباه الباكر كطالب في كلية جزويتية: "عندما كنت طالبا كانت اجواء وصور الحرب العالمية الثانية لا زالت حية في مخيلة الناس. لذلك عمل اساتذتنا على تنظيم برامج تبادل طلابي بين الكليات الجزويتية في مختلف بلدان اوربا. لقد تركت تلك الزيارات انطباعا داخليا قويا باننا جميعا نشبه بعضنا البعض" حسبما قال في حديث صحفي له العام الماضي. التزم فان رومبوي حذرا وصمتا لافتا حول مسالة ترشيحه لوظيفة رئيس المجلس الاوربي، وكان يدرك ان اثارة الصخب حول هذا الامر قد تفسد فرصته تماما وقال للصحفيين في بروكسيل: "إن اهم شيء في الوقت الراهن هو الا تدلي باقوال خاطئة." وعلق احد زملائه من الساسة البلجيك على ذلك بالقول: "انه يعرف ما يفعل لذلك لا يفتح فمه إلا للتنفس هذه الايام." انها استراتيجية فعالة وحققت ما يشبه المعجزة. هذا السياسي الذي يجيد الصمت ربما يدس في معطفه الكثير من المفاجآت.