في المغرب،لا يعير السياسيون أهمية كبرى لموقف المجتمع من سياساتهم ، سواء داخل الحكومات أو خارجها،في المعارضة الممثلة أو تلك التي تكتفي بخارج المؤسسات مجالا لنشاطاتها. والدلائل على هذا الإعراض المبيت و القصدي كثيرة تؤطرها نظرة السياسين إلى المجتمع نفسه،بما هو مجتمع لاه أو قاصر أو محدود الإدراك والوعي والحس ،وبما هو مجتمع مغلوب على أمره ،مقهور باليوم ، محاصر بضعفه وشتاته ،وبما هو مجتمع تابع ومستهلك وغير منتج،له انتظارات يعيش على إيقاعها كل المواسم، انتظارات لا يشارك في صناعة أفقها على المدى البعيد أو المتوسط أو حتى القريب. وفي المقابل ينزعج السياسيون في المغرب كثيرا عند نقد سياستهم سواء تعلق الأمر بالسياسة الحزبية داخل التنظيم الواحد، أو تلك السياسة المرتبطة بالعلاقات مع الأطراف السياسية الحزبية الأخرى ،أو السياسة الحكومية،أو السياسية المعارضة داخل المؤسسات أو خارجها.وفي الواقع ينشط المجتمع كثيرا عندما ينشر السياسيون غسيلهم،وهو الغسيل الذي لا تنقطع حباله و أسلاكه،آنذاك يفطن المجتمع إلى الواقع السياسي مباشرة، ولا يفطن السياسيون إلى صناعة الخيبة التي ينتجونها والتي طبعا تؤثر على إيمان وانخراط المجتمع في الممارسة السياسية ،فيعود المجتمع إلى قوقعته،تاركا انتظارا ته للسياسيين يوظفونها أ ويزايدون عليها أو يمنون عليه بقليلها. والحاصل أن المجتمع المغربي لم ييأس من السياسة بل من السياسيين،فهو مجتمع مسيس لكنه غير منخرط في الفعل السياسي .وربما كان هذا الواقع نعمة ورحمة للسياسيين الذين يحتكرون الفعل في الباطن ويريدون اقتسامه في الظاهر عبر الدعوة إلى الانفتاح والاستقطاب والتجديد والتشبيب والمناصفة وغيرها من الشعارات. السياسيون إذن في المغرب،لا علاقة لهم بالمجتمع،ويعتقدون أنهم غير مسؤولين عنه إلا بقدر ما يخدم الأمر مصالحهم وتطلعاتهم ومواقعهم ولهذا تراهم يورثون الزعامات والقيادات والمواقع كما تورث تركة الهالك،غبر آبهين بالانعكاسات السلبية التي يحدثونها بصراعاتهم السياسوية الضيقة التي تعصف بالتنظيمات من الداخل، و تسرع عداد إنشاء أحزاب أو كيانات حزبية جديدة، تنضاف إلى مشهد سياسي يضيق باللاعبين أصلا. والنتيجة أن المجتمع يعي جيدا أن لا مكان له في اللعبة فيرفع من درجة برودته أو جليده ويدخل في ممانعة من نوع خاص ،تفوت على المغرب تحقيق القفزة النوعية حتى وإن كان قد حقق تراكمات كمية مهمة،لا ينكرها متتبع محايد،بعيدا عن الشعارات أو المزايدات الرخيصة. وهنا ينتصب السؤال الورطة، عن المستفيد من هذه الحيرة و هذه الخيبة،بمعنى السؤال عن حجم مساهمات السياسيين في المغرب في عرقلة الأوراش الكبرى والإصلاحات العميقة المنتظر تحقيقها بدون تكلفة اجتماعية قد تكون فضيحة بالمعنى السياسي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي... ينطلق إذن هذا التصور الذي بدأناه من نقطتين هامتين: 1- فالمجتمع المغربي ينتقد السياسة لكنه لا ينخرط فيها. 2- ثم السياسيون يضيقون ذرعا بالمجتمع و لا يلتفتون إليه ،لكنهم يمارسون السياسة باسمه. تلك على كل حال مفارقة من المفارقات الكثيرة التي ترفع من حالة الإحباط العام وتشكك في أي مشروع ممكن في المدى القريب أو المتوسط. وهو ما يستدعي تدخلا استعجاليا لإصلاح العلاقات والمنظومة عامة،حتى لا تصبح السياسة حكرا على طبقة معينة تفعل بها ما تريد وفي أي وقت تريد،وهو ما لن يبقى أمرا ممكنا دائما مع التغيير الذي يعرفه العالم بسرعة مذهلة وفي كثير من الأحيان مفاجئة و مربكة للحسابات والأوضاع. وهنا يمكن الانتقال من مجرد القول بنقد السياسة إلى القول ببناء سياسة النقد،بما يعني أن النقد المجتمعي للسياسة يبدأ من خلال التفكير في إعادة بناء هذا النقد نفسه في شكل سياسات نقدية محايثة للفعل السياسي ومواكبة له من خلال عدم الاكتفاء بالتفاعلات مع الغسيل على الحبال والأسلاك،وعدم الارتهان إلى زوبعات الفنجان وفرقعات الألعاب النارية التي لا تليق بمجتمع له كل مؤهلات البناء ولم لا احتلال مراتب متقدمة،وعلى كافة المستويات والأصعدة،إذا تحققت إرادة المجتمع في تحمل مسؤولية بناء نقد سياسي فاعل ودائم في المشهد السياسي الذي يحتاج إلى حضور قوي للمجتمع في الفعل باليقظة والانخراط والصراع القائم على أسلوب النقد من داخل الفعل والقطع مع عقلية الفرجة والانتظار. ويعني ذلك أن المجتمع يحتاج إلى بناء أدوات التدخل التي تتصدى لتهميشه أو توظيفه أو حتى توريطه في مباركة المحطات الانتخابية التي عليه أن يحولها فعلا إلى استحقاقات حقيقية تحدث القطيعة مع الصورة النمطية الموروثة و المتعاقبة منذ عقود. وهو أمر ليس بالهين و لا باليسير على اعتبار أن الإرادة وحدها لا تكفي، فالحاجة ماسة إلى الوعي بالمسؤولية المستدامة تجاه الوطن والإنسان المغربي وأجياله القادمة . هي إذن مرحلة الانخراط والنقد والبناء، يعول عليها مغرب اليوم،يعول فيها على كل فئاته وشرائحه وطبقاته وأفراده، الكل معني بالسياسة في البلاد والنخب الحقيقية المعتزلة والرافضة والمستقلة مدعوة إلى تحمل المسؤولية أيضا،فلا معنى لمجتمع متطلع بدون نخبة تمثله، ولا معنى لنخبة معزولة تفكر،تصمت أو تنتقد وهي في بروج مشيدة .