عادت أجواء التوتر لتخيم من جديد على العلاقة بين المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء والمواطنين المغاربة في الشمال المغربي، فبعد الأحداث التي شهدتها مدينة الفنيدق قبل بضعة أشهر، شهد حي بوخالف في طنجة نهاية الأسبوع الماضي هجوما من طرف عدد من المواطنين المغاربة بأسلحة بيضاء على عدد من المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء الإفريقية خلف إصابة عدد منهم بإصابات استدعت نقلهم إلى المستشفى، وفق ما أفاده ناشطون حقوقيون من المنطقة. ووقع الهجوم حسب المعلومات التي حصلت عليها «القدس العربي» ليلة الجمعة- السبت، حيث أقدم حوالي 100 شاب يحملون سيوفا بترهيب المهاجرين الأفارقة الذين كانوا يقطنون بحي بوخالف لعدة ساعات. وقالت الناشطة الحقوقية الاسبانية هيلينا مالينو التي كانت تتواجد في عين المكان إن الهجوم كان مخططا له ويهدف إلى ترهيب المهاجرين الأفارقة، مضيفة على حسابها في موقع «تويتر» أن الهجوم تم بحضور رجال الأمن الذين وقفوا موقف المتفرج ولم يوقفوا الاعتداء أو يتدخلوا أمام تصاعد الأوصاف والنعوت العنصرية التي وجهت للمهاجرين مثل «القردة». وأشارت هيلينا التي تشتغل مع منظمة « كاميناندو فرونتيراس» التي تهتم بأوضاع المهاجرين أنها تعرضت بدورها للهجوم والاستفزاز من طرف المهاجمين الذين وصفوها ب «العاهرة» و طالبوا بطردها إلى تندوف وهو ما استدعى منها تقديم شكوى لدى الشرطة وإشعار الهيئات الحقوقية في المنطقة. وبدأ الهجوم حينما قام الأفراد المسلحون بمهاجمة عدد من النساء على متن حافلة بعد أن كانوا متوجهين لحضور حفل فني إفريقي في مهرجان «تاويزا» في طنجة، وتقول الرواية التي حصلت عليها «القدس العربي» إن المهاجمين عمدوا إلى إخراج النساء والأطفال بالقوة من الحافلة التي كان قد خصصها لهم منظمو المهرجان. فيما تقول رواية أخرى لم يتسن التأكد من دقتها أن الحافلات التي كانت تقل المهاجرين من دول جنوب الصحراء الإفريقي معدة لنقلهم إلى اسبانيا بشكل سري، وأن المواجهات استمرت لساعات طويلة بسبب إقدام عدد من سكان حي بوخالف على إفراغ شقق كان يسكنها مهاجرون أفارقة بشكل غير قانوني. وهي المرة الثالثة التي يشهد فيها حي بوخالف مواجهات بين المواطنين المغاربة والمهاجرين منذ المواجهات العنيفة في شهر ديسمبر الماضي بعد مقتل مهاجر كمروني. وامتدت عدوى الشعارات العنصرية لتصل إلى ضيوف مهرجان تاويزا الذي اختتم في طنجة يوم الأحد، حيث واجه المغني السنغالي اسماعيل لو وابلا من الكلمات العنصرية لدى صعوده إلى المنصة لأداء حفله في المهرجان الذي يحتفي هذه السنة بإفريقيا، حيث هتف عدد من المتفرجين بلفظ «زنجي» و «ارحل» في أكثر من مناسبة معبرين عن رفضهم الاستماع إلى أداء المغني السينغالي، ولم تفض مجهودات المنظمين لتدارك الأمر إلى أية نتيجة إذ استمرت الشعارات العنصرية بين أغنية وأخرى. وتعرض منشط إفريقي بدوره إلى هجوم عنصري حينما حاول أداء أغنية مغربية شهيرة. وسجلت الأشهر الأخيرة ارتفاعا في عدد الحوادث والاعتداءات التي طالت المهاجرين الأفارقة في عدد من مدن الشمال المغربي، حيث عرفت مدينة الفنيدق إحراق خيام و تظاهرات حاشدة في شهر مارس تطالب بطرد المهاجرين وتصفهم ب «الهمج» على خلفية اتهامات وجهها السكان لأحد المهاجرين بمحاولة اغتصاب سيدة مغربية. وكان مفاجئا انضمام جمعيات حقوقية محلية في المدينة إلى قائمة المطالبين بترحيل المهاجرين. وتحذر الجمعيات الحقوقية في المغرب من تصاعد خطاب عنصري متطرف ضد المهاجرين من دول جنوب الصحراء في أوساط المجتمع المغربي خلال الأشهر الأخيرة، وكان معهد بروميتيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان قد اعتبر في بيان سابق له على إثر أحداث الفنيدق أن تفشي الخطاب المتزايد بهذا الشكل ينذر بتطور الأمر إلى تيار منظم يتبنى طرحا معارضا لجميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، داعيا الدولة المغربية إلى احترام كافة التزاماتها في مجال حقوق الإنسان و اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والضرورية للتصدي للخطابات المحرضة على الكراهية وضمان عدم تكرارها. والمجتمع المدني المحلي في المدن والمناطق التي يتخذها المهاجرون ملجأ لهم بأن يضطلع بمهمته في محاربة تنامي مظاهر العنصرية والتحريض، وعدم التزام الحياد السلبي تجاه الحوادث التي يكون المهاجرون طرفاً فيها.في السياق ذاته كانت جمعيات مدنية قد أطلقت قبل بضعة أشهر مبادرة «ما سميتيش عزي» (لا أدعى زنجي) وذلك بهدف مناهضة العنصرية تجاه المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء الإفريقية وعرفت مشاركة عدد من الوجوه في الفن والرياضة والثقافة بهدف تحسيس المواطنين بضرورة محاربة العنصرية. واعلن المغرب نهاية السنة الماضية سياسة جديدة للهجرة بعد الانتقادات التي واجهها في هذا المجال وبناء على توصيات رفعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى العاهل المغربي محمد السادس الذي أقر بوجود « مخاوف مشروعة» داعيا إلى التعاطي بشكل إنساني مع الملف، وشرع المغرب في تسوية استثنائية للوضعية القانونية لعدد من المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء وفق شروط محددة ولمدة سنة واحدة قابلة للتجديد، وسلمت بطائق الإقامة للعديد منهم بشكل يمكنهم من العمل والرعاية الاجتماعية، غير أن العديد من المنظمات الحقوقية وعلى رأسها «هيومان رايتس ووتش» اعتبرت أن الأمر ليس كافيا مقرة باستمرار إساءة معاملة المهاجرين. القدس العربي