تحل اليوم الخميس الذكرى الرابعة والسبعون لتقديم عريضة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وهي تحيل على واحدة من المحطات النضالية الكبيرة في مسار كفاح شعبنا وحركته الوطنية من أجل استقلال البلاد، ومن ثم، فهي، على غرار محطات وطنية أخرى، تقتضي اليوم تقديمها لمغاربة اليوم بلغة هذا العصر، وضمن السياقات الحالية، وذلك بما يجعلها باعثة على الاعتزاز بوطننا وتاريخ شعبنا، وأن تساهم في إنماء الوعي الوطني وسط شبابنا، وتقوية التعبئة حول قضايا بلادنا وشعبنا. إن ذكرى 11 يناير ليست مجرد يوم عطلة، وليست فقط مناسبة لتكرار بث الأناشيد الوطنية أو السير والأشرطة الوثائقية ذات الصِّلة، تماما كما يجري ذلك كل عام وبذات المعجم، ولكن هذه الذكرى، على غرار أخرى مثلها، هي مناسبة لتحريك الخلق والإبداع من خلال التلفزيون والسينما والأدب ومواقع التواصل الاجتماعي، لتفعيل خطاب متجدد يتحدث مع الأجيال الحالية، ويستثمر التاريخ النضالي لشعبنا، لتمتين الارتباط بقضايا البلاد هنا والآن. ذكرى 11 يناير تحيل كذلك على التنسيق والوحدة الكاملين بين المقاومة والحركة الوطنية من جهة والمؤسسة الملكية من جهة أخرى، وذلك أثناء مواجهة المحتل، وفي النضال الوطني من أجل الحرية والاستقلال. وبغض النظر عن كل القراءات والسجالات التاريخية المتصلة بتحليل هذه المرحلة، أو مراحل أخرى من النضال الوطني التحرري لشعبنا، فإن الدرس المشار إليه يعتبر جوهريا، ومن أهم ثوابت المسار السياسي والمؤسساتي العام الذي يميز التجربة المغربية. عندما نستعرض باقي مراحل الكفاح الوطني ضد الاستعمار، أو مختلف محطات الدفاع عن مغربية الصحراء واستكمال الوحدة الترابية للمملكة، أو أيضا كل التواريخ الحاسمة، مؤسساتيا وسياسيا واقتصاديا ومجتمعيا، فإن تعاون وتكامل المؤسسة الملكية وقوى الحركة الوطنية وأحزابها الجدية والحقيقية، يقود حتما نحو النجاح، ويضمن للبلاد انفتاح ديناميتها الديموقراطية والتنموية، ما يجعل الدرس ممتدا في الزمان، ومستمرا في التحديات المطروحة على البلاد إلى اليوم. هذا الكلام ليس اجترارا لجمل مسكوكة من التاريخ أو هو كلام متكلس ومحنط ومتحفي لا علاقة له بالواقع، ولكنه دعوة لتأمل درس 11 يناير وتلاحم الحركة الوطنية مع المؤسسة الملكية، ثم لاحقا درس 20 غشت وثورة الملك والشعب، وفيما بعد حدث المسيرة الخضراء في 1975، وكل هذا يطرح أمامنا هذا التميز الجوهري في المغرب، والذي يمثل اختلافا واضحا بينه وبين دول أخرى في محيطه الإقليمي والجهوي، ويفسر قوة مساره التاريخي والحضاري واستقراره المجتمعي وانفتاحه الديموقراطي والتنموي. في الوقت الحالي، تحيط بقضية وحدتنا الترابية تحديات مختلفة، ويشهد العالم، بدوره، كثير تحولات جوهرية، كما تلفه مخاطر وتهديدات تفرض على كل البلدان اليقظة والتعبئة لحماية مصالحها وتطوير مختلف مساراتها، ولكي ينجح المغرب في كامل هذا الرهان يجب التمسك بثوابت خياراته الكبرى، وأن يضخ اليوم نفسا قويا في جبهته الوطنية الداخلية من خلال تمتين الإصلاحات الكبرى، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي الوطني النبيل، وتعزيز التعددية الحقيقية والانفتاح. ذكرى 11 يناير، وكل دروس النضال الوطني من أجل الاستقلال، يجب أن تذكرنا كلنا بأن مطالب شعبنا كانت هي الحرية ورحيل الاستعمار، ولكن أيضا بناء المغرب المستقل والموحد والحديث، وتحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي، وهذه رهانات مطروحة كذلك اليوم، وتجسدها انتظارات حالية لا بد من تلبيتها، وجعل بلادنا تكسب معارك الوحدة والديموقراطية والتقدم.