يعتبر حدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال (11 يناير 1944)، الذي يخلد الشعب المغربي، بعد غد الاثنين، ذكراه ال72 بكل مظاهر الاعتزاز لحمولته الوطنية ورمزيته وقيمته التاريخية الخالدة، بحق، ثورة وطنية بكل المعاني، عكست وعي المغاربة ونضجهم وتلاحمهم صفا واحدا وراء العرش العلوي المجيد، ومحطة نضالية متميزة في مسار الكفاح الوطني ضد الاستعمار. فقد تضمنت وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي ستظل ذكراها موشومة في ذاكرة الشعب المغربي باعتبارها ثمرة كفاح مستميت وإرادة راسخة لنساء ورجال الحركة الوطنية، جملة من المطالب السياسية والمهام النضالية، منها ما يتعلق بالسياسة العامة (استقلال المغرب تحت قيادة ملك البلاد الشرعي سيدي محمد بن يوسف، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنتي والمشاركة في مؤتمر الصلح)، ومنها ما يتعلق بالسياسة الداخلية (الرعاية الملكية لحركة الإصلاح وإحداث نظام سياسي شوري تحفظ فيه حقوق وواجبات كافة فئات وشرائح الشعب المغربي). وقد أثمرت الإرادة الصلبة والإيمان الراسخ لنساء ورجال الحركة الوطنية هذه العريضة التي جاءت جامعة شاملة وتضمنت مطالب الشعب المغربي وأيدتها كل مكوناته وقواه الحية، حيث تطورت مطالب الحركة الوطنية من المطالبة بالإصلاحات إلى الجهر بالاستقلال ليجري التفكير في إعداد وتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي حظيت بالمساندة المطلقة والدعم اللامشروط من لدن كافة شرائح الشعب المغربي وقواه الحية. وشكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال، بما تضمنته من قيم مثلى غذت وما تزال عزيمة وإصرار الشعب المغربي لمواصلة الجهود من أجل تعزيز الوحدة الوطنية وتوطيد أسس المجتمع الديمقراطي المتضامن، محطة أساسية على درب النضال السياسي من أجل تحرير البلاد واستقلالها، بعد الملاحم التي قدمتها حركة المقاومة الوطنية في مختلف جهات البلاد، فأسست لأفق وطني وأمة مغربية موحدة متشبثة بمقدساتها، ومتوثبة لبناء دولة مستقلة ترتكز على قيم الديمقراطية والمواطنة. لذلك فإن تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، الذي ساهم في بلورة طلائع الحركة الوطنية بإيعاز وإيحاء من بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، سيظل حدثا تاريخيا راسخا في ذاكرة الأجيال الحاضرة والمقبلة، باعتباره محطة بارزة في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي من أجل الحرية والاستقلال والدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية. وإن تخليد الذكرى ال72 لتقديم وثيقة الاستقلال، التي شكلت منطلقا لاستقلال البلاد وبناء المغرب الحديث، ومنعطفا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل حرية المغرب واستقلاله وطموحاته المشروعة وتطلعاته لبناء مستقبل جديد، هو مناسبة لتكريس ثقافة الانتماء إلى الوطن والإخلاص إليه، وترسيخ قيم الوطنية والمواطنة لدى الناشئة وتعريفها بتاريخ المغرب. ومن الدلالات العميقة لتخليد هذه الذكرى الوطنية، التي ترتسم محطة وضاءة في مسار بناء وتحرر المغرب الحديث، هي أنها درس وطني يتجدد سنويا، ينهل منه الشباب القيم التي تحلى بها الرعيل الأول للحركة الوطنية، للدفاع عن حوزة الوطن بتوافق تام مع العرش، ومواجهة كل أشكال الاستلاب التي مارسها المستعمر لطمس الهوية الوطنية والثقافة الأصيلة، كما أنه شحنة معنوية للشباب والجيل الحالي والمستقبلي من أجل تنشئته على روح الكفاح الوطني ونضال رجالاته، حتى يتشبعوا بالقيم والمثل العليا للوطنية والدفاع عن مقدسات الوطن. إن إحياء هذه الذكرى يعد كذلك مناسبة لاستحضار الخدمات الجليلة والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب المغربي في سبيل نصرة القضية الوطنية ومناهضة الاستعمار الأجنبي وتفاني أبنائه في الدفاع عن مقدسات البلاد وثوابتها، ورسالة قوية من جيل إلى جيل لاستنباط العبر والمعاني والمثل العليا التي تحلى بها الجيل الأول من المقاومين والمناضلين والمناضلات، الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل حرية المغرب واستقلاله. وبعد مرور 72 عاما على تقديم هذه الوثيقة التاريخية تستحضر الأجيال المتعاقبة من المغاربة المعاني العميقة لهذا الحدث الكبير باعتباره فسحة لاستيعاب الدروس والعبر التي تزخر بها هذه المحطة النضالية الخالدة، العبقة بالقيم الوطنية التي تتزود منها هذه الأجيال من ملاحم الكفاح الوطني والنهل من ينابيعه الفياضة. ومع كل ذلك، فإن تخليد هذه الذكرى لا يشكل فقط مناسبة لاستحضار تضحيات المغاربة في سبيل نيل الاستقلال، ولكنها تمثل كذلك محفزا لهم لمواصلة العمل والتعبئة على درب الإصلاح والتنمية والازدهار تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. فاستكمالا لمسيرات الملاحم الكبرى يواصل المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، مسيرة الجهاد الأكبر، وتثبيت وصيانة الوحدة الترابية، وتحصين الانتقال الديمقراطي والإسراع به، وترسيخ مبادئ المواطنة الملتزمة، وتحقيق نهضة شاملة، وتعزيز مكانة المغرب كقطب جهوي وفاعل دولي، وإذكاء إشعاعه الحضاري كبلد متشبث بالسلم والقيم الإنسانية المثلى. إن وثيقة المطالبة بالاستقلال كانت بشير خير ويمن وبركة وجاءت لتؤكد أن الحرية في ظل الملكية الدستورية هي وحدها السبيل القويم للوصول إلى ما يصبو إليه المغاربة من عزة و كرامة وازدهار في جميع الميادين، بتضافر الجهود في سبيل الصالح العام. وستبقى هذه الذكرى من أبهى الصفحات وأشرق المحطات في تاريخ المغرب المعاصر، الزاخر بالبطولات والتضحيات والكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال. وحظي كفاح الشعب المغربي بدعم من بلدان شقيقة وصديقة قدمت دعما سياسيا قويا لتطلعات المغاربة من أجل الاستقلال كما هو الأمر خاصة بالنسبة لباكستان التي قدمت للمقاومين ورجال السياسة المغاربة خاصة أحمد بلا فريج، الذي سيتولى حقيبة الشؤون الخارجية بعد استقلال المغرب، جوازات سفر ديبلوماسية حتى يتمكنوا من التعبير أمام الأممالمتحدة وفي محافل أخرى عن صوت الحرية التي يتوق إليها شعب بأكمله.