تعتبر ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 واحدة من أبرز محطات النضال الوطني المغربي من أجل الاستقلال والحرية. وبتأمل السياق التاريخي والسياسي الذي جرى فيه هذا الحدث أثناء فترة الاستعمار، فإنه مثل نقلة نوعية شجاعة في نضال الحركة الوطنية المغربية ضد الاحتلال، ومن ثم فإن الذكرى تتجدد كل عام بالكثير من الدروس والدلالات التي تبرزها. إن تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، الذي يخلد الشعب المغربي اليوم ذكراه التاسعة والستين، اعتبر فعلا عملا وطنيا كبيرا في حينه، وأصاب الاحتلال بكثير من الارتباك، كما أنه أبرز تنامي الوعي الوطني وسط المغاربة، وإصرارهم على نيل حريتهم واستقلالهم. وفي السياق نفسه، فإن تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال كشف أيضا عن التنسيق المتين بين قوى الحركة الوطنية والملك الشرعي المغفور له محمد الخامس، ما جعل التطلع الوطني للاستقلال مطلبا مغربيا شاملا، ومنح للنضال الوطني نفسا جديدا ودفعا قويا توج لاحقا بتحقيق النصر وإعلان الاستقلال. في الوارد أعلاه، يتبين الدرس الجوهري من ذكرى 11 يناير، ويتعلق الأمر بالتفاف الشعب المغربي وحركته الوطنية حول مطلب الحرية والاستقلال والإصرار عليه، ثم وحدة العمل والتنسيق المستمر بين الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية، وهما تجليان إثنان لدرس واحد كم يبدو راهنيا إلى اليوم، حيث أن التعبئة الوطنية الشعبية، والتعاون بين المؤسسات الوطنية ذات الشرعية والمصداقية هما المفتاح لكسب رهان الدفاع عن الثوابت الوطنية، ولإنجاح مسلسلات البناء والديمقراطية والتحديث والتنمية. اليوم، تحل ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال ضمن سياق وطني متميز يعرف تحولات سياسية ومؤسساتية هامة في البلاد، ولعل أبرز عنوان له هو تواصل الإصرار المغربي على الوحدة الترابية للمملكة، وانطلاق مشروع ضخم لتقوية التنمية في الأقاليم الجنوبية، فضلا عن الدينامية السياسية المتفردة التي تخوضها البلاد والحرص على تعزيز استقرار المجتمع وحماية وحدته وأمنه. ومع استحضار الفارق في الظرفيات التاريخية والزمنية، فإن الأهداف الوطنية تبقى واحدة كما تجسدها الدلالة الوطنية لذكرى 11 يناير. وكما أن الهدف كان خلال فترة النضال الوطني هو الدفاع عن حرية واستقلال البلاد ضد الاستعمار، فإن الهدف اليوم هو تقوية استقرار البلاد ووحدتها، وأيضا تعزيز البناء الديمقراطي ودولة القانون والمؤسسات، والنجاح في بناء المغرب الديمقراطي الحديث، وتحقيق التقدم والعدالة الاجتماعية لشعبه، وتكريس المساواة والانفتاح والحداثة، واحترام حقوق الإنسان، وهذه كلها أهداف لا يمكن النجاح فيها أيضا من دون انخراط المواطنات والمواطنين ووعيهم وتعبئتهم إلى جانب القوى السياسية الجدية والحقيقية وذات المصداقية... هي القيمة التاريخية الحقيقية والمتجددة إذن لذكرى 11 يناير، الحدث الذي صنعته الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية..