يخلد الشعب المغربي الأحد المقبل الذكرى السابعة والخمسين لعيد الاستقلال، وهي مناسبة وطنية خالدة يستحضر عبرها المغاربة نضالهم الوطني من أجل الحرية والاستقلال، ويتأملون في دروس وعبر هذه المرحلة التاريخية الهامة بغاية استشراف المستقبل. في مثل هذه المناسبة من كل عام، تعود لذاكرة المغاربة كثير صور وحكايات عن مراحل كفاح شعبنا ضد الاستعمار، وتحضر كل الأسماء والأماكن والسير، وتنتصب في البال والذاكرة صورة الملك الراحل المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية عند عودتهم من المنفى إلى الوطن، والإعلان عن نهاية معركة الجهاد الأصغر، وبداية معركة الجهاد الأكبر، أي معركة بناء الدولة المغربية المستقلة، الحديثة والديمقراطية... إن مناسبة عيد الاستقلال تحيل على كون المغاربة دائما يتعبأون دفاعا عن سيادة بلادهم واستقلالها وحريتها، ويقدمون كل التضحيات من أجل ذلك، وهي أيضا تحيل على الاتحاد القوي بين الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية في المعركة ضد الاستعمار، وتلك خصوصية أخرى تميز المسار المغربي عن سواه، حيث أنها كانت أيضا في عهد المغرب المستقل بمثابة السر وراء النجاح في كل المحطات الوطنية الكبرى (المسيرة الخضراء، الإجماع الوطني حول الوحدة الترابية، المسلسل الديمقراطي، التناوب التوافقي، الإنصاف والمصالحة، الدستور الجديد...). وبالنسبة لسياقنا السياسي الوطني والإقليمي الحالي، فإن هذا الدرس قوي الدلالة من دروس معركة الاستقلال يبقى ضروري الاستحضار والتأمل، ويستحق التشبث به، لأن تلاقي المؤسسات والقوى الوطنية التاريخية والشرعية في البلاد، ووضوح الرؤيا والهدف لديها، والانخراط الجماعي في معارك التنمية والتحديث، هو ما يؤمن لبلادنا دائما تميزها واستقرارها ونجاحها. وإن ذكرى عيد الاستقلال هذه السنة تحل ضمن سياق سياسي ومجتمعي يعرفه الكل وقد حلل تفاصيله الكثيرون، ولهذا فإن معركة «الجهاد الأكبر» مستمرة اليوم، سواء فيما يرتبط بمواصلة التعبئة الوطنية حول وحدتنا الترابية، أو من خلال الإصرار على تقوية أسس التحديث والديمقراطية والانفتاح ودولة القانون والمواطنة والمساواة في مجتمعنا، أو أيضا من خلال كسب رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل ما يحيط بنا من إكراهات وأزمات ومصاعب، وكل هذه التحديات تفرض اليوم التشبث أولا بالدرس الأول من دروس المعركة الوطنية من أجل الاستقلال، وتستوجب أيضا تقوية اليقظة والانتباه إلى أوضاع بلادنا في ارتباط بما يشهده المحيط الإقليمي والدولي، والتشبث بمقومات خياراتنا المجتمعية الكبرى، بعيدا عن كل تراجع أو تحكم أو قصور نظر. وحيث أن ذكرى عيد الاستقلال التي تحل يوم الأحد، ستكون مسبوقة بتخليد اليوم الوطني للإعلام يومه الخميس، فإن ذلك يجعلنا نستحضر قيمة الحرية، وخصوصا حرية الرأي والتعبير، باعتبارها من الواجهات الرئيسية التي احتضنت نضالات الوطنيين المغاربة أثناء مواجهة شعبنا للاستعمار، كما أن القوانين ذات الصلة بهذا الميدان مثلت، حين صدورها، دليل انطلاق عهد جديد في المغرب المستقل، وشهد مسارها كذلك مواجهات ومعارك كثيرة من أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ومن ثم تكتسي قيمة الحرية محوريتها في المشروع المجتمعي المغربي المرتكز إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة. وكما سجلت المعركة من أجل طرد المستعمر تعبئة وطنية شاملة ووحدة متميزة بين قوى الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية، فإن معركة اليوم من أجل الحرية والديمقراطية والتنمية والتقدم تستوجب نفس التعبئة، وذات الوحدة، وتفرض الاستحضار الدائم لدروس ودلالات عيد الاستقلال. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته