تناسلت قراءات و مواقف متباينة حول حراك الريف و حول الديناميات المعلنة والخفية التي يشتغل وفقها ، و حول سقف مطالبه و ما إلى ذلك من زوايا مختلفة لفهم هذا الحراك. نكتفي في وجهة نظرنا كمتتبعين لهذا الحراك، بتحليل الخطاب ، خطاب قادة الحراك خصوصا ناصر الزفزافي، لكي نقوم بقياس أحد المؤشرات التي ستنبؤنا عن جدوى استمرار الحراك من عدمه. أولا : قول ناصر الزفزافي بشكل متكرر أن الاستعمار الاسباني أهون من المخزن، فيه نوع من المداهنة و التمجيد للمستعمر الذي لن يختلف عقلان سويان في إدانة هذا الموقف. فالدولة الوطنية تبقى دولة وطنية، و الاستعمار الغاشم يبقى استعمارا غاشما. و لم يسجل في تاريخ نضالات الامم أن أشاد شعب بالاستعمار. فكيف لا يكون أبناء جلدتنا و ملتنا ارحم علينا من الأجنبي.قال الله تعالى: ( ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). ثانيا: ما يبعث عن القلق أكثر هو حينما يصف ناصر الزفزافي في أكثر من مناسبة، تواجد الدولة من خلال أجهزتها و ممثليها على غرار مجموع التراب الوطني ، يصف ذلك ب: (الاستعمار العروبي). ألم تكن عزة الأمة بالعروبة و الإسلام؟. متى أصبحنا في المغرب نفرق بين العروبي و الأمازيغي، أم هذه نزعة عرقية انقسامية يؤسس لها خطاب ناصر الزفزافي، لكي يقول إن الريف هو جزء من أرض تامازغا و يجد ذلك القول صدى في عقول البسطاء ممن لا يعون خطورة إثارة النزعات الانطوائية على العرق و على الأرض و على حقوق الشعوب الأصلية و ما إلى ذلك من بذور تفتيت الدولة الوطنية، الدولة الأمة. قول ذلك من باب التاريخ قد يجوز ، لكن توظيفه في تعبئة الجماهير خطير جدا على وحدة الصف الوطني. ثالثا : فيما يخص الاستقواء بالفاعل الخارجي ، فهذا الأمر يتكرر في خطاب ناصر الزفزافي. متى كانت، و عبر مر التاريخ، مساهمة الفاعل الخارجي، ذات مصداقية و ذات نتيجة حسنة في معالجة أي قضية وطنية ما؟ الفاعل الخارجي يرتبط حتما و مطلقا بأجندة خاصة به أساسا، و لا وطنية و لا شعبية . حيثما وجد اثر الفاعل الخارجي توجد الدسائس المتربصة بالمصالح الوطنية و توجد مداخل خراب الشعوب. هذا لا جدال فيه، إذن لا مجال للقول أن لجان دعم حراك الريف في الخارج و المكونة من أبناء الشتات ، لا يخترقها أحد، لا أجهزة استخبارات اجنبية معادية، و لا مجموعات ضغط، و لا جهات معادية لمصالح المغرب. لن تقف كلها متفرجة في هذه الفرصة المتاحة للتسخير و التأجيج و الاختراق ...الخ. مجرد التفكير في عكس ذلك يعني عدم فهم دقيق لقواعد اللعب على المستوى الدولي. رابعا : ماذا يعني الخروج إلى الشكل الاحتجاجي محاطا بحراس شخصيين بالنسبة لناصر الزفزافي. هل يعتقد أن يدا غاشمة ستطاله أمام الكاميرات و الجماهير و في وضح النهار و في نفس اليوم لمسيرة الخميس الماضي. ماهذا الهراء؟ هذا مجرد فعل مسرحي ، أكيد مفكر فيه جيدا، من طرف من أوحوا له بذلك، لصنع و ترويج الصورة النمطية للزعيم النجم الذي يتربص به العدو لإطفاء تأثيره. نحن لسنا بصدد إخراج فعل درامي حتى يتم التفكير في هذه التفاصيل بهذا الشكل المعد للاستهلاك الإعلامي الداخلي و الخارجي. الحس السليم للمناضل و انسجام الأفكار النضالية مع الفعل النضالي يستوجب النيء بنا عن هذه الخرجات المسرحية. فحتى تشي كيفارا نفسه الذي قاوم الإمبريالية بجلال عنفوانها لم يفعل ذلك. و بمناسبة ذكر تشي كيفارا لا تفوتني الفرصة للتذكير أن ناصر الزفزافي حريص ، بايعاز أو بوعيه الخاص، على وضع قبعة شبيهة لتلك التي كان يضعها لتسويق صورة الزعامة التاريخية المنحوتة في ذاكرة جيل بكامله عندما يتذكر الشكل الخارجي لتشي كيفارة، و يقوم بإسقاط على ناصر الزفزافي تلك الصورة في إطار تمثلات سيكولوجية لا علاقة لها بالواقع. إذن نحن أمام آلة إعلامية خفية تتجاوز قدرات ناصر الزفزافي و إمكانياته الذاتية للتحكم في الحراك و ترشيد الفعل الاحتجاجي الذي ساهم في خروجه إلى الفضاء العام بهذا الشكل خامسا: يتعين إثارة ملاحظة غاية في الدقة، الا و هي كون ناصر الزفزافي هو موضوع و بؤرة و هدف كل الصور الملتقطة بالسلفيات من طرف هواتف المشاركين في المسيرات و الاحتجاجات و الجلسات، إلا صورة وحيدة و فريدة التقطها ناصر الزفزافي هو نفسه بهاتفه الشخصي، و مع من ؟ مع مايسة سلامة الناجي . الفتاة الثورية الحسناء المثيرة للجدل. و كأن حال لسان هذا الحراك يقول : لكي تكتمل الصورة البطولية يحب وضع البطل بجانب البطلة الحسناء المثيرة. إخراج هوليودي يهدف إلى التأثير على سيكولوجية الشباب و إثارة اندفاعهم. سادسا : و قبل أن أختم، قسم الوفاء للحراك هو التزام بالنسبة للشباب المشارك فيه، و لكن بالنسبة لناصر الزفزافي الذي جال الريف ليستحلف الشباب، هو بمثابة انتزاع الولاء لشخصه و ليس الوفاء لروح الحراك. كل هذه العناصر التي تطرقنا اليها ، يجب فهمها في العمق، لنكتشف أن هذه بداية مؤامرة على الدولة الوطنية، الدولة الأمة، لضرب مفاصل الاستقرار. فإذا كانت لزعماء و مخططي الظل للحراك مطالب اقتصادية، اجتماعية و ثقافية محضة كما يدعون، فإن غدا لناظره قريب. انظر و انتظر كما يقول البريطانيون، إذا بادرت الدولة للاستجابة للمطالب، و هو ما يتأكد انه جاري على أرض الواقع، فكفى الله البلد شر المؤامرات، و إذا لم تستجب كليا للمطالب، فلكل مقام مقال آنذاك. مراسلة