في تحقيق ميداني، تقف أندلس برس على إحدى تجليات الوضعية المزرية التي يعيشها الآلاف من المهاجرين المغاربة بالديار الإسبانية والذين يعتبرون أكبر المتضررين من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد: المئات منهم تحولوا إلى "ميخالة" يجمعون النفايات من شوارع العاصمة الإسبانية لفرزها وبيع ما يصطلح عليه في المغرب بالخردة. أما وزارة الهجرة المغربية فهي غارقة في اختلاسات الملايين من صناديقها كما تحدثت عن ذلك بعض وسائل الإعلام ومجلس الجالية يبحث وكالات أسفار أوروبية وأمريكية لتنظيم رحلات لأعضائه على ظهر ولاد الشعب. محمد و عبد الغني شابان مهاجران من المغرب و الجزائر أسسا شراكة تجارية منذ 5 أعوام لبيع الخردة و كل ما يعثران عليه في شوارع العاصمة الإسبانية مدريد من أحذية و ملابس و هواتف قديمة و آلات ألكترونية و ماكياج و قارورات ..أي كل شيء مما يمكن أن يتصوره المرء عندما يتعلق الأمر بنفاية ترمى و يصادفها في الشوارع ...فحالهم كحال المئات من ابناء الجالية المغاربية الذين يقفون في مناطق محددة و شوارع معروفة في العاصمة مدريد للإسترزاق تحت رحمة فقر مدقع و حالة هستيرية دون وثائق إقامة في إسبانيا تسمح لهم بالسفر إلى منطقة أخرى بحثا عن العمل أو حتى العودة إلى ديار الوطن الأم...فظاهرة بيع الخردة و العيش بما يعرف ب "الدلالة" قد إرتفعت صرختها إلى سماء مدريد و مختلف مناطق إسبانيا حيث عاشت" أندلس برس "يوما كاملا مع هؤلاء البؤساء لتتقرب من هذه الظاهرة التي تعزز إنتشارها بسبب المحنة التي يعيشها مواطنون مغاربة في أرض اوروبا على وقع الأزمة الإقتصادية و تواجد الآلاف منهم في وضعية" ستاند بايت" دون وثائق إقامة . محمد و عبد الغاني و رحلة البحث اليومية في النفايات يقول محمد شاب أنيق في ال 35 من عمره منحدر من مدينة الدارالبيضاء انه حط رحاله في مدريد و هو صبي عام 1984 غير أنه تعود مؤخرا على العيش من بيع النفايات التي يبحث عنها في الشوارع منذ نحو 7 سنوات... إلتقيناه صباح يوم أحد مشمس و حار بسوق" الراسترو" و هو يحمل جوالا و بعض الأغراض داخل بلصة زرقاء ..و لم نتمكن من تفحصها لأن حالته كانت هيستيرية و هو يدفق بنظره شمالا و يمينا لتقصي تحركات رجال الشرطة في السوق و يقول لنا محمد " قبل دقائق فقط جاء المخزن و حجز كل الاغراض التي كنت أبيعها و لم يبقى لي إلا هذا الذي في يدي و يضيف " نحن نعيش في ظل هذه المأساة لأنه ليس هناك عمل و لا وثائق تسمح لنا بالسفر إلى مكان آخر " و نحن نتحدث إليه جاء عبد الغني و هو مهاجر جزائري شريك محمد في هذه الحركة التجارية فهما يخرجان كل ليلة للبحث عن الخردة و يجوبان شوارع العاصمة لعلهما يجدان خردة ذات قيمة مادية للبيع رغم إرتفاع شراسة المنافسة مؤخرا ...فقد إتفقا على الشراكة لا لشيء إلا لأن هذا يسمح لهما بمواجهة منافسة الآخرين .و هذا ما يقوله عبد الغني 40 عاما و هو يعيش في إسبانيا منذ نحو 15 سنة دون عمل و لا وثائق إقامة . الراسترو ... أتوشا و إيمي 30 المحطة رقم 1 الراسترو / كان سوق الراسترو العتيق المحطة الأولى في جولتنا الصباحية يوم الاحد تتبعا خطى المهاجرين المغاربة الذين يسترزقون يوميا من بيع الخردة ..و هناك في زنقتي "ميرا اريو أباخو" و "كارلوس اٍلوشيس " لمحنا حركتهم و سمعنا أصوات بعضهم تنبع من كمم متفرقة لمجموعات زبائن تضم أفرادا من مختلف الجنسيات راحوا ليلقون بنظرهم و أجسادهم فوق بائعي الخردة لعلهم يظفرن بحذاء أو سروال أو أي شيء يحمل قيمة تاريخية او مادية و لكن المهمة ليست بالسهلة وسط تهافتهم على الكم الهائل من الخردة التي ينشرها البائعون على أرصفة الراسترو ...ففي شارع كارلوس ألوشيس كانت الحركة متدفقة أكثر من شارع ميرا الريو أباخو لا لشيء إلا لأن رجال الأمن كانوا منتشرين في الشارع الثاني مما أحدث عملية فرار جماعي للباعة الذين تنقلوا مجموعات مجموعات فارين إلى شارع كارلوس ألوشيس و نظرات الخوف بادية على وجوههم و على الاقل هذا ما أدركناه و نحن نتتبع أثرهم قرابة الساعيتن من الزمن تحت شمس مدريد الحارقة. يقول توفيق و هو شاب جزائري من مدينة سكيكدة أنه يعيش من بيع الخردة منذ نحو 7 سنوات و لا يعتبر نفسة" فيتيرانو" لأن هناك من يعتاد على هذه التجارة و الحياة منذ أزيد عن العقد أو العقدين ...فالشباب الجزائري يقول بانه يخرج كل يوم للبحث في الشوارع و أكواب رمي النفايات لعله يجد شيء يصلح للبيع و يركن بلصته في أحد مقاهي حي لفابييس و هناك يراجع الاغراض التي عثر عليها ثم يتجه لبيعها في الشوارع لكن أفضل يوم بالنسبة له هو صباح الاحد لتزامنه مع سوق الراسترو و يقول لنا بأن فرصة البيع و المتاجرة أوفر .. و تتراوح مداخيل هؤلاء ما بين 10 و 20 يورو يوميا غير أنهم معرضون لدفع مخالفة قانونية بما يعرف هنا في إسبانيا بالمولتا في حالة وقوعهم في قبضة رجال الامن الذين يقومون بحجز الخردة و إقتيادهم إلى مركز الشرطة و هناك يدخل عامل الحظ كعامل اساسي فبعضهم يقضي 12 ساعة و البعض الآخر 3 ايام رهن الحبس بسبب إرتكاب مخالفة البيع غير مشروع قانونيا في الشارع . جولتنا في الراسترو قادتنا إلى نتيجة واضحة كنا نعلمها مسبقا لكن نظريا فقط و هي أن الازمة الإقتصادية و عدم حيازة وثائق الإقامة قادت المهاجرين المغاربة إلى تجارة الخردة و العيش من عائدات بيع النفايات لكن المفاجاة أننا صادفنا نساء و شيوخا ضمن أفواج الباعة و حكاياتهم جد قاسية حتى أن عددا معتبرا منهم لديه وثائق إقامة لكن فرص العمل غير متاحة إطلاقا ...فهم يرفضون العودة إلى الوطن لأنهم شاخوا في هذا البلد الذي صار بلدهم الاول و فيه قضو حياتهم و عودتهم لأرض وطنهم الأصل في الحقيقة لن تغير الكيثر لأنهم لا يملكون أي شيء هناك هذا ما فهمناه من حديث لالا الزهراء مغربية في سن 50 و هي تركن عربتها في الراسترو محملة بخردة متنوعة و تقول العجوز انها تمارس هذه التجارة منذ أشهر فحالتها الإجتماعية و المادية عسيرة و لا يوجد من يعولها على الحياة ...و تقول لا لا الزهراء أن في المغرب الحياة أصعب و حتى هناك لا يوجد من يصرف عليها. وقوفنا في شارع كارلوس أرلوشس بالراسترو قادنا إلى إحصاء وجود نحو العشرات من ابناء الجالية العربية ممن يبيع و يشتري في سوق الخردة و لكن عن اية خردة نتحدث عن اشياء رميت رائحتها كريهة و بعضها مؤكسد و ليست لها اي قيمة مادية لكن الناس تشتري ب 1 يورو او 50 سنتيم ..كما أن هناك من يشتري و يبيع في الخردة من اليد الاولى إلى اليد الثانية فالحالة الإجتماعية القاسية قادت ببعض الباعة إلى أن يفرشوا أغراضا و سلع لا يمكنك سردها لأنها في الحقيقة بمعنى الكلمة "باسورة "غير ان الأمل في بيعها لا يستبع خاصة و أن هناك من مرتدي الراسترو ممن يشترون كل شيء و في بعض المرات هناك بعض الأغراض في نظر الباعة لا تعني شيئا لكن عند الزبائن لها قيمة فنية و تاريخية و قد سمعنا كثيرا عن اشخاص إشتروا لوحات فنية و تحف بواحد يورو قيمتها في السوق لا تقدر لأن بائع الخردة ليس بالخبير و همه البيع فقط . المحطة الثانية / أتوشا توجهنا بعد حديثنا و سماعنا لقصص بائعي الخردة في الراسترو إلى أتوتشا و هناك كانت المفاجأة فعلى إختلاف الخردة التي تباع في الراسترو من نفايات و ما شابه ذلك صادفنا في اتوشا نوع أخر من السلع و يمكن وصفها بسلع الدرجة الاولى كما يصفها لنا حميدة مهاجر جزائري يبيع و يشتري في الخردة و يمكن وصفه بسمسار الخردة و يقول لما محدثنا ان هذا الموقع معروف بنوعية الخردة التي تباع في ارصفته فهي سلع على حد قوله محترمة و في الحقيقة هذا ما قد تتبعناه و نحن نجوب المنطقة المحاذية للحديقة البوتانكة على مستوى معبر البرادو ...فهناك وجدنا قرابة 100 بائع من مختلف الجنسيات و حتى من الإسبان إضطرتهم الازمة الإفتصادية و الإجتماعية الخانقة إلى حط رحالهم هناك للإسترزاق لعلهم يعودون ب 10 أو 20 يورو و هذا إن ساعفهم الحظ في البيع و الإفلات من قبضة الشرطة. ففي منطقة أتوشا تجد خردة من نوع آخر أغلبها يبيعها مغاربة و جزائريوين و تتنوع من أغراض عثر عليها في النفايات و أخرى مسروقة دون هوية و قيمتها مرتفعة مقارنة عن تلك التي صادفناها في الراسترو ..غير أن مأساة حاملها واحدة و مشتركة لدى الجميع و توحي بأزمة حادة و منتشرة بقوة لدى أبناء المهاجرين الذين وجدو أنفسهم محاصرين بين الفقر و البطالة و التهميش بدون وثائق إقامة قد تنفعهم. فغالبية من تحدثنا إليهم ليس لهم وثاق إقامة في إسبانيا ممن يعرفون بالحراقة و حتى أن بعضهم يعيش في مدريد منذ سنوات لكن الظروف قادته إلى التواجد على حافة حبل الوضعية غير شرعية و هم اليوم بدون عمل و لا يتلقون اي مساعدات إجتماعية من قبل الحكومة الإسبانية و هذا ما أدى بهم إلى الوقوف على أرصفة الشوارع في أتوتشا و الراستورو منطقة إنبخادوريس و غيرها من المناطق المعروفة في العاصمة مدريد لبيع النفايات و الخردة تحث ضغط مطاردة رجال الشرطة لهم و كلهم يحمل في جيبه مخالافات تفوق 100 يورو في كل مرة يتم القبض عليه . مسجد إيمي 30 تحولت حديقة شارع سالفادور دي مادارياغا المحادية للمركز الإسلامي و الثقافي بمدريد و المعروف ب أيمي 30 إلى سوق شعبي للمغاربة كل يوم جمعة بعد الصلاة يتردد عليه العشرات من أبناء الجالية العربية و تجد بين الباعة ممن يضع منتوجات و سلع متنوعة من الخردة وسط سلع إستهلاكية أخرى ويبدوا ان هذه الظاهرة الحديثة في المنطقة قد إنتشرت بقوة و حتى أن رجال الشرطة الإسبانية صاروا لا يداهمون الحديقة مما شجع العديد من نصب أفرشة على هامش الساحة لبيع الخردة المتنوعة و يقول لنا أحدهم بأن هذه المنطقة قد تم إضافتها ضمن قائمة مناطق بيع الخردة في مدريد فهي تضاف إلى مناطق اخرى معروفة كالراسترو يوم الأحد و أتوشا و إيمباخادورس خلال أيام الأسبوع و يوم الجمعة خاص بالبيع هنا كما يقول و على حد تعبيره إلى غاية أن تنتهي فترة الهدنة بين الباعة و رجال الشرطة و الله يستر. الزبائن متوفرون رغم أن الأمر يتعلق بخردة باليه المئات من الزبائن من المهاجرين و الإسبان يتوجهون إلى أسواق الخردة يوميا للبحث عن هاتف نقال أو آلات إلكترونية أو ملابس متنوعة بخسة الثمن تتراوح اسعارها ما بين 1 يورو إلى 10 يورو و السبب الرئيسي هو إنتشار الأزمة الإقتصادية التي يعانيها المجتمع في إسبانيا و طالت فئات متعددة من المجتمع الذي شهد تراجعا في مستوى القدرة الشرائية و أدى به الوضع للبحث عن ارخص السلع للتوفير حتى و إن كانت مستعملة و قديمة و غير صالحة إطلاقا في بعض المرات. و يقول لنا سالم مهاجر مغربي بائع خردة بأن الزبائن لا ينقطعون عن هذه الأسواق و هذا ما يعكس الوضع القاسي الذي نعيشه في إسبانيا فنحن نبيع الخردة لان هناك من يشتريها على حد تعبيره و الحقيقة أن كل السلع و الخردة يمكن بيعها على أرصفة مدريد دون أية عقدة. باعة الخردة يحلمون بغد أفضل يقول عبد اللطيف مهاجر مغربي في حديثه لنا بأنه لولا الحالة الإجتماعية القاسية التي عاشها في المغرب لما صبر ثانية واحدة و هو يقف لبيع النفايات و الخردة في أرصفة مدريد و يضيف " في المغرب كانت حالتي اسوء من هنا رغم أنني أبيع خردة في مدريد أجمعها من النفايات لكن على الأقل لدي مدخول و يمكنني أن احلم بمستقبل افضل " و هو الحلم الذي يتقاسمه معه جاره على الرصيف المقابل ياسين من مدينة مراكش و الذي يرد كامل غضبه و شحنته على تدهور الوضع السياسي و الإجتماعي في الوطن العربي حيث يقول لولا حكامنا لما صرنا بؤساء في أرض أوروبا ...فياسين شاب جامعي درس علم النفس و إنتهت به مغامرته إلى حد لقائنا به من مرسيا إلى مدريد ثم إلى أرصفة بيع الخردة لكنه يحلم إلى جانب رفقائه في مستقبل افضل و تعديل اوراقه في اقرب وقت ممكن لعله يجد منصب عمل ... فعلى حد تعبيره" الدنيا تلقاط يا خويا" . روبورتاج أعده رفيق زناز