أتذكرك يا أمي في ذلك اليوم الذي كان عيد أضحى..وأنا رفقتك في مطبخ منزلنا..وقد أتيت مع ولديَّ لزيارتك بالمناسبة..وكنتُ أزورك كل نهاية أسبوع مصحوبا بهما..وأنت تقولين لي :"لا تأت لزيارتي دونهما"..كانا مثل عينيك اللتين تنظرين بهما الدنيا فرحا وسعادة..كانا بلسم أحزانك وشقائك..وأنا ابنك الأكبر أعرف جيداً كم شقيت..كم حزنت وبكيت.. في ذلك اليوم..ونحن معا في المطبخ..وأنا أساعدك..قلت لي مخبرة " أحس أن ألما ما يوخزني في ظهري" ..فكرت حينها في نفسي..وقدرت ربما يكون ألم الظهر(السياتيك)..وبما أنني أعمل..طلبت من أخي ع.الواحد أن يرافقك إلى زيارة الطبيب..ويأخذ لك صورة (سكانير)..وقراءة لها من الطبيب المختص في الراديوغرافي..وعندما التقيته بعد يومين..أخبرني أن طبيبين أكدا له أنك مصابة بذلك المرض اللعين..كان "السرطان" في مرحلته الثانية..وقد انتقل من "البنكرياس" إلى "الكبد"..اجتاحني الخبر مثل الصاعقة..هزني هزا عنيفا وأفرغ روحي من روحها..وذهبت رفقتك لأتأكد بنفسي وأجرى لك "الدكتور سعد الركراكي" سكانير آخر..وأكد نفس الشيء.. طلبت من صديقي "د.سعد"..الذي أشكره كثيرا على دعمه المادي والمعنوي..أن أذهب بك إلى الرباط..بعد أن أخبرته أن الأمر يتعلق بنفسيتك..حتى لا تقولين إن أولادك..الذين شقيت في تربيتهم..رموك في المنزل وتركوك يقتلك المرض..وفعلا..ذهبنا إلى مستشفى "الشيخ زايد"..تعجب الدكتور المختص الذي أرسلنا إليه صديقي "سعد"..لكنه تفهم الأمر واستحسنه..وطلبت منه أن يكتب لك وصفة دواء..لكنك كنت فطنة ويقظة كما عهدتك..حين لاحظت أن الدواء قليل مقارنة مع ما تعانينه من ألم..وكانت إجابتي هي أن الدواء كيف وليس كمّاً..قضينا في الرباط أياما..وعدنا إلى البيت..سقطت طريحة الفراش..لا تقوين على النهوض..وأنت يعجبك دائما أن تفترشي الأرض..ولا تحبين السرير..جلست…مرة بجانبك على السداري..كما أفعل كل يوم من هذه الأيام القليلة الكالحة..أمسكت برجلي اليمنى..وقلت بحسرة تقطر حزنا:"إنها الموت يا ولدي !..إنها الموت ! "..تماسكت حينها..وأجبتك إن الموت قدر وقضاء..قد تنهضين معافية يا أمي..وقد أسقط ميتا وأنا المعافى..وكأن كلامي أقنعك..فارتحت قليلاُ..ونظرت إلي بمحبة وحنان..لكنني كنت أبكي عندما أكون وحدي…لقد رحلت الآن يا أمي..لكني لا أزال إلى اليوم أبكي عندما أتذكرك..رغم مرور أزيد من ثلاثة عشر عاما على رحيلك..لا أزال أبكيك يا أمي..كلما تذكرتك..وأنا على سريري أو جالس وحيدا في غرفتي.. أهديك أمي هذه السطور..في يوم الأم..وأخبرك أنك مدرستي الأولى تعلمت منك الصبر والجلد..وعزة النفس..وأيضا الحكمة..وأتذكر دائما قولك لي "ياولدي..لا تكن حُلواً حتى يبلعوك..ولا مُرّاً حتى يبصقوك"..أتذكرك كلما حاول بلعي أحدهم..لقد كنت امرأة رائعة وأما شرسة في الدفاع عن أبنائها..وبفضلك وحكمتك..أنقذت مستقبل جل أبنائك.. وقدرتك على المواجهة في الدفاع عن مصالحهم..رغم أنك تربيت يتيمة..بلا أب ولا أم..