لقد كثر في الآونة الأخيرة، الحديث عن الخلافات والنزاعات بين كيان الجسم الجمعوي للجالية المغربية في الخارج، وما ترتب عنه من خسائر طالت مصالح مغاربة العالم وضربتهم في الصميم. آفة تنخر جسم تجمعات الجالية في كل دول الاحتضان إلا من رحم الله. وباتت تلك الخلافات والنزاعات، بل والصراعات عن التمثيل للمؤسسات والجمعيات تستخدم فيها كل الطرق الملتوية من أجل تحصين النفوس. بعضهم يعتبرها غير مشروعة البتة، بينما الآخرون يرونها جزء من طرق الاشتغال السليم، حتى أضحت نتائج الفريقين شماعة يعلق عليها جميع الإخفاقات التي تحول دون تقدم مغاربة العالم وبناء مؤسساتهم وجمعياتهم على أسس ديمقراطية حرة ونزيهة شعارها: (الشفافية والاختيار الحر). والمصيبة والطّامة الكبرى أنّ نتائجها كذلك أصبحت تورّث للجيل الجديد البريء. ويظلّ السؤال الذي يغفل عنه كثير منّا، من الذي يقف وراء تغذية تلكم الخلافات والصراعات وينعشها بكل الوسائل المادية والمعنوية واللّوجستية ويخطّط لها ويضبط طرائق تنفيذها والمناورة فيها وبها؟؟؟ لا شك أنّ من له مصلحة وراء تلكم الخلافات هو من يعمل على إذكاء روح الخلاف بينها. أحسب – وأنا أنطلق من تجربة الدّنمارك، باعتبارها بلد الإقامة – أنّ هناك عقليات عتقيقة ومتهالكة اختارت فكر التصادم والإقصاء الذي بات للأسف يحكم علاقة بعض الأطراف الجمعوية بعضها ببعض… عقليات لا تزال تحول دون اجتماع القوى الجمعوية بالكيفية اللاّزمة والمطلوبة لخدمة المسار الديمقراطي في بناء الجمعيات والمؤسسات على أسس ما سلف ذكره، من شفافية وحرية الخيار الدّيمقراطي الحر والنزيه دون تدخّل أصابع خارجية تحمل معول الهدم!… أجل، فكل الجمعيات والمؤسسات، بل وحتى دور العبادة من مساجد ومصليات.. باتت وكأنّ مواقفها تصدر عن منطق وعقلية تصادمية، وبالرغبة الجامحة المضمرة، وأحيانا العلنية في إقصاء الطرف الآخر وعدم الاعتراف به ككيان وجسم مؤسساتي مستقل عامل في الساحة مثله مثل باقي الأطراف الأخرى النشطة… جميل أن يختلف الناس في وجهات نظرهم حول مسألة ما، فإنّ ذلك محرّض على الفعل منمٍّ للفكر مستدعٍ لفعل الآخر، إلا أنّ ذلك كلّه لا بدّ أن ينضبط – في نظري – إلى الأخلاقيات التي بها يتطوّر العمل ويصلح، بدل أن تتحوّل عملية التّدافع والاختلاف والتّنافس في المجالين الجمعوي والمؤسساتي خصوصا والإنساني عموما؛ إلى كارثة معيقة تصبغ واقعنا وتحول دون المضي قدما بعملية الانتقال الديمقراطي الحر والنزيه في سبيل استكمال إقامة مؤسسات وجمعيات حقيقية تنشد خدمة الصالح العام في أوساط الجالية المغربية الذي سيكون من نتائجه خدمة الوطن الأم المغرب بلا شك. سيما ونحن نعيش داخل مجتمعات يحكمها الطابع الدّيمقراطي بما يحمل من معاني الحرية والعدالة الإجتماعية النسبية والشفافية المطلقة… وبالقدر نفسه وللأسباب ذاتها يكاد الحراك الجمعوي والمؤسساتي الذي يطبع منذ أكثر من أربعين سنة مشهد الجالية في بعض جوانبه، والذي هو في الأصل دليل عافية وحيوية، أن يتحول إلى ظاهرة مرض أخلاقي خطير مدمّر في السنوات الأخيرة، إن لم يكن قد تحول بالفعل كما يُلحظ للأسف في بعض لقاءاتنا واجتماعاتنا!!! قد يقول قائل إنّ مبالغة كبيرة قد كست الصورة التي وصفت وقدّمت. وقد رجوت أن يكون ذلك كذلك، غير أنّ تكرّر السلبيات الموصوف في مشهدنا السياسي والاجتماعي والجمعوي، تمنع كلّ محاولة لتغطية الشمس «بالغرابيل» كما يُقال!… والنوازل والأحداث المستجدة، سواء كان مسرحها لقاءات تواصلية، أو اجتماعات عمومية، تسند وبقوّة ما ذهبت إليه في وصفي أعلاه… ففضاءات الحوار الضيق عندنا تحيل أكثر ما تحيل على «عقلية التحكم السياسي» وخيار الإقصاء لدى الأطراف الأخرى والرغبة المبيتة في عدم التعاون بينها الذي لن يؤدّي إلّا إلى الضعف وذهاب الرّيح لا سمح الله والخسران للجميع… وما من شك أنّ «عقلية التحكم السياسي» والإقصاء التي تُذكي نار الفتنة بين كيان الجسم الجمعوي والمؤسساتي، على أساس وخيار عدم التعاون، وبحسابات سياسية نفعية، لا تخدم سوى ذاتها من منطلق "فرق تسد" تُعد في حدّ ذاتها جريمة أخلاقية وسياسية في حق مغاربة العالم عموما، وفي حق المناضلين من أجل رفع مستوى التمثيل عند الجالية برمتها… لذلك، فنحن نطالب بشكل عاجل القطع مع سياسة «عقلية التحكم السياسي» والإقصاء. وأن تُترك الجالية وتُرفع الوصاية عنها لتوحيد صفها بوسائلها الذاتية وطرائقها الملائمة لبيئة نشاطها المتباين، من أجل تحقيق ما تصبو إليه من أهداف في مراحلها المقبلة من عملية الانتقال الديمقراطي الحر والنّزيه، وهي قادرة بإذن الله على ذلك، إن رفعت عنها الوصاية، ووجدت نفسها تعمل بكل حرية…