في خضم النزاعات العميقة التي عرفها المغرب المعاصر، و في إطار تهافت قوى " الحركة الوطنية " على السلطة ما بعد الاستقلال / الصوري . و في حماة تسابق النظام نحو تقعيد عرشه و تصفية خصومه السياسيين الحاقدين عن طريق تعويم من أرادوا أن يتحكموا بدواليب الدولة العروبية التي أرست قواعدها فرنسا، و حرصا على سياسة التوازنات الحافظة للاستمرارية الدولة الحديثة في منظومة حرب الجميع ضد الجميع يشترك فيها الكل لفائدة الجزء، بعد أن دمرت البنيات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للامازيغية التي صارت تعرف نوعا من الإقصاء و التهميش الممنهج من طرف النظام ترجع بالأساس إلى إستراتيجيته و أجهزته الإيديولوجية المؤطرة بالعروبة و الإسلام بسبب ما أفرزته تناقضات المرحلة من ظهور للقومية العربية التي تزعمها " اليسار المغربي " و التوجه السلفي أو التقليدي للنظام. في تلك الفترة المشوبة بالتوترات السياسية، ظهرت جمعيات أمازيغية كامتداد للحركة التحررية ، هذه الأخيرة التي خضبت التاريخ المغربي ببطولات يستحيل أن يتجاوزها التاريخ الرسمي، مهما جاهد نفسه، و رغم إمكانياته الهائلة التي يتوفر عليها مشروعه الرامي إلى القضاء على الحضارة و التاريخ الأمازيغيين. و كما أن هذه المرحلة طغى عليها هاجس الخوف فيما عرفته من تصفية جسدية للخصوم و المعارضين وعمليات العقاب الجماعي للمناطق الممانعة كسياسة راسخة للدولة الحديثة النشأة، فإن الحركة الأمازيغية ظهرت كحركة ثقافية في وسط شاذ يتجاذبه السلفي الوطني و التقدمي البعثي الناصري ( اليسار الماركسي اللينيني ) ، لم تستطع على إثرها أن تعلن عن نفسها كحركة سياسية لها مطالب سياسية ، مما اتخذ معه خطابها طابع الثقافوية لم تهضمه الطبقات الشعبية و التي تحولت نتيجة أوضاع الحرب المفتوحة لمدة طويلة، إلى طبقة يغلب عليها الجهل و الأمية بجانب الفقر، حيث كان العروبيين و الاسلامويين لها بالمرصاد لتصريف خطاب شعبوي استطاعوا، بعد أن دجنوها بخطاب مسموم، أن يؤسسوا لقاعدة تحتية مهمة، تعدته من الوطنية إلى الدولي ( تأطير الجالية المغربية من طرف بعض الخلايا الإرهابية )، فبدت الحركة الأمازيغية معزولة عن الشعب و بدون سند جماهيري يدعم ملفها المطلبي بسبب خطابها النخبوي الذي ارتكن إلى سياسة الحوار في محاولات يائسة لإقناع من يحمل فكرا وحدويا لا يقبل التعدد ولا الاختلاف، و ثقافة لا تقبل الآخر إلا إن كان تحت الوصاية، و عقليات حجرية تزداد صلابة كلما حاججتها الحركة الأمازيغية بالحقائق التاريخية و الاكتشافات و الدراسات العلمية الحديثة، متناسية و كما أثبتت تجارب العديد من دول العالم، أن المجتمعات البشرية لا تحل مشاكلها بالاقتناع الفكري . و نتيجة لاهتزاز مواقف الحركة الأمازيغية و تراوحها بين وريثة للحركة التحررية، و حركة سياسية مقولبة في علب حركات مطلبية ثقافية، فإن مسارها انخضب بمجموعة من المتناقضات غير المنسجمة مع مطالبها السياسية المغلفة بما هو ثقافوي تعود بالأساس إلى : - إن سياسة استجداد النظام بواسطة بيانات، مراسلات أو ملتمسات ليجود على الحركة الأمازيغية ببعض الحقوق الأمازيغية، أضفى على المكون الأمازيغي صبغة الأقلية. - الاعتراف الضمني بالمنظومة العربية الإسلامية من خلال الاشتغال من داخل هذه المنظومة التي تقصي المكون الأمازيغي. - لم تبلور الحركة الأمازيغية لحد الساعة خطابا جماهيريا شعبيا بموازاة الخطاب النخبوي من شأنه أن ينفتح على القاعدة مادامت تمثلها و تتحدث بإسمها بخلاف الحركات الإسلامية التي تعتبر جد متقدمة في مجال التهيئة لتنشئة أجيال مستقبلية مدجنة بالفكر الإسلاموي. - اعتمادها آلية ثقافية لتمرير خطاب سياسي لم يستوعبه القالب الثقافوي، في حين أن المطالب السياسية تحتاج إلى آليات مختلفة و متعددة تتكامل و تتقاطع بداخلها المطالب الأمازيغية السياسية كي تستطيع الآلية السياسية احتواءها و بالتالي تصريفها في شكل ملف مطلبي قوي. - اعتمادها أرضية عبارة عن : 1 – ميثاق : ميثاق أكادير 05 غشت 1991 عد بمثابة الانطلاقة الحقيقية للحركة الأمازيغية، و ذيل بتوقيع ست جمعيات أمازيغية اعتبرته أرضية لنضال الحركة الأمازيغية من أجل الإقرار بالأمازيغية كلغة وطنية إلى جانب اللغة العربية في أي إصلاح دستوري مرتقب مع الحرص على إدماج اللغة و الثقافة الأمازيغيتين في جميع مناحي الحياة ... 2 – خطاب : أعلن الحسن الثاني في خطاب 20 غشت 1994 قرار تدريس اللهجات الأمازيغية، بالإضافة إلى قرار إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في خطاب العرش لسنة 2001. 3 – مذكرة : مذكرة حول المطالب الثقافية الأمازيغية الموجة إلى السيد الوزير الأول حررت بتاريخ 19 فبراير 1994، و مذكرة حول تدريس اللغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية بالمغرب في 22 شتنبر 1994. 4 – بيان : بيان حول الحقوق اللغوية و الثقافية بالمغرب موجه إلى كافة المشاركين في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان و ذيل بتوقيع سبع جمعيات أمازيغية من مختلف مناطق المغرب في 23 ماي 1993، و بيان الجمعيات الثقافية الأمازيغية حول وضعية الحقوق اللغوية و الثقافية بالمغرب و المجتمعة في إطار التنسيق الوطني بالرباط يوم 12 أكتوبر 1996 و بيان شفيق في سنة 2000. 5 – رسائل : رسالة الجمعيات الثقافية الأمازيغية إلى الديوان الملكي في 22 يونيو 1996. هذه الأرضيات لم تتضمن استراتيجيات من شأنها أن تكون في مستوى تحقيق مطالبها السياسية و بقيت مجرد دراسات تستحضر الطرح التاريخي و اللغوي و الثقافي للقضية الأمازيغية، و هذا ما جعلها مجرد فصول نظرية لم ترقى إلى مستوى بلورة آليات تدبير الصراع لإحقاق المكاسب على أرض الواقع، بعكس الحركات و الخلايا الإسلاموية ذات الأرضيات التي تحتوي استراتيجيات دقيقة معدة سلفا خولتها الحضور بشكل أو بآخر و بقوة في الإختيارات المجتمعية الكبرى للدولة. - استحضارها للتاريخ الأمازيغي مع إغفالها أو تغافلها عدم استفادتها من تجارب أجدادنا الأمازيغ الحافلة بشتى أشكال المقاومة و طرف أو سبل الإنعتاق من التبعية و الاستعمار فالخطابي مثلا لم يرسل الملتمسات أو المطالب للإقامة العامة و الإدارة الاستعمارية بل فاوض من موقع قوة وبلا مهادنة. إن هذه المتناقضات التي تحبل بها الحركة الأمازيغية كانت وراء عدم إيصال مطالبها السياسية بالأساس إلى سدة الحكم، لأنه و بكل بساطة رغم جسارتها و تجسرها على حمل عبئ من هذا النوع فإنها فشلت فشلا ذريعا في جعل الطبقة الحاكمة أن تتبنى مطالبها العادلة و المشروعة بكل تأكيد، لأن وسائلها الجمعوية لا تستطيع أن تتحمل مطالب من العيار السياسي، كما لا يجب إغفال مسألة في غاية الجوهرية و الأهمية و هو أن فعاليات المجتمع المدني الأمازيغي بدت و كأنها مصابة بنوع من البلادة أو الغباء السياسي بسبب عدم فهمها - عن جهل أو قصد - أن عملية الإقصاء الممنهجة ضد الأمازيغية كانت بآلية عسكرية استعمارية ( فرنسية ) أردفتها الآلية السياسية ( أبناء الأعيان التي درست في المعاهد و القنصليات الفرنسية تواطأت معه فيما بعد في إكس ليبان ) في إرسال قواعد و أركان الدولة العروبية، إضافة إلى أن عدم الوعي بحجم الصراع لدى الحركة الأمازيغية أوقعها في شرك ملغوم بالمفاهيم المؤسسة لمنظور النظام للدولة، مثلا كالأمازيغية مسؤولية وطنية ( مع عدم تحديد معنى واضح للوطنية ، هل هل هي الوطنية التي أرستها الدولة الاستعمارية الفرنسية في إيكس ليبان، أم وطنية المجاهدين الأمازيغ الأحرار؟ )، و الثقافة الأمازيغية إرث مشترك بجميع المغاربة (.....) ، و الهوية المغربية تتكون من عدة مكونات أساسية لا يمكن الفصل بينها ( إدماج الهوية الأمازيغية قصرا في القومية العروبية الإسلاموية )، و غيرها من المفاهيم من شأنها تدمير الكيان الأمازيغي من الداخل في انتظار إدخال حضارتهم إلى متحف الحضارات المنقرضة. إن الحركة الأمازيغية قد دخلت مرحلة الموت السريري، ولم يعد لفعالياتها إلا أن تتحلى بالشجاعة و تنقذ ماء الوجه معلنة موت الحركة الأمازيغية التي ساهمت بوعي أو بدونه مخزنة الأمازيغية بسبب ضعف إمكانياتها ووسائلها التي لا تتوافق و بيئتها الحضارية و التاريخية و الثقافية، و لتقطع كذلك الطريق أمام الانتهازيين و الوصوليين الذين جعلوا من الأمازيغية مطية لتحقيق مكاسب شخصية و ذاتية مساهمة في مزيد من المخزنة للقضية الأمازيغية. إن الأمازيغية لا تحتاج إلى حركات/ جمعيات كراكيزية لا تسمن و لا تعني من جوع في الساحة السياسية، خصوصا و أن الحركة الأمازيغية أصبحت عامل فرملة أمام أي تطور أوإنتقال للقضية الأمازيغية إلى مستويات متقدمة كصيرورة طبيعية للحركية المتصاعدة للتاريخ نحو الحرية، و هو ما يمكن أن نلمسه في مواقفها عندما إنتقلت الأمازيغية إلى الفعل السياسي مع ظهور الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي الذي اعتبر في أوانه خطوة مهمة في القضية الأمازيغية، إذ لا يمكن في الظرفية الراهنة إعادة الاعتبار للأمازيغية إلا بواسطة المؤسسة السياسية، فقد خذلته الحركة الأمازيغية أكثر مما تعرض له من الحل و الإبطال من طرف وزارة الداخلية في شخص المحكمة الإدارية بالرباط لما فشلت في تنميط العمل الجمعوي الامازيغي في قالب سياسي. إن الحركة الامازيغية وما راكمته من السلبيات التي ورثتها عن " الحركة الوطنية " كابنها العاق كما يحلو للبعض أن يسميها أصبحت ضد القضية الامازيغية من حيث لا تدري ، بعد أن انتشرت بين أوساطها مرض الزعامة و حب الظهور وورثت الحركة الأمازيغية حالة من السياسة الاستعراضية أصبح معه خطابها مثل خشب مسندة، و ارتضت لنفسها أن تتقمص شخصية الضحية المغلوبة على أمرها و هاجس الخوف لا يفارقها من ظهور أي تنظيم قد يسرق الأضواء منها أو يسحب البساط من تحتها، فاستكان الجسم الجمعوي الأمازيغي إلى الإنتظارية و أصيبت الحركة الأمازيغية بالترهل و بطئ في الأداء بعد إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي أصبح حافزا أمام تناسل العديد من الجمعيات الأمازيغية تقتات على منح المعهد السخية و تتسول الصدقات باسم الأمازيغية التي أصبحت في خدمة تأثيث و تزيين البيت العروبي ببعض اللوحات الفلكلورية و الأهازيج الشعبية كانت من اختصاص النظام بالأمس موجهة للسياحة أكثر منها حفاظا على تراث أصيل. إن عجز الحركة الأمازيغية وضعف آلياتها ساهم إلى حد بعيد في مخزنة الأمازيغية بسبب ما يمتلكه النظام من مجسات استشعار الحراك الاجتماعي قبل حدوثه و لم تكن الحركة الأمازيغية إلا أقراص مهدئة للأمازيغ من قبيل : - تدريس الأمازيغية في المستويين الأول و الثاني للاستئناس و جعلها في خدمة التعلم اللغة الرسمية أي اللغة العربية كما نص على ذلك ميثاق التربية و التكوين. - تخصيص حصة للأخبار باللهجات الأمازيغية تحقيرا لها و إصرارا من النظام على إظهارها كلهجة لا ترقى إلى مستوى اللغة . لقد أصبحت الأمازيغية في حاجة ماسة إلى التحرر من وصاية الحركة الأمازيغية التي تكبل يديها بالأغلال و الأصفاد، و تعلن هذه الأخيرة عن وفاتها في شهادة رسمية في انتظار أن تنبعث الأمازيغية بعثا جديدا .