يستفيقون ليلا، يذهبون للمدارس شبه نائمين، يخضعون لبرنامج تعليمي مكتظ خال من أية أنشطة إبداعية وترفيهية لمدة ثمان ساعات يوميا، ثم يعودون مساء منهكين يئنون من أعباء محفظة تفوق أوزانهم، محملين بلائحة من الواجبات المنزلية في كل مادة، ما إن يتناولوا بسرعة وجبة خفيفة حتى ينكبوا ثانية لإنجاز واجباتهم التي تستدعي استنفار آباء منهكين، أو يوكل أمرهم لمدرسي الساعات الخصوصية، يغالبهم النوم والإرهاق ليستسلموا لنوم لا يكادون يستمتعون به حتى يستفيقون في عز الليل ليعيدوا نفس الدورة. هذه هي دورة حياة التلاميذ والتلميذات في بلدنا، وهي دورة لا يمكنها إلا أن تنتج هذه المرتبة التي يتبوأها المغرب في آخر الترتيب بين الدول في مجال التعليم. منظومة تعتمد على شحن العقول وتكديس المعطيات، تقتل روح المتعة في تلقي العلم وتخنق مدارك الابداع والابتكار. إن اعتماد الواجبات المنزلية التي يثقل بها الأساتذة كاهل التلاميذ والآباء، أسلوب يقتل في تلاميذنا متعة الدراسة ويحرمهم من التمتع بطفولتهم، ويولد لديهم الشعور بالإرهاق الجسماني والعصبي الدائم وضعف الانتباه، لا يستشعرون بأي تحفيز لأداء هذا العمل الشاق، الذي يمكن اعتباره بمثابة اختلاس من وقت الطفل الذي كان من المفترض تمضيته في اللعب والتواصل الأسري، باعتبارهما عاملين مهمين في تنمية شخصية سوية وقوية، قادرة على مجابهة مصاعب الحياة ككل وليس فقط تحديات الدراسة. وهذا ما أكدته جميع الدراسات الدولية في هذا الباب، أهمها دراسة هاريس كوبر، أستاذ التربية بجامعة "ديك" الأمريكية من خلال دراسة مقارنة ل 180 دراسة سابقة تناولت الموضوع نفسه. كانت نتيجتها أن الطلبة الذين يدرسون في ظل أنظمة تعليمية تولي أهمية كبيرة للواجبات المنزلية، يحصلون على مراتب متأخرة في نتائج البرنامج العالمي لتقييم الطلبة التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتفيد الدراسة أن "المدة الزمنية المخصصة للواجبات المنزلية لا يجب في جميع الأحوال أن تتجاوز 10 إلى 15 دقيقة كحد أقصى في المرحلة الابتدائية، وهي المدة نفسها التي يجب ألا تتجاوزها الحصص الإضافية في المراحل الدراسية الأخرى، وذلك لإتاحة الفرصة للطلاب لممارسة أنشطة موازية لا تقل أهمية عن المواد الأخرى في التنمية الذاتية. فهل سينتبه المسؤولون عن تربية نشئنا إلى أنهم يقتلون لديهم حب الدراسة والاستمتاع بها ويفقدونهم الحس الابداعي والابتكاري بشحن عقولهم بالدروس نهارا وبالواجبات المنزلية ليلا؟.