نشر موقع "لوماتان" الجزائري حديثا خاصا قال إنه دار بين الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد ومحمد بن شيكو، مدير جريدة "لوماتان" التي توقفت عن الصدور لأسباب اقتصادية. وكان محمد بن شيكو، الذي يدير حاليا الموقع، المرشح المفترض لتسجيل مذكرات الشاذلي بن جديد، وقد التقى به أكثر من مرة كما قال لموقع فرانس 24. لكن الصحافي لم يتمكن من تنفيذ المشروع بسبب سجنه لمدة سنة بتهم مختلفة. وفي اتصال هاتفي مع فرانس 24، أكد بن شيكو أن المعلومات التي نشرها حول حياة الشاذلي بن جديد استقاها مباشرة من الرئيس السابق ورجح عدم إدراجها في المذاكرات الرسمية التي ستصدر في مطلع نوفمبر المقبل. الحديث المفترض بين الرئيس الجزائري الذي توفي في 6 أكتوبر 2012 وبن شيكو غني بالمعلومات وشمل مواضيع سياسية واقتصادية مختلفة. يقول بن شيكو سألت الشاذلي بن جديد عن أسباب الصمت الذي التزم به منذ تنحيه عن السلطة نهاية 1991، أجابني "لم أكن أرغب في صب الزيت على النار، خاصة في ظل توتر الوضع السياسي آنذاك ". وأضاف بن شيكو أن الشاذلي بن جديد قال إن لا أحد أجبره على السكوت، إلا شخص واحد اسمه الشاذلي بن جديد لأن البلاد كانت بحاجة إلى من يديرها ويحميها ويدفع بها إلى الأمام وليس إلى شخص يرد على الاتهامات والانتقادات".
لا صوت يعلو فوق صوت الشاذلي بن جديد
وحول وصف الجنرال خالد نزار الذي كان وزيرا للدفاع وعضوا في المجلس الأعلى للدولة - الذي تشكل بعد مقتل الرئيس محمد بوضياف في 1992- الشاذلي بالرجل غير المثقف، نقل بن شيكو عن الشاذلي قوله بأنه كان دائما يحترم الناس الذين يعمل معهم. وأنه رجل شريف ويحب الشرف خلافا لخالد نزار الذي يفتقد إلى هذه الصفة. وأضاف بن شيكو أن الشاذلي بن جديد كشف له أنه عندما كان رئيسا للبلاد، كان الجنرال خالد نزار يهابه وأنه طلب منه استقباله عدة مرات، لكن الرئيس الجزائري الراحل رفض ذلك أكثر من مرة. وكشف بن شيكو أن الشاذلي قال له بإمكانك أن تسأل الذين عملوا معي لتتأكد بنفسك أنه لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوتي وأنني كنت من يملك السلطة الحقيقية في البلاد وحاولت تسخيرها للقيام بإصلاحات اجتماعية وسياسية. وأضاف بن شيكو أن الشاذلي بن جديد أكد له خلال إحدى لقاءاتهما أنه لم يكن يرغب في الرد على الانتقادات التي وجهها له خالد نزار وعبد العزيز بوتفليقة وحتى أنيسة بومدين – زوجة الرئيس السابق هواري بومدين- وأنه، أي الشاذلي – كان يعرف كل شيء عنهم، كيف مثلا تمكنوا من الوصول إلى هرم السلطة وكيف استفادوا من المساعدات... لكن بالمقابل هم لا يعرفون أي شيء عن حياته الخاصة وأنه يخشى -لو بدأ في الحديث عن نزار- الكشف عن أشياء مزعجة.".
"أنا الذي قمت بالإصلاحات . ..وليس مولود حمروش"
وبشأن الإصلاحات الاقتصادية التي قال الإعلام الجزائري والأوساط السياسية أنها كانت من فعل رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، كشف بن شيكو في مقالاته أن الشاذلي بن جديد انزعج كثيرا من هذه التصريحات وتساءل، أية إصلاحات قام بها مولود حمروش؟. وكتب بن شيكو نقلا عن الشاذلي عن أية إصلاحات تتحدثون؟. "الشاذلي هو الذي قام بالإصلاحات وليس مولود حمروش لأنني كنت الوحيد الذي يملك السلطة الحقيقية. كنت أبذل كل ما لدي من جهد لمنع الجزائر من ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبها الاتحاد السوفياتي السابق". ونسب بن شيكو للشاذلي قوله: "لا يوجد ما يسمى بإصلاحات مولود حمروش. انا الذي ناضلت من أجل فرض دولة القانون في الجزائر. وقررت كخطوة أولى إطلاق سراح الرئيس السابق أحمد بن بلة الذي كان مسجونا لأنني لم أكن أتصور بناء دولة القانون وفي نفس الوقت هناك سجين سياسي يدعى بن بلة ". وواصل بن شيكو دائما نقلا عن الرئيس الجزائري السابق:
"الإصلاحات لم تأتي هكذا بسهولة، بل نبعت من إيماني العميق بضرورة القضاء على الفكر الأحادي والتسيير المركزي لشؤون الدولة. أنا نادم فقط على شيء واحد، وهو أنني لم أقم بإصلاحات اقتصادية وسياسية جذرية. لكن لندع الوقت للوقت ليتحدث عن أفعالنا".
من جهة أخرى، نفى الشاذلي بن جديد حسب ما كتبه بن شيكو أن يكون من محبي الأضواء الإعلامية والسياسية والمجاملات. ولم يكن أيضا يبحث عن مكانة في التاريخ، مضيفا أن الشاذلي كان واثقا من مجيء اليوم الذي يعرف فيه الشعب الجزائري من هو الرجل الذي فرض التعددية الحزبية والسياسية في الجزائر ومن حرر الإعلام من القيود التي كانت مفروضة عليه ومن ساعد ثقافة حقوق الإنسان على النمو في البلاد".
اخترت التنحي من منصبي احتراما لضميري
من جهة أخرى، قال بن شيكو إن "الشاذلي بن جديد نفى أن يكون هو من رخص لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ -المنحل-، مضيفا أن الرئيس الجزائري الراحل أكد له أنه لم تكن لديه أية قرابة سياسية مع هذا الحزب وأنه كان يدرك بأن لمؤسسيه أهدافا سياسية وكانوا يستغلون الدين من أجل الوصول إلى السلطة"، مضيفا أن الشاذلي لم يلتق زعماء هذا الحزب إلا خلال اللقاءات الرسمية التي كانت تنظم مع رؤساء الأحزاب السياسية في إطار سلسلة المشاورات السياسية التي فتحتها الحكومة مع ممثلي أحزاب المعارضة دون استثناء.
كما قال بن شيكو إن الشاذلي بن جديد لم يكن ينوي وقف مسار الانتخابات التشريعية نهاية العام 1991 رغم حصول الجبهة الإسلامية للإنقاذ -المنحلة- على غالبية المقاعد في الدورة الأولى، بل كان مستعدا لعقد الدورة الثانية بحجة أنه لا يمكن الإدعاء ببناء دولة القانون والديمقراطية من جهة ومن جهة أخرى وقف المسار الانتخابي. وأضاف بن شيكو أن الشاذلي بن جديد قال له "فضلت التنحي من منصبي احتراما لضميري ومعتقداتي".
وفي ما يتعلق بوصوله إلى السلطة، قال بن شيكو إن الشاذلي بن جديد أخبره بأنه لم يطلب أبدا أن يصبح يوما ما رئيسا للجزائر، بل بالعكس اقترح أسماء أخرى لتولي هذا المنصب لكنها رفضت بسبب الوضع السياسي والاقتصادي الرديء الذي كانت تمر به البلاد.
"لقد تدخلت شخصيا لمنع سجن بوتفليقة"
وقال بن شيكو إن الرئيس الجزائري المتوفى في 6 أكتوبر 2012 رد على انتقاد صدر عن بوتفليقة استغرب فيه بقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عشر ساعات مع الشاذلي بن جديد، قائلا – بوتفليقة - إن الأول قادر على الحوار عشر ساعات دون توقف والثاني غير قادر على الكلام أكثر من نصف الساعة. وكتب بن شيكو أن الشاذلي بدا غاضبا جدا ومنزعجا عندما ذكر هذا التصريح وقال له: "ماذا يعرف بوتفليقة عن الاحترام الذي كان الرئيس الفرنسي ميتران يكنه لي وماذا يعرف عن الدبلوماسية الجزائرية عندما كنت رئيسا للبلاد"، مضيفا دائما نقلا عن بن شيكو أنه كان الرئيس الجزائري الوحيد الذي قام بزيارة إلى الولاياتالمتحدة والذي دعي من قبل بوش الأب إلى قضاء أعياد الميلاد مع عائلته وأولاده. وأضاف بن شيكو أن الشاذلي أخبره بأنه هو الوحيد الذي استقبل في الجزائر أبرز شخصيات القرن، مثل ملكة بريطانيا وملك اسبانيا".
وأضاف بن شيكو نقلا عن الرئيس المتوفى "لماذا ينتقد بوتفليقة عهدتي التي يصفها بالكارثة بالرغم من أنه وافق على هذه السياسة وصوت على جميع القرارات التي اتخذناها سواء كعضو في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني أو كوزير للخارجية"، مضيفا: لماذا بوتفليقة الذي ينتقدني كثيرا كان يطلب مني المساعدة والحماية. كنت أدرك أنه كان يقوم بكل هذا من أجل البقاء قريبا من مراكز القرار وخوفا من أن تفتح العدالة ملف الأموال المسروقة من الخارجية الجزائرية. وأنهى بن شيكو مقالاته بالقول إن الشاذلي بن جديد كشف له بأنه تدخل شخصيا لمنع اعتقال بوتفليقة ومنحه جواز سفر دبلوماسي وراتب شهري وساعده على استرجاع جميع ممتلكاته، بما في ذلك فيلة مؤلفة من 22 غرفة والواقعة في أعالي الجزائر العاصمة. طاهر هاني